الشعراء..والغاوون...عبد الكريم احمد الزيدي

 اتمنى من كافة الادباء والشعراء ان يطّلعوا على هذا المنشور لما فِيهِ من ايضاح لسورة الشعراء في الآية الكريمة  " والشعراء يتّبعهم الغاوون "التي ربما يتناولها البعض بفهم مغلوط ،لاْقدمها مدعومة ببيان الدليل من الكتاب والسنة ، ومن الله التوفيق .


الشعراء .. والغاوون

................................


في تلاوة القرآن الكريم تمر علينا الآية الكريمة في سورة الشعراء ، والكثير منا لا يتدبر في معناها أو الإلمام في تفسيرها وأسباب نزولها ، وهنا لن أجتهد في هذا المقال ألا بما ورد عن المفسرين ولسان أهل الحديث ، فقد جاء قول الله تعالى " والشعراء يتَّبعهم الغاوون ، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ، وأنهم يقولون ما لايفعلون ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وإنتصروا من بعد ما ظُلموا ، وسيعلم الذين ظَلموا أيّ منقلب ينقلبون " .


ولابد من الإشارة إلى أن هذه السورة المباركة التي خص بها اللَّه الشعراء ولَم يأت ذكر غيرهم فيها ، إنما هي دليل على تأثير الشعر وأهله فيما يقولوا حتى يبلغ من تأثيره على من يستمع لهم ويتبعهم ما يبلغ في القلوب والأنفس ، وقد نزلت في مكة بداية الدعوة الإسلامية بعد أن إحتجَّ أهل مكة وقريش بإتهام الرسول (صَل الله عليه وسلم )لما إجتهدوا من إيذاء وتنكيل فوصفوه وَما أتى بِهِ عليهم بالشاعر والمجنون ، حتى أنهم لم يعهدوا عليه منذ نشأته فيهم بقول الشعر ولا حتى بحفظه ، فأرادوا بهذا نكاية له وتكذيب لما جاء بِهِ من الحق ، قال تعالى " وَما علّمناه الشعر وَما ينبغي له ، إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ، لينذر من كان حيّا ويحقَّ القولُ على الكافرين " .


ومن اليقين أن الرسول ( صَلّ اللَّه عليه وسلم ) لم يتعلم الشعر ولا يقوله أو يحفظ مِنهُ حتى ، ولربما كان يستمع له وَما كان يصل مِنهُ على لسان أهل قومه من الشعراء ، بل توافق في بعض ما ورد على لسانه ( صَل الله عليه وسلم ) بالشعر كما جاء في نثر كلامه ما يدخل في وزن كقوله في يوم حنين :

هل انت الا إصبع دمي

وفِي سبيل الله ما لقيت


وقوله :

أنا النبي لا كذب

أنا ابن عبد المطلب


وبالعودة إلى تفسير الآية الكريمة في الشعراء وأسباب نزولها ، فقد ورد في الأسباب أنها جاءت في شعراء مكة من الكفار الذين تجاوزوا وغالوا في هجاء الرسول ( صل الله عليه وسلم ) وما جاء بدعوته ورموه بالكذب والباطل فأجازوا لأنفسهم أن يأتوا بمثل ما جاء به القرآن الكريم ، وهؤلاء نفر من الشعراء في مكة إلتف حولهم المشركين وجلسوا إليهم ليسمعوا من شعرهم حتى إجتمع إليهم جمع من الأعراب من خارج مكة فيستمعوا لهم ويروون عنهم في أقوامهم وقبائلهم وكان  يؤيدهم ويشجعهم في هذا سادات قريش من المشركين بعد أن يهيأ لهم مجالس الشعر وأبوابه .


ولكن تفسير هذه الآية الكريمة التي جاءت بهذا الوصف  ، إنما المقصود بالشعراء هم من يأتوا بباطل القول وتصويره ويزَّوقون الكلام ببديع اللفظ ليوهموا السامع بباطل إدعائهم وتوصيفهم ، بمعنى رمي الحق بالباطل فهؤلاء الشعراء بما علموا من الحق أن كلام اللَّه سبحانه وتعالى ليس بِمِثلِ أشعارهم ولا من وحي خيالهم ولا حتى بوزن وصورة صياغة بنائه ، ليدحضوا بِهِ الحق فيتبعهم في تصديق قولهم من يجالسهم ويستمع إلى شعرهم فتزيغ أبصارهم ويضل رشدهم ويتيه عقلهم ، فيحسبوا أن ما جاء بِهِ كتاب اللَّه لا يختلف عن قول هؤلاء الشعراء السفهاء ، فأسماهم الله سبحانه وتعالى بالغاويين .


  أما لَو تدبرنا قراءة الآيات التي سبقت آية الشعراء هذه ، فأننا سندرك سبب ورودها وذكر الشعراء فيها بقوله تعالى " هل أنبئكم على من تنزل الشياطين ، تنزل على كل أفاك أثيم ، يلقون السمع وأكثرهم كاذبون " وهو رد على كل من كذّب الرسول ( صل الله عليه وسلم ) ورماه بدعوة انه كانت الشياطين تتنزل عليه لتملي له بالقول بمثل ما كان يصفه مشركي قريش وأنه قول يماثل  ما كان يقوله الشعراء .


ولم يأت قول الله سبحانه وتعالى على الشعراء عامة ، بدليل مرضاة رسول الله ( صَل الله عليه وسلم ) على من آمن بدعوته من الشعراء ، أمثال حسان بن ثابت ، كعب بن مالك وعبد الله بن رواحة فكان حسان وكعب يعارضان الكفار في الوقائع والأيام والمآثر ويذكرون مثالبهم ، وكان عبد الله يعيّرهم بالكفر وعبادة ما لا ينفع ولا يسمع ، حتى اذا نزلت هذه الاية في سورة الشعراء ، جاء هؤلاء الى مسجد رسول الله ( صَل الله عليه وسلم ) وهم يبكون ليستغفر لهم فيما ظنوا بأنهم ممن ذكرهم اللَّه سبحانه وتعالى ، فتلا عليهم قول الله " ألا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وإنتصروا من بعد ما ظلموا ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " ، ولعل الآية الكريمة جاءت بعد ذكر اللَّه سبحانه وتعالى وصف من تتنزل عليه الشياطين فهي تتنزل على كل أفَّاك أثيم ، أي كاذب كثير المعاصي ،  ليبين للمكذبين بدعوة رسوله ( صَل الله عليه وسلم ) إنما يوحى إليه من لدن حكيم خبير .


 أقول ما ذكرت واستغفر الله لي ولكم ، أن كان ما يملى علينا من فعل الشياطين واعوذ بالله ان نكون من امثال ما وصفهم الباري عز وجل ونبرأ اليه من كل قول او شعر جاء بغير علم او هدىً وان يجعلنا في زمرة من استثناهم بقوله تعالى " الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وأنتصروا من بعد ما ظُلموا ، وسيعلم الذين ظَلموا ايّ منقلب ينقلبون " وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم  .


......................................................................


عبد الكريم احمد الزيدي

العراق / بَغداد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا