على باب الدنيا...كتبها الشاعرة شريفة حمدي

#على_باب_الدنيا
أتعلمين يا أمي أنه لم يكن هناك فرق توقيت يذكر بين مهبط رأسي على الأرض وصعود روحك إلى السماء.
ففي لحظة سقوط رأسي على راحة يد القابلة رأيت فرحة ودمعة على وجهك بطرف عيني المنتفخة التي كانت لأول مرة وبالكاد تبصر ما ألم بك من أوجاع من خرم أبرة.
وبينما كانت تعتصر القابلة أرجلي الصغيرة جدا والضعيفة جدا بين أصابع يدها الأخرى أرجحتني يمينا ويسارا كبندول الساعة كي تتأكد من أنني على قيد الحياة ، استقبلت الدنيا أولى صرخاتي ليس فرحا بخروجي لرحابة النور ،
ولكن حزنا لفقداني أمان ظلمة رحمك.
ولحظة لفت القابلة يديها وهي تحملني لأبدأ أولى لحظاتي في معركة الحياة باعتدال يالهول ما رأيت وأنا لم أتم لفة واحدة في الحياة بعد.....
رأيت قلوبا صماء وأرواحا خرساء
رأيت دماء ،وبكاء وحروبا شعواء ،
رأيت عيونا جاحظة ،وبطونا خاوية
رأيت الخراب ، وارتديت التراب ، ولم أر للحب أي أسراب.
رأيت عقولا حمقاء ، وأفواها للحق منكرة ،وللجرم غافرة ، ولرايات الكذب رافعة.
رأيت أياما عجافا على العمر تقتات ،
وليالي سوداء ليس فيها ضياء.
رأيت أرواحا بالشيب تخضبت
وأفئدة بالحزن توشحت
رأيت الشمس بالدموع تحنت ،والحياة تحطمت ،
ولم أر قمرا للأمل باعثا
رأيت الكسر وتذوقت القهر ،،والخاطر لم ينعم بالجبر.
وأمسكت برميم نفوس حانقة لا ترميم لها.
وقبل أن تكتمل لفتي الأولى في الحياة كساعة رملية
كنت بداخلها أنا أشاهد سينما جحود البشر....؛؛
لمحت نجمة من نوعها فريدة ،وليس لها مثيل ،
تلمع كماسة أثرية بروعة الإحساس منحوتة ،
نادرة كمعزوفة بالحب نابضة، حنونة كنسمة هواء ،
بالعاطفة مشحونة كرشة عطر لعنقي مرطبة،
تشع نورا يشفي صدورا بالغضب مملوءة.
لكنها كانت وحيدة ، حزينة ، وبين سبع سماوات صاعدة ، متلاشية ، مفارقة وعيناها للأحباب ملوحة...
وداعا...وداعا طفلتي الجميلة.
وهكذا التقينا واجتزنا كل الدنيا ونصف الآخرة.
 وتعانقت روحانا لنختبىء سويا بعيدا عن جنون الإنسان خلف الغيوم البيضاء في رحاب السماء.
وهكذا على باب الدنيا رأيت كل شيء على وجهك أختلط
يا أمي العزيزة.
#مذكرات_بلهاء
#همس
#شريفة_حمدي

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا