الوحش… قصة للكاتب حمادي آل حمزه

نوفمبريات

قصة من الواقع.

الوحش

كلفته الثورة بنقل الأسلحة من الحدود الشرقية المتاخمة لتونس وليبيا، نظرا لأمانته وما عرف عنه من معرفته للمسالك الجبلية بالمناطق الشرقية للبلاد، وكان حريصا على إيصالها سالمة وفي وقتها، وأصبح مطلبا أكيدا لزعماء الثورة في المنطقة الأولى،وأثناء عودته من سفرياته الكثيرة، كان يعدّ مآدب للعشاء لمجموعة من المجاهدين تربطه بهم علاقات الجهاد، فيتجاذبون أطراف الحديث عن مآثر الثورة وأخبار المجاهدين و المداشر وما تفعله فرنسا من أجل الوصول إلى المعلومة حتى تضيّق الخناق على الثوار وتسبقهم بلحظات إلى مكان الحدث.

كان يسكن البادية، يملك رؤوس أغنام ترعاها زوجته الحامل وأختيه المقبلتين على الزواج، بالإضافة إلى أمه، وفي أوقات فراغه يرعاها بنفسه ويستغل الأمر للاتصال بالمجاهدين والسؤال عنهم من حين إلى آخر. وحدث أن استدعى مجموعة منهم لشكواهم من البرد والجوع إلى بيته ليعدّ لهم ما طاب من الأكل، ثم ودّعهم ليلتقي بهم بعد عودته من سفره الذي كلف به لينقل الذخيرة إلى ولاية في الشمال حيث جبال بني صالح.

استغرق سفره هذه المرة أسبوعين كاملين نظرا للشتاء القارص الذي يضرب المنطقة وتساقط الثلوج على القمم، ولما عاد إلى باديته رأى وجوها مكفهرّة من أسرته، صمت الكل ووجوها ذابلة، وانزواء الكل في زوايا البيت الحجري ذو القرميد الأحمر، فلم يسأل وتريث . ولكن الأمر ازداد سوءا فزوجته نفرت منه ونامت إلى جانب أختيه وأمهما، فنام ليلته غير مغمض العينين من التفكير، ولكنه في الصباح الباكر طلب من أخته الصغرى المجيء معه إلى الغرفة الثانية وأمر الأخريات بعدم الدخول عليهما.

استل خنجرا من خصره واحمرّت عيناه وانتفخت أوداجه،ووضع السكين على جيد أخته وهدّدها بالبوح عمّ جرى لهم في الأيام الأخيرة من سفره،فتململت ورفضت ولكنه مرّر الخنجر على رقبتها مسببا لها جرحا،وسالت الدماء على صدرها فعرفت أن أخاها جاد في تهديده، عندها أخبرته بالفاجعة، والسرّ الذي نغّص حياة العائلة. بأن المجاهدين الذين ألف دعوتهم إلى العشاء حلوا بالبيت في غيابه وتناولوا العشاء ثم اعتدوا على أفراد العائلة وتنابوا على حرمته، فزاد هديره وتحوّل إلى وحش كاسر أطلق للتو من مربطه، وسألها: وحتى أمي اغتصبوها؟ قالت: نعم وحتى أمي لم يرحموها. فأعاد الخنجر إلى بداية العنق على جهة يسار أخته ووقف وراءها ممسكا بشعرها ثم مرّر الخنجر وجذبها بقوة حتى لا مست فقرات العنق ليطلقها تسبح في بركة من الدماء وهي تنتفض بقدميها وتمسك بيدها مكان النزيف ودماؤها لا تتوقف، بينما قرّب الخنجر إلى فمه ليتذوق الدماء المتقاطرة منه، وهو لا يعي ما يفعل، ونادى أخته الثانية ليفعل بها ما فعله بأختها، ويغطيهما بفراش، ويصيح بأعلى صوته على زوجته فلا يسألها ويذبحها من الوريد إلى الوريد وهي حامل بفلذة كبده، وتوجّه إلى أمه ولم يتركها تسأله عن صياحه وأتم ذبحها ببرودة أعصاب، وحمل سلاحه وتوجّه إلى مركز المستدمر ليخبرهم ما فعله بعائلته وطلب منهم أن لا يذبحوا أحدا مستقبلا بل هي مهمته الأولى والأخيرة ، وقادهم في نفس اليوم إلى عائلات المجاهدين الذين اغتصبوا أهله، واستعمل خنجره في الشيوخ والعجائز والأطفال وقضى على نسل كل من يعرفهم ، ودبّ الرعب في المداشر بتحوّل المجاهد إلى وحش يذبح من تسوّل له نفسه الوقوف في وجه فرنسا، وعاث في الأرض فسادا ، واقترن اسمه بالموت، وأخافت الأمهات أبناءها في حالة عدم النوم بمجيء الوحش.

كان شوكة في حلق كل من أمسكته فرنسا من المجاهدين يذبح ولا يندم حتى خافته المراكز والسلطات الفرنسية وقلّدوه الأوسمة والنياشين ولكنه لا يبالي بها ، يبحث عن الذبح وتذوق الدماء، وبعد الاستقلال أراد الهروب إلى فرنسا لكنه فشل واقتيد إلى مركز المدينة لاستنطاقه من طرف السلطات وتم تعذيبه ، ولكنه لم يتألم وأكثر من سبهم وتغطرس، وتم فقأ عينه اثر الضرب والتعذيب، وأطلق سراحه لعدم جدوى الاستنطاق ليلتحق بفرنسا ويعيش بقية أيامه فيها إلى أن وافته المنية هناك، وما زال اسمه يذكر في بشاعة التنكيل والتعذيب والاستنطاق والذبح.

حمادي أحمد آل حمزة الجزائر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا