من الزمن الجميل…. قصة للكاتب عبد الوهاب الجبوري

من الزمن الجميل
(قصة حقيقية)
***
في ذلك اليوم البعيد من ثمانينات القرن الماضي رسمتْ على خدها دمعةً مثل تفاح بيروتي ، فكانت أغنيةً تشهق في دمي .. وفيتُ لها ما كانت تجريه لي من وفاء وطيبٍ أحلى من التينِ والزيتونِ ......
أنفاسُ من كحل العين في رمشها
كانت تستجلب الغيوم .. نهداتٌ من عقيق مقلتيها تمطرها .. صُغتُ من همساتها موسيقى بطعم القرنفل ، صور متتالية بلون الفراق تذوي في براكيني .. ألفتُ مزاياها ، فعندما بعدتْ فإن طيفها ظلّ مع الزمان يشجيني .. ذكرياتي غاباتٌ ماؤها رقراقٌ بلا خديعة، تمدّني بهواءٍ لا حقد فيه ، أسوارها مسيّجةٌ بماء الورد ودمع العيون ..سفرُ عمري كان صبراً لن يطالعه سوى شراعٍ في فجرها يرسيني.. قد أضطرني الدهر أن أرحل وحيداً وأترك أيامي ورداً يمتص من دمي مخاوف الظنون .. بالأمس القريب ألتقيتها صدفة ، وقد أجتازت أسوار الستين ، فترجّلتْ عن زمنها وأنحنتْ بين كفيها تحييني.. من نزق البرق ، من حلم الموج، ومن تعب السنين ، بانت وقد خُطّ دربها بنفس ذاك الزهو الذي عرفتها فيه يوم كانت سحائبٌ في مرآها تسبيني.. تبادلنا الحديث عن ذكريات مرّت بنا منذ الثمانينات، فبدى وجهها الطفل يغرق في الدمع ، وقد أغتسل أفقها بالكبرياء ، فبدت أجمل من عمرها الستيني .. غادرتْ على عجل ، وقد وددتُ لو أطوي يديّ على فؤادها الطرابلسي .. رسمتْ على خدها نفس تلك الدمعة التي رسمتها عند فراقنا قبل خمسة وثلاثين عاماً .. تمنيتُ لو أعود طفلاً في رذاذ الريح يخفق ثوبيَ البالي ، أعدو وراء التل ، طعم الخبز والرشاد يعلمني سر الليالي المشرقة.. آه من نبع الحنين ، آه من كرّ السنين .. حملتُ روحي عن شواطئها ،وإن صارت نثاراً من رمالِ ، إنني أمضي بجسمي عنها نحو الجبالِ ، فأنا أشعر اليوم أنني كتبت عنها بحرف دامعٍ العينين ووصفٍ يحفظ الذكرى ويحييها في بلد الجمالِ .. قد رسمتُ شكل طيفها فرحاً رغم حزن العمر دومًا لا أبالي .. هذا وفائي رسالة كتبتها إلى ساكنة القلب في طول أرتحالي ، رسالة كتبتها بماء الورد وشهد الزلال .....

عبدالوهاب الجبوري
العراق في 2020/4/14

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا