حوار الطرشان 4… للكاتب بركات الساير العنزي

أبو مروان العنزي / بركات الساير العنزي
من مجموعتي الثانية ( حوار الطرشان ) ط- دار النوارس للنشر -القاهرة ، مصر
حوار الطرشان  ( 4  )
الكويت : الأحد 7/11/2004

..... أقام الزوجان حفلا كبيرا بمناسبة مرور خمسة عشر عاما على زواجهما ونجاح ليث ابن حلا . حيث تعهدت لواحظ بحفلة خاصة إذا ما نجح في الشهادة الإعدادية بمجموع مشرف .
حضر الحفل الأصدقاء والأهل والأخوان وجميع صديقات لواحظ ، وقد أصرت عليهن بإحضار أولادهن لأنها تحب أولاد صديقاتها وتسأل عنهم باستمرار .. كان حفلا رائعا ..  لقد تجدد زفاف لواحظ .. لم ينس الجميع يوم زفافها .. و لن يتكرر ذلك اليوم في حياتهن حتى في زواجهن .
لا حظ الجميع تغيرا في صحة لواحظ إنها تتعب بسرعة ، ويميل وجهها للاصفرار، فقد بدت شاحبة  نحيفة،، وأخذت تفقد بريقها الجذاب .. حرصت الصديقات على الإطراء والثناء كي لا يجرحن مشاعر صديقتهن ، ولكنهن تهامسن فيما بينهن وقد أصابهن القلق . وأوعزن الأمر إلى ظروفها الخاصة بها  من ناحية الإنجاب
لا حظ نادر خمول زوجته ، وتغير في نفسيتها وقد نبهته حلا ، حيث قلقت على وضع صديقتها ، إذ كانت توصي أخاها كثيرا بها وتطلب منه حسن معاملتها  . اقترب منها وناولها كأسا من العصير ووضع يده على كتفها ، وقال :
- حبيبتي ، أراك متعبة مرهقة ، أتذهبين إلى الطبيب لعمل فحوصات طبية ؟ صحتك لا تعجبني هذه الأيام
- لا، لا أحس بألم إنها وعكة بسيطة وتزول بإذن الله ، لأنك تعرف لا أحب الأدوية ولا الأطباء .
بدأ جسم الفاتنة يذوب ويتغير لونها .. هجم عليها المرض هجوم الوحش الكاسر . أدخلها زوجها أكبر المستشفيات في دمشق ، وقام الأطباء بعمل الفحوصات اللازمة للتأكد من هواجسهم .
استدعى كبير الأطباء الزوج إلى غرفته وأعلمه بحقيقة مرض زوجته ، وان المرض قد نهش جسدها، واستفحل في كل أنحاء البدن  ربما تعيش لشهور عديدة حسب إرادة الله، وما عليه إلا أن يكون صبورا متقبلا لأمر الله .. وقع كلام الطبيب كالصاعقة على رأس نادر .. استند إلى الجدار وهويخرج من غرفة الطبيب ذهب إلى زوجته وهي ممدة على السرير وقال ، الحلوة تريد أن ترى مكانتها عندي ، تقدم نحو السرير وقبلها وقال  : الأطباء يقولون :إن مرضك بسيط هو نوع من الحمى القوية ، وأن الدواء سيفيد عن شاء الله ولكنه يستغرق وقتا . ستشفين بإذن الله يا لواحظ وسنلف الدنيا معا نجدد أفراحنا ، لن أتركك لوحدك بعد اليوم سأبقى العين الساهرة عليك . سأعطيك الدواء بنفسي . لن أترك أحلى لواحظ في الدنيا .
تشاور مع أخوته ، وأخوتها واستقر الرأي أن تجلس في بيتها وتعالج تحت إشراف طبيب ، كي ترتاح نفسيا وجسديا ،وراحة للزوار من الأقارب والأهل والأصدقاء
.....أخذ  نادر زوجته إلى بيته ، وترك عمله وبقي معظم الوقت بجانب زوجته ..كان يجلس في مكتبه في المنزل وحيدا أحيانا ويبكي  على لواحظ  وحظها العاثر..ويخاطب نفسه : حرمت زوجتي الأولاد تقبلت ذلك بنفس رضية.. الأمر لله ، ولكن أن تذهب مني لواحظ  !!، هذا صعب لا  أستطيع تحمله .. ويلي عليك يا لواحظ وبكى بكاء مرا مثل بكاء الأطفال ... أصبحت المملكة خاوية ..الملكة لواحظ بين الحياة والموت . البيت يكتظ بكل الزائرين والباكين وخاصة أصدقاؤها ..و بقيت حلا في البيت لا تغادره ، تجلس بجانب لواحظ وتقف مع أخيها في شدته. لا حول ولا قوة إلا بالله ، العبارة تترد على ألسن الزائرين .. استسلمت لواحظ بهدوء وسلمت روحها لبارئها بين يدي نادر، الذي راح يبكيها ويضعها بحضنه ، لا يريد تركها وكاد يجن لشدة الحزن ...بكى الكبير والصغير على لو احظ انطفأت الشمعة التي كانت تنير البيت . أشغلت الجميع بحياتها ومماتها .  كانت الجنازة كبيرة قلما شهدت المدينة جنازة مثلها ، صاح احدهم بعد  صلاة الجنازة :
( هذه الدنيا لا تدوم سبحان الدايم القيوم ، وحدوا الواحد الأحد).
....لم يفارق قبرها ليوم واحد   ، طالت لحيته وكثر الشيب في رأسه أصبحت حالته صعبة  يرثى لحاله، لم يستطع احد إخراج الملك من حزنه .
..... تداول الأهل حالة ابنهم إنه يسير من سيء إلى أسوأ لا يكاد يخرج من البيت  . قال أخوه بشر : هذه الحالة يجب أن لا تدوم، وعلينا تدارك الموقف ، مضى عام وما زال أخونا في تدهور وبأس .
-قالت حلا : وماذا نفعل  يا أخي ؟ أشر علينا. قال بعصبية ظاهرة الدنيا لم تنته  بموت لواحظ ، الطيب أفضل من الميت ( وكان يكن كرها دفينا نحو امرأة أخيه ).. وهذه حال الدنيا ، يجب أن نقنعه بالزواج شاء أم أبى .. هذا هو الرأي الصحيح وعليكم أن تساعدوني .. وإلا خسرنا أخانا الأكبر ونحن ننظر إليه،
 ولات ساعة مندم حينئذ . نكون قد فقدناه إلى الأبد. لا تقولوا لي إنه لا يرضى بالزواج ، يجب أن نجبره على ذلك . وأنت يا حلا ، لك تأثير كبير عليه ويسمع كلامك عليك أن تقنعيه ، الدنيا لا تقف عند أحد ، لا يهمها الصغير ولا الكبير .شعر الجميع أن بشرا قد تحول إلى فيلسوف في الحياة ، وأن كلامه كالجواهر ، أخرج ما كانوا يكنونه في صدورهم . وفي الشدائد تعرف معادن الرجال. كان بشر مثل ربان السفينة الذي يتولى قيادتها في الظروف الصعبة .
استوطن الأخوة والأخوات في بيت نادر، وقالوا لن نخرج من هذا البيت حتى تتزوج ، وحتى يفتح الله بيننا وبينك .. وخاطبه أخوه : الزوجة ستنسيك همك وتساعدك ، ويبقى حبك لزوجتك لواحظ محفوظا في مكانه

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا