الوفاء… قصة للكاتب عز الدين ابو صفية

الوفاء...

كانت حليمة في عمر الورد عندما قرر والدها تزويجها وهي صغيرة لا تتجاوز من العمر أربعة عشر سنة ، وكأنه يريد لها حياة أفضل من حياة الفقر التي يعيشها، فزوجها من جمال فأنجبت  عدد عشرة من الأبناء نصفهم من البنات، وجميعهن يتمتعن بجمال طفولي يجذب الكثير من الأهالي  لاختيار زوجات لأبنائهم من بينهن.
كان جمال هدفه الوحيد من تزويج بناته في سن مبكرة هو تأمين حياة أفضل لهن مع أزواج يؤمنون لهن حياة سعيدة  وقد زوج أربعة منهن ؛ ولكنه لم يتعلم من قسوة نتائج زواج بناته في عمر الطفولة ،  بعد أن عادت كل من ابنتيه ابتسام و وفاء إلى منزل الأسرة وكل واحدة منهن خلال فترة زواجها التي امتدت لمدة ثلاث سنوات قد أنجبت طفلين جذابين.
عادت كل من  ابتسام و وفاء إلى منزل الأسرة مطلقات بعد أن عشن فترة زواجهن حياة ملؤها المشاكل والخلافات لأسباب كثيرة ، فكان لتدخل أم زوج كل منهن،  تدخلاً مقززاً لم تترك أيّ واحدة منهن يوماً واحداً دون تحريض أبنها لضرب زوجته بقسوة بحجة أن زوجاتهم يحتجن لتربية وتعلم أمور الزواج ؛  وحقيقة الأمر كانت تُظهر غيرة الأم من زوجة أبنها التي يفوح جمالها وعطرها ويملأ فضاء المنزل ،  فتظن الأم بأن زوجة ابنها قد نجحت في امتلاك قلب ابنها الذي يقضي معظم وقته بعد عودته من عمله يقضيه في غرفته مع زوجته،  وكأن سكيناً تُقطع أحشائها عندما تسترق السمع من خلال المكان المخصص للمفتاح فتسمع ضحك زوجة ابنها وهما يتداعبان فيقهرها ذلك ، فتضرب الباب بقدمها بعنف وهي تصرخ ألم تشبعا غنجاَ طول الليل  انهضا.
كانت أم كل زوج من أزواج ابتسام و وفاء تظن أن كل لياليهم دافئة في حين أنها لم تعد أيٍّ منهن تتحصل على ليلة واحدة دافئة في الشهر الواحد وهي تعلم بأن زوجها يعود للمنزل وقد أنهكه العمل واستنفذ كل قواه فيلجأ إلى الفراش ولا يفيق من نومه إلا في الصباح.
تزداد المشاكل وقسوة زوجيّ بنتيّ جمال عليهن وتبدأ أم كل واحدٍ منهما بالعمل على تزويج ابنها المهزوز الشخصية ولا يستطيع الخروج من عباءة والدته التي بسلوكها هذا تمارس الإنتقام من زوجات الأبناء  وأهاليهن وتعمل على تطليقهن كون أن اثنتين من بناتها قد طُلقن من قبل أزواجهن والسبب تدخلاتها السافرة في حياتهم.
لم تسعف جمال كل هذه الظروف التي مر بها ابنتيه  ابتسام  و وفاء ، فعندما تقدمت إحدى الأسر لتزويج ابنها من إبنته انتصار وافق على الفور .
كانت حياة انتصار مع زوجها أفضل نسبياً مما كانت عليه الحياة الزوجية لأختيها  ابتسام و وفاء وكأنه أصبح لديها خبرة في التعامل مع الزوج وأهله بالإضافة إلى أنها كانت تتمتع بشخصية جذابة ودمثة وهادئة الطباع فعاشت حياة هانئة .
 واظبت انتصار على زيارة أهلها وخاصة والدتها حليمة التي تربطها بها محبة واحترام ودفء الأمومة فتساعدها في كثير من أعمال البيت والأشياء الخاصة التي تحتاجها فهي الأقرب لقلبها عن دون بناتها الأخريات.
لم تكن انتصار تدرك بأن أمها مريضة بمرض أصاب الكلى عندها فسبب لها الكثير من الأوجاع و المتاعب الصحية، فاستدعت حالتها دخول المستشفى، وقرر الأطباء استئصال إحدى كليتيها .
 لم يتمكن الأب من إيجاد متبرع أو من يرغب ببيع أحدى كليتيه لزراعتها للأم التي ربطته بها قبل الزواج  قصة حب انتهت بزواجهما وأنجبت  له العشرة أبناء، وكان لهذا أن أنهك جسمها الرقيق فعانت من أحوال صحية صعبة، ولم يكن جمال يدخر وسعاً للوقوف بجانبها و معالجتها وتوفير سبل الراحة والعلاج لها ، حتى أنه أنفق ما كان يذخره من أموال لعلاجها وشراء الأدوية وتكاليف إجراء بعض العمليات الجراحية لها في رحمها ومعدتها .
اصطحب جمال زوجته حليمة إلى المستشفى على عجل وهي بحالة صحية متردية والدموع تملأ عيناه والحيرة تؤلمه ولا يعلم ماذا يفعل وزوجته تعاني وتتألم بشدة .
خاطبه الطبيب الجراح ؛  هل وجدت متبرع بكلى لإجراء عملية زراعة كلى لزوجتك التي إن لم تتم هذه العملية بأسرع وقت ،  فانها ستواجه خطر الموت ، يزداد جمال ألماً وتنهمر دموعه ، تحتضنه إبنته انتصار وتشاركه البكاء ، تتساقط دموع جمال على وجنتي إبنته انتصار وهي تنظر إلى أمها ، فابتعدت خطوتين عن والدها  واتجهت نحو والدتها الممدة على السرير في المستشفى، تمالكت قواها ...  وبكل قوتها ...
صرخت ... أمي كليتي لك .

د. عز الدين حسين أبو صفية

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا