وسرقت عمري سماح للقاص بركات الساير العنزي

بركات الساير العنزي
من مجموعتي القصصية الثانية ( حوار الطرشان )
ط- النوارس للطباعة والنشر- القاهرة -2019
وسرقت عمري سماح
الكويت الجمعة 25/3/2005

..... نسي الشاب نفسه في غمرة العمل والحياة ، فقد استحوذ العمل على كل
وقته ، نهارا وليلا . وجد لذة في عمله الجديد ، وفي مكتبه الهندسي المتواضع . وقد نجح في عمله بسرعة بالرغم من حداثته في التخرج . وعمله وسط حيتان المقاولين والمتعهدين . تيسرت أحواله فاشترى سيارة صغيرة تزيد من وجاهته أمام الناس .لم يفكر بالزواج أبدا . ربما انشغاله بمسؤوليته تجاه عائلته ، أو أن شريكة المستقبل لم تظهر أمامه بعد .أدرك الفتى المسوؤلية الملقاة على عاتقه بعد وفاة والده ، لا زال أمامه أخوة يدرسون في الجامعات ويحتاجون إلى المصاريف الكبيرة . فقد كان مسئولا تجاه أمه وأخوته الثلاثة .
استيقظ مبكرا، واغتسل بهدوء وارتدى طقم الجينز الأزرق ، ثم وقف على المرآة ليحلق ذقنه ويصفف شعره ولبس سترة الفرو ، الجو شديد البرودة لاتزال ثلوج الأمس تغطي طرقات الشام ، وعليه أن يخرج إلى المشروع . بدا جميلا وسيما على غير عادته . فقد كان لا يهتم بهندامه كثيرا . استوقفته أخته منال وقالت له :
- هذا غير معقول ، أأنت خارج إلى عرس أم إلى العمل ؟ هناك واحدة في حياتك
ما هذه الوسامة والجمال يا عبدو ؟!
- ابتسم لها وقال لها : أنت تلاحظين كل شيء يا منال ، لا شيء ولكني أتقي البرد القارس في هذا الشتاء الصعب .
ركب سيارته وقطع شوارع المدينة ، كان الثلج يتناثر على زجاج سيارته كقطن أبيض ، ولكنه لم يكن غزيرا ، الجميع خرج إلى عمله ، ولا بد من العمل لأن الوقت محسوب عليه وإذا ما تأخر في المشروع سيدفع غرامة ويقع في الخسارة .
كانت الأفكار تواكبه مع موسيقا ماسحات الزجاج على السيارة . صورة أبيه لا تفارقه فقد علمه على هذا العمل ، وكان يتمنى أن يراه مهندسا كبيرا يشرف على مشاريع أبيه .

.... عندما دخل البيت استقبلته ابنة خالته سماح وقالت له :
- كيف حالك ياعبدو ؟ جئت لتشرح لي بعض المسائل في الرياضيات ، لم أستطع حلها. وأنت لاتبخل في مساعدتي .
نظر إليها مبتسما وقد بدا مذهولا لجمالها، ظهر الارتباك واضحا على الرجل الموزون الجاد في حياته . هز رأسه موافقا وقال :
حسنا بعد راحة الظهيرة إن شاء الله نبدأ الدرس.

رآها فتاة تختلف عما قبل ، تبدي اهتماما كبيرا بنفسها ، عيناها الزرقاوان يضفيان عليها بريقا من الكبرياء والتحدي . تفحصها بسرعة دقيقة بدءا من شعرها الأشقر
المنسدل على كتفيها، وتتدلى بعض الخصلات الصغيرة فوق جبينها، والثوب الفضفاض الأبيض اللون إلى أخمص القدمين الصغيرتين الناعمتين . ولم تفته الابتسامة الدائمة التي تعبر عن الحنان والإنسانية في داخلها . بهرته الفتاة وبدأ يحس أن عواطفه تنجذب إليها ،ولم يكن يعيرها اهتمامه،كان يكبرها بعشر سنوات أو أكثر لهذا كان يراها صغيرة دائما. ولكن هاهي كبرت وتقدم الشهادة الثانوية الفرع العلمي لدورة1982. كان يداعبها في الكلام أحيانا ويلاطفها كأخت له ولم يحس يوما أن عواطفه تجاهها كانت عواطف حب إنما مشاعر قرابة ومودة . ترتبط العائلتان بروابط القربى حيث تكن خالته له بعظيم المحبة والاحترام، ولم يشعر أنه تفرق بينه وبين أولادها.
بدأ الحب يتسرب إلى قلب الرجل الخجول الصارم الذي لايعرف المزاح ،فقد وجد أسرة تكيل له المدح والثناء منذ صغره والكل يراه كبيرا قبل أن يكبر. ولم تكن له علاقات نسائية أو غرامية فكان حب سماح الذي بدأ يغزو قلبه جديدا عليه ، لم يهتد إلى طريقة لمقاومة ذلك الحب الغازي .لكنه آثر كتمان حبه عن الفتاة ريثما تكون الفرصة سانحة له بعد نجاحها من الثانوية .
لم تغفل الفتاة تودد ابن خالتها نحوها، بل كان تنظر إليه كمثل أعلى في حياتها. فهي تسمع عبارات الإطراء والمديح من أمها وخالتها تجاه عبدو. وتمنت لو أن عبدو يبوح لها بكلمة واحدة يعبر فيها عن حبه لها . كان يساعدها في الدراسة وخاصة في مسائل الرياضيات وقريبا منها ، يحثها على الدراسة وعدم التقصير ويؤنبها بلطف أحيانا. مما ترك أثرا قويا واحتراما زائدا داخل نفسها . إنها تهابه ولكنها تشعر بخيط عاطفي يربط قلبها بقلبه .لم تترك له مجالا أبدا فقد لاحظت اهتمام عبدو بها ، وهي لا تريد منه سوى كلمة واحدة تخرج من شفتيه يظهر فيها حبه لها.

.....أكثر عبدو من زياراته لبيت خالته ،وكان واثقا من حب سماح له، وسيجدها في أي لحظة عندما يحين وقت الزواج وتنتهي من شهادة الثانوية العامة .
بقي عبدو في حدود الرسميات ولم يحرك ساكنا بعد نجاح سماح . دخلت الجامعة ولم يبد أية مشاعر نحوها. لا شيء يحرك ذلك الصدر المغلق الذي يحبس في داخله حبا لو خرج من قمقمه لكان ماردا .لكن الفتاة التي تخفي في نفسها روح التمرد والانفتاح أرادت استباق الزمن وتحريك مشاعر الرجل واختبار نواياه تقدمت منه في إحدى الزيارات، وقد ابتسمت ولمعت عيناها الوقادتان ونظرت إليه بمكر وقد تدلت خصلة من شعرها على جبينها فقالت:
-متى تتزوج يا عبدو ؟ ! وهل يمكن أن أعرف سعيدة الحظ ؟!
احمر وجه عبدو من الخجل ارتبك في الإجابة فقد أدهشه السؤال ، وقال :
-عندما يحين الوقت يا سماح ، ولكن لم تسألين هذا السؤال ؟.
تقدمت نحوه أكثر والتصقت به ، أرادت أن تجذبه بجمالها . وقالت :
-هل أزعجك السؤال ؟ ! وأردفت بتغنج : أنا آسفة إذا كنت تدخلت في خصوصيتك يا عبدو . ولكني أشعر أني قريبة منك .
- لا يا سماح أنت أقرب شخص لي، اسألي ما شئت ، يجوز لك ما لا يجوز لغيرك
-وما معنى ذلك ؟ ولما أنا بالذات ؟!.( أرادت اعترافا منه بالحب )
لكن عبدو لم يجب واكتفى بابتسامة خجولة وانسحب من المكان نظرت وهو يغادر المكان وعلتها ابتسامة الانتصار بعد أن حركت الجبل من مكانه وقالت:
(لن أجعلك تفلت مني مهما كان الثمن يا عبدو ! أتظنني صغيرة؟ ! )
طال الوقت وعبدو لا يتكلم ، ولم يشر لأهله على فتاة بعينها ، شعرت أمه بالحزن عليه جاءته مرة وهو يجلس لنفسه وقالت له :
-ياعبد الكريم لما لا تتزوج ؟ تزوج يا بني ، هذا أخوك سيتخرج في نهاية السنة إن شاء الله . وأختك تخرجت من المعهد وستتزوج في الصيف .
بإذن الله ، ولم يبق أمامك مانع يمنعك من الزواج . أشر لي بفتاة أخطبها لك .
أأخطب لك سماح ابنة خالتك فيها جميع المواصفات التي تليق بك .
وإن كانت أصغر منك سنا . (أرادت الأم أن تختبر نوايا ابنها وهي التي
كانت تضع سماح أمامه بشكل غير مباشر لتلفت انتباهه نحوها)
- أعرف عواطفك الغالية يا أمي وعندما أريد الزواج سأخبرك باسم العروس
ابتسمت أم عبدو وتمنت ذلك وقالت :
أحب أن أرى أولادك وأربيهم كما ربيتك يا عبدو.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا