الطوفان... محمد الادريسي

 الطُّوفانُ 

أرى في الأُفُق قُرْبَ عَوَاصِف الطُّوفان 

فَلَيْسَتْ أساطِيرٌ قَدِيمَةً يَحْكِيها العُرْبان

أوْبِئَةُ المُخْتَبَرِ تَسْتَهْدِفُ المَرْءَ والوِجدان

الحُرُوبُ مُفْتَعَلَةٌ مُبَرْمَجَةٌ لِتَركِيع السُّكَّان

ومُقَدَّساتُنا مُسْتَباحَةٌ على شُهُودِ الأعْيان

 

تَحْتَ أصْواتِ المَدافِعِ لا يُسْمَعُ الآذان

غابَتْ شَمْسُ السَّماءِ تَحْتَ كَثافَةِ الدُّخَّان

رُكامُ الأزِقَّةِ عَلَى الطَّريقِ بَعْدَ هَدْمِ العُمْران

عُقُودٌ طَوِيلَةٌ صاغوا قَوانِينَ لِتَبْرِير العُدْوان

فطَوابِيرُ البُؤَساءِ الطَّوِيلَةُ عَمَّقَتْ الأحْزان


لَمْ يَعُدْ الصَّمْتُ حِكْمَةً كما قَديمَ الزَّمان

رَدَّدَهُ الحُكَماءُ لِيَبْعَثوا في النُّفُوس الأمان

كما سَرَدَتْ المِيثُولُوجْيا الغَرْبِيَّةُ في اليُونان

واقِعٌ مُرٌّ تَنْقُلُهُ وَسائِلُ التَّواصُلِ مِنَ المَكان

في حِينِه حَتَّى نَكونَ شُهُودًا على الحِرْمان


 العالَمُ لَمْ يَعُدْ كمَا كانَ تَقَوَّى أثَرُ البُهْتان

علَى مَوائِد اِسْتِبْدادِ الطُّغاةِ وأرْذَلِ الألْحان  

لا تُوجدُ سَفِينَةُ نوحٍ كما قَبْلُ علَيْها الزَّوْجان

عَلى مَتْنِها البَشَرُ ومُخْتَلِفُ مِنْ أنْواعِ الحَيَوان

رَغْمَ الأمْواج العاتِية حَماها مِنَ الغَرَقِ الدَّيَّان


أبْحَثُ عَنْ قَشَّةِ نَجاةٍ لَمْ تُبْصِرْها عَيْنُ الرُّبّان  

بَيْنَ واقِعٍ دَمِيٍّ أوْقَفَ الاِدْراكَ وراسخِ الاِيمان

ماتَتْ كُلُّ تِلكَ التَّطَلُّعاتِ بَعْدَ زِراعَةِ السَّرَطان

ماتَتْ الأمَانِ تَحْتَ أقْدامِ صَاحِبِ الصَّوْلَجان

دُفِنَتْ حِينَ تَمَّ زِراعَةُ بَيْنَ بُلْدانِنا ذاك الكِيان 


شُعوبٌ مَنْكَوبَةٌ بَيْنَ حَدِيدِ مِطْرَقَةٍ والسَّنْدان

تَنامُ نَوْمَ المَوْتَى ثُمَّ تَسْتَيْقِظُ بَعْضَ الأحْيان

تَغُمُرُها النَّكَباتُ بَعْدَ عَمِيقِ إغْفاءِ الأجْفان

ماتَتْ فيهِمْ نَخْوَةُ الرُّجولَةِ وشَهامَةُ الفُرْسان

يَقْتُلُ أطْفالَها نِساءَها العَدُوُّ المُجْرِمُ الجَبان


وفي القُلوب تُدْفَنُ الرُّفاتُ عَدَدُها الأطْنان

شَيئًا فَشَيْئًا نَرَى غَرَقَ المَسْجونِ والسَّجَّان

وقُوَّةُ الرِّياحِ هَدَمَتِ اِبْتَلَعَتْ شَظايا البُنْيان

وقَلَعَتْ ضِخامَ الأشْجارَ أغْرَقَتْ البُسْتان 

لِمَ السُّؤالُ أنْتُمْ تَعْرِفون مَنْ باعَ الأوطان


مَنْ رَكِبَ أمْواجَ الظُّلْمِ مَنْ جَلَدَ الأبْدان

في العَهْدِ القَديمِ العَهدِ الجَدِيدِ والقُرآن

فيَحْنِثونَ في يَمِينِهِم تَحْتَ قُبَّةِ البَرْلَمان

يا أبَتي يا أُمّاه نَعيشُ زَمَنَ اِزْدِراءِ الأدْيان

أرْخَصُ ما على هَذِه البَسيطَةِ دَمُ الإنسان    

طنجة 07/06/2022

د. محمد الإدريسي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا