حوار شطرنجي…. قصة بقلم الكاتب بركات الساير العنزي

بركات الساير العنزي
من مجموعتي الثالثة حوارات وأفكار
حوارشطرنجي
7-الجزء السابع
تقابل أحمد وعيسى في الجولة السابعة ، وجلسا على الطاولة تحت شجرة العنب في بيت عيسى
قدمت لها أم سامي زوجة عيسى العنب المبرد ، ثم تناولا القهوة  في جو شاعري وليلة هادئة والنسمات عليلة . اعتاد الصديقان أن يجلسا تحت هذه الشجرة المباركة في بيت عيسى، يقضيان سهرتهما في لعبة الشطرنج ويتبادلان المزاح والنقد ،
ويناقشان بعض الأفكار
الاجتماعية والسياسة وواقع الحال وٱحوال الدنيا ، لعب أحمد وهو صاحب الحجر الأبيض فقدم بيدق الملك مباشرة إلى المربع الرابع، فقابل عيسى الحركة بتقديم بيدق الملك للمربع الثالث، ابتسم أحمد ابتسامة بسيطة وقدم الفيل الأبيض إلى المربع الرابع، فقابله عيسى بتقديم بيدق الوزير للمربع الرابع ، مهددا قطعتين الفيل والبيدق . استغرب أحمد هجوم عيسى المبكر،والهجوم من الوسط وهي أقوى منطقة وقال: أراك متحمسا تهاجمني من الوسط من أصعب منطقة. وتعرف أن اختراق الوسط صعب في المعارك لوجود حمايات كثيرة. قال عيسى: لقد تعلمت أن إرباك عدوك يجعلك تأخذ زمام المبادرة ، وتكسر معنويات خصمك.
 كما تعلمت أن مباغتة العدو سرانتصارك،ومن قراءاتي فهمت أن النجاح في المعركة يقوم على رسم خطة ناجحة ، وأن تهاجم عدوك في عقر داره، أفضل من ٱن يهاجمك في دارك .             إذا أردت أن يحترمك عدوك أظهرله قوتك. قال أحمد : أين تعلمت ذلك ؟                                         هل تعلمتها في مدارس دون كيشوت ؟                     
قال عيسى: لقد تعلمت في مدرسة الحياة ،                    الإنسان الذكي يتعلم من الحياة ، وقرأت مذكرات كثيرة ، خاصة مذكرات تشرشل ورومل .                          قال أحمد : وضعتني في موقف محرج ، أنت تريد الصدام والقتال وأحلاهما مرلابد من تأخذ إحدى الحجرتين ولكن لن أصطدم معك لن أدعك تفرض علي الصدام ولا تجرني لمكان لا أريد القتال فيه .أيضا لقد تعلمت في المدارس أن الأعداء يضعون سببين في خصوماتهم وادعاءتهم ،هناك سبب ظاهري مباشر،و سبب مخفي هو الأصل ، لم يكن ضرب باي الجزائر للمندوب الفرنسي هو السبب الحقيقي لاحتلال الجزائر،و لكن السبب الخفي هو رغبة فرنسا في أرض الجزائر .وثورة الشعب الجزائري درس لكل الشعوب المقهورة، فلا بد من انتصار الشعب مهما طال الكفاح                         قال عيسى :ولكن قل لي لمن هذا القول أحلاهما مرُّ؟                                               قال أحمد هذه الأبيات للشاعر الفارس أبو فراس الحمداني أنا أحفظ أبياته منذ كنت طالبا.               وهي حكمة بالغة عندما تخير بين أمرين أحلاهما مرُّ. حيث يقول :
أُسِرْتُ وما صَحْبي بعُزْلٍ لَدى الوَغى            ولا فَـرَسـي مُـهْـرٌ
 ولا رَبُّــهُ غُـمْــرُ                       ولكـنْ إذا حُــمَّ القَـضـاءُ عـلـى امــرئٍ       فـلـيْـسَ لَـــهُ بَـــرٌّ يَـقـيـهِ
ولا بَـحْــرُ                    وقال أُصَيْحابـي : الفِـرارُ أو الـرَّدى ؟       فقلـتُ : همـا أمـرانِ ، أحْلاهُـمـا مُــرُّ  .                             ولكنّـنـي أَمْـضــي لِـمــا لا يَعيـبُـنـي         وحَسْبُـكَ مـن أَمْرَيـنِ خَيرُهـمـا الأَسْــر
قال عيسى نعم إذا حم القضاء فلا مفر منه ،فلا برا ولا بحرا يقيك منه .                                        إنها أبيات رائعة فيها حكم بالغة،ورغم فروسيته وبطولاته وقع في الأسروتركه ابن عمه سيف الدولة في السجن لسنوات طويلة،كان يخشى منه وقد آثر ان يموت في السجن أفضل من أن يثور عليه .سحب أحمد فيله حركة واحدة للخلف ليحمي البيدق،وقدم عيسى بيدق الرخ إلى المربع الثالث ،وقال أنا أيضا لا أريد الصدام معك ،وسأبقي بيدقي في مكانه في الوسط يهددك باستمرار .قال أحمد : أنت فشلت في اقتحام الوسط أمام دفاعاتي القوية ولم تجد منفذا لك ،والمربع الذي احتللته سأعيده بكل سهولة وسأقتل بيدقك المتقدم ، فما سبب فتح معركتك في الجهة اليمنى من ساحتك ؟
أنا افهمك جيدا، منطقتي محصنة والأحجار الموجودة هناك قادرة أن تتصدى لك .وقدم أحمد حصان الوزير إلى المربع  الثالث للفيل وقال : سادعم وسط الساعة حتى لا يخترقها العدو،لأن اختراق الوسط يؤدي إلى الانهيار . قدم عيسى البيدق مهددا الحصان وقال باعتزاز: وصلت للمربع الخامس من ساحتك ، أنا على بعد ثلاث مربعات من ملكك. اهرب بحصانك .قال أحمد : الوضع أصبح خطيرا لا بد من مواجهتك ، لقد أخطأت عندما تركتك تتقدم ، لقد استهنت بالأمر .
قطعت أم سامي تفكيرهما ولعبهما وقالت : توترت أعصابنا من الامتحانات ، غدا امتحان الثانوية ، غدا امتحان سامي، الولد فقد أعصابه لقد سجناه سنة كاملة .لقد حرمت نفسي من الزيارات والخروج من أجل سامي،حتى التلفازأغلقناه من بداية الدراسة إكراما لسامي .                                وقالت ياإلهي : إلى متى يبقى أولادنا في خوف ورعب من الأمتحانات ؟ أبناء أختي                      في دبي لا يشعرون بهذا الخوف ودراستهم أفضل من دراستنا،ومدارسهم أرقى من مدارسنا .                      قال احمد : نعم  الامتحانات أصبحت خوفا ورعبا ،الخوف من الخطأ في الامتحان فلا يحصل الطالب على دراسة مفيدة في الجامعة ، والمعاهد فاشلة لا تقدم شيئا ، يتخرج الطالب منها فلا يجد عملا ولا وظيفة ، الله يعين أولادنا . قال عيسى أقوم بمراجعة الدروس لابنتي مرام في الصف التاسع،تصور ثلاثة كتب اجتماعيات تقارب خمس مائة صفحة ، يدرس الطالب كل معاهدات الدنيا وكل الحروب ،وكل جبال العالم وانهار القارات واقتصاد اثيوبيا ، وجبال الهيمالايا .وأسباب فتح محمد علي للسودان،لا يمكن للعقل أن يستوعب ذلك،يقتلون عقول أبنائنا وأفكارهم بما لايفيد . قال أحمد : التعليم عندنا يقوم على الحفظ والبصم وترديد المعلومات ، لا يقوم على التفكير والمحاكمة العقلية ، من يضع المناهج لازال في عصر عنترة وعبلة .والمدرسون لازالوا يستخدمون السبورة الخشبية والحوار الأبيض والكلس ، لايعرفون السبورة الالكترونية ولا معطيات التعليم الحديثة . قدم أحمد الحصان إلى المربع الثاني للملك مهددا البيدق يريد الخلاص منه،وقدم عيسى بيدق الفيل للمربع الرابع فقتله أحمد فورا ببيدق الملك ليأخذ المربع الخامس ،وقال :هكذا تعلمنا . قالت أم عيسى لماذا لا يتعلم الوزراء ومسؤولوالتعليم في الدول الراقية قبل أن يصبحوا وزراء ، المفروض أن تكون هناك دورات وزيارات للوزراء للدول المتقدمة حتى يتعلموا كيف يسيرون أمور وزاراتهم .                                                         قال عيسى : لقد أخذوا دورات في معاهد عالية ، تعلموا كيف يهتفون ويصرخون وينافقون ويحاربون بطريقة دون كيشوت . وقال موجها كلامه لأحمد ، لقد تحملت ديونا كثيرة هذه العام ، من أجل دورات سامي ، مدرس يدخل ومدرس يخرج .مدرس رياضيات وعلوم وفيزياء وكيمياء وو.  قال احمد : وهناك من تدخل له الإجابات لقاعة الامتحان ، ويدخلون الجامعات بلا تعب، ولا جهد . بل ترسلهم الدولة في بعثات لدول أجنبية .                                           قال عيسى : نتوقف عن اللعب ياصديقي فلا أستطيع أن أقود معركتي لقد انهارت نفسي ،             إذا أردت أن تنتصر على عدوك فحطمه نفسيا ،هات القهوة ياأم سامي لقد حطمت نفسيتي .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا