وسرقت عمري سماح… للكاتب بركات الساير العنزي

أبو مروان العنزي - بركات الساير العنزي
مجموعتي القصصية حوار الطرشان
وسرقت عمري سماح ج4

- هل أنت متزوجة ياميساء ؟ .
- لا ، يا أستاذ عبدو أظن أن قطار الزواج قد فاتني . وابتسمت ابتسامة مكراء.
خجل عبدو ورد على ابتسامتها بهز رأسه .
تعجبت ميساء من سؤاله وقالت : يا إلهي ، أيحبني الرجل ؟ وماذا وجد عندي غير الفقر والحالة البائسة ؟ حافظي على نفسك أيتها البنت ، ولا توقعي الرجل في حبالك . ثم تساءلت : ولكن لماذا لم يتزوج ؟ هناك سر يقف وراء تأخره عن الزواج . وهو لا يكره النساء كما فهمت . إنه لطيف معي .
لهذا حرصت ميساء على عدم التزين والتبرج في عملها ، فهي كما جاءت أول مرة لم تغير من أحوالها. كأنها تريد أن تقول للرجال : هذا القلب لا يحب ، ولا يعشق . كانت لا تريد أن توقع أحدا في حبالها . ولكن هذا ما زاد من إعجاب عبدو بها ،واحترامه لها .
انتبهت لصوت عبدو وهو يكلمها :
- أين أنت يا ميساء ؟ أين شردت ؟ أكلمك ولا تردين . على كل لا تفكري بشيء، وعندما تشعرين بالحاجة اطلبيني أكن عند حسن ظنك .
شكرته ، وامتنت له ، وسبحت في بحر من الخجل ، ثم دوى الصمت بينهما وأردف عبدو : أريد أن أقول لك كلاما ، إذا سمحت لي قلته . هزت رأسها وابتسمت فقال :
- أنت تشبهين فتاة عرفتها في شبابي، لقد أحببتها حبا لا يوصف .. لكن ذلك الحب مات وبقي الجسد ، دفنت حبي وبقيت أعيش على خياله .
تطامن الحزن في نفسها ، ورقت للمشاعر الحساسة وذرفت الدموع سخية .
وأردف عبدو : لا أريد أن أثير أحزانك ، ولكن أردت أبين الشبه بينكما، تبعثرت الذكريات في عقله ، وشعر بتجدد الأحزان ، تدفق الأسى في قلبه كالسيل العارم . تمالك نفسه وخرج من المكتب ليركب سيارته مغادرا المكان .
شعرت بالحزن عليه ،وأطرقت برأسها على الأرض ، وقالت محدثة نفسها :الفقراء تعساء ، والأغنياء أشقياء ، ما الذي يمنع رجلا مثل عبدو من الاستمتاع بالحياة ؟ ما كنت أظن أن قلبا رحيما مثل هذا القلب يحمل بين طياته بحرا من الحزن والأسى . كل ما أخشاه أن يقع الرجل في حبي ، وأنا التي كابرت لسنوات عن الحب . فقد ملكت أحلاما كثيرة . أيكون عبدو هو حلمي الأخير ؟ لا أعرف .

..... كانت ميساء تتخيل شكل الزوج القادم في خيالها دائما ، سيكون ممشوق القوام مثل زوج ابنة عمها ، أو مثل عريس صديقتها مها . هي تستحق ذلك راحت تملأ نفسها بأحلام كثيرة . رفعت رأسها نحو الأعلى رأت صورة عبدو المعلقة ، قالت : عبدو طيب القلب ، سمح النفس تتمناه كل فتاة . لو يخفف وزنه قليلا ! لو يهتم بهندامه أكثر ! فارق العمر لا يهمني يمكنني أن أتجاوز هذه المشكلة . لكن عبدو حلم ! هل يرضى أن يتزوجني ؟ إنه حلم ...
شعرت بالبرد ، لبست رداءها الشتوي ونظرت من النافذة وجدت السماء متلبدة بالغيوم الداكنة ، والأمطار متلاحقة ، خرجت منصرفة إلى البيت ، من الصعب أن تنتظر توقف المطر الغزير . سارت في الطريق كالمذعورة . لم هذا الخوف ياميساء ؟ سألت نفسها ثم قالت : لقد شعرت بهذا الخوف عندما توفي والدي ، عندما أحسست بالمسؤولية ، تذكرت الماضي عندما كنت في السابعة عشرة من عمري. عندها تركت دراستي وأنا في نهاية الثانوية ، الزمن يركض بنا ولا نستطيع اللحاق به ، أنا على مشارف الثلاثين من عمري .
والدتها في انتظارها . ثلاثة أخوة ذكور تحبهم أكثر من حب أمهم لهم . ويحبونها كحب أمهم. حثت خطاها للوصول إلى موقف باصات ركن الدين لتسقل حافلة إلى منزلها . (وتتابع تفكيرها) لم تنس الأعمال الكثيرة التي اشتغلت بها منذ أن تكفلت إعالة إخوتها ، فقد عملت ممرضة في إحدى المشافي الخاصة ، وعملت ممرضة عند طبيب تداوم في الصباح والمساء ... كانت تعود منهكة من التعب ، ولم تتذمر يوما ولم تشك يوما، كي لا تثير المتاعب لأمها أو أخوتها .

.... أكثر من عام وميساء وعبدو متقابلان في المكتب الواسع . ازداد عبدو إعجابا بها. لقد توله بالسكرتيرة ، ولكنه كعادته كان صامتا . لم تكن بعيدة عنه ينتابها نفس الإحساس . قرر عبدو أن يفاتحها بالزواج , سيكون صريحا ولن يدعها تـفلت من يده مهما تعددت الأسباب .
دخل المكتب، وقدمت له مجموعة من الملفات لدراستها وكشف الحسابات .. بعد انتهائه من الأوراق .. طلب فنجانا من القهوة فهو مغرم بها ، وخاصة من يد ميساء التي تعتـني بقهوته عناية خاصة .. وجد المناسبة للكلام فقال :
- ميساء أريد أن أتزوج ما رأيك ؟
- مبروك يا أستاذ ، إنه خبر مفرح . ( وشعرت بالغيرة وامتقع لونها)
- ولكن لم تسأليني عن العروس .
- ومن أين لي أن أعرف ؟ ربما تكون قريبة لك وتليق بمقامك .
( كانت ترد بعصبية واضحة)
- عروس جميلة، وحلوة، وعذبة ، .. لكنها ليست من أقاربي ، ولم أكلمها في الموضوع ، انتظر رأيها . لقد ملكت كياني وقلبي .
- هل هذا لغز أم أنها قصة سينمائية ؟
- لا ، إنها حقيقة . أعاد حبها اليقظة إلى ذاكرتي المفقودة ، وجمعت أشلائي المتناثرة .
- أي امرأة بلهاء تلك التي تحبها؟ وهي لا تعرف . ربما هي في الخيال وترسم صورتها . أو ربما هي محبوبتك التي ماتت من سنين ولا زلت تعيش على أنقاض مملكة مندثرة . ربما زدت من صراحتي ولكن اسمح لي .
- إنها حقيقة وقريبة مني ، هي أقرب مما تتصورين . وسأخبرك عنها في الأيام القادمة بعون الله ، ولن تكوني بعيدة عنها .
-راحت ميساء تضرب أخماسا بأسداس ، قريبة مني ، لا بد أنه يعنيني ، يا إلهي
أيحبني وأنا لا أدري ؟
شعرت بالفرح يغمر قلبها وكيانها ، لم تتصور أن عبدو المهندس الغني يقع في حبها. تخيلت نفسها وهي ترتدي ثوب العرس الأبيض وتضع يدها في يد عبدو .
أيتحقق حلمها بعد أن تلاشت أحلامها السابقة ؟ أرادت أن تكمل عملها ولكنها كانت متعبة ، لا تستطيع التفكير ، استأذنت من عبدو وخرجت تقصد منزلها .
بعد عدة أسابيع قرر عبدو مصارحة الفتاة وطلب يده ليرى رأيها ، جلس أمامها في المكتب ونظر إليها وجدها مهتمة بنفسها كثيرا على غير العادة ، إنا أجمل من قبل . قال لها :
-ميساء أريد أن أكلمك في موضوع خاص .
- تفضل أستاذ عبدو

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا