وسرقت عمري سماح ج 5… للكاتب بركات الساير العنزي

أبو مروان العنزي _ بركات الساير
من مجموعتي الثانية
 ( حوار الطرشان )
الناشر : ذار النوارس للطباعة والنشر- القاهرة
وسرقت عمري سماح ج5

-ميساء أريد أن أكلمك في موضوع خاص .
- تفضل أستاذ عبدو
- المكان غير مناسب، ما رأيك لو خرجنا إلى مطعم في مكان جميل
- أنا أفضل مكان العمل .
- حسنا ، ما رأيك بالزواج ؟
- سنة الحياة ، يكمل فيه الإنسان نصفه الآخر .
- هل توافقين على الزواج مني ؟
-شعرت بهزة في جسمها لقد صدقت توقعاتها . ارتبكت في إجابتها ، ابتسمت ثم
قالت : الأمر عند أهلي ، يمكنك أن تطلبني منهم .
- أأفهم من ذلك أنك موافقة ولا تمتنعين ؟
- أنت أمنية كل فتاة يا أستاذ عبدو .
- لا أريد كلمة أستاذ , عبدو فقط . لكن حددي الموعد لمقابلة الوالدة والأخوة .
كاد يطير من فرحه ، شعر بنشوة غريبة ، ستتحقق أمنياته هذه المرة، هذه سماح تعود إليه لن تفلت منه هذه المرة ، الطير لن يطير منه سيمسك بجناحيه ويمنعه من الطيران . ستعوضه ميساء عن كل سنين عمره الضائعة .
خرجت ميساء من المكتب تكاد تطير من فرحتها ، كانت مسرعة في مشيها يلفحها الهواء الشديد ولكنها لا تحس به ، أحست أن الدنيا لا تتسع لفرحتها، ستزف لأمها بشرى طالما انتظرتها ، ستقول لها : هناك شخص مهم سيزورنا، إنه عبدو مدير الشركة. سيتقدم للزواج مني يا أمي .علينا أن نرتب بيتنا بسرعة قبل الموعد .
كانت الأحلام تتابع في ذهنها، ستشتري ثياب العرس من الصالحية ومن سوق الحميدية. وستشتري أفضل ثوب للعرس في مدينة دمشق .
أحست أنه تحلق في الجو عاليا كحمامة بيضاء، أحست بطول الطريق حتى تزف البشرى لأمها .
طرقت الباب طرقات سريعة . فتحت أمها الباب رأت لهفتها والفرحة بادية على عينيها. وقبل أن تتكلم قالت أمها :
-ادخلي غرفتك وغيري ملابسك عندنا ضيوف .
- ضيوف ؟
- نعم إنهم أعمامك جاؤوا من الضيعة ، ادخلي وسلمي عليهم .
دخلت وسلمت على أعمامها وأولاد عمها ، استقبلوها بحفاوة كبيرة .
أحست بأن أمرا ما يجري في البيت ، دخلت على أمها في المطبخ ، قالت لها :
- ما الأمر يا أمي ؟
- اسمعي يا ميساء ، أعمامك لهم فضل علينا ، وهذا عمك الحاج عبد الحميد جاء يطلبك لابنه وسيــم ، وقد وافقت على زواجك أنا وأخوتك ، لا نريد أن تبقي من غير زواج ، أتريدين أن تصبحي راهبة ؟
- نزل الخبر كالصاعقة على رأسها ، عقد الخبر لسانها واصفر وجهها ، وشعرت بدوار في رأسها قادتها أمها من يدها وأدخلتها الغرفة ، دخل الغرفة أخوها ورأى وضعها ، قالت أمها إنها متعبة من العمل . سترتاح بعد قليل .
قال لها أخوها : لقد أعطينا كلمة لأعمامنا ، ولا أظنك تردين كلمتنا أيتها الأخت العزيزة . نحن قد كبرنا وقدمت كل التضحيات من أجلنا ، نحن فرحون مثل فرحك، مبروك الزواج سيكتبون الكتاب مساء اليوم ، وستزفين بعد أسبوع بإذن الله.
.... راحت الدموع تنهمر كسيل صغير على الخدين الورديين ، لا تعرف الرد ، ماذا تقول لهم ؟ آه يا عبدو الآن عرفت حبك الذي مات ودفنته ، وستدفن حبا آخر بعد أيام . ستقول عني خائنة بعت حبك بحب آخر . ستقول كل النساء غادرات .
يا ويلي من نفسي ! وراحت تبكي بكاء الطفل . ظنت أمها أن ميساء تبكي حزنا على أهلها . إنه بكاء البنات قبل الزواج .
لم تكن معترضة على ابن عمها ، إنما هي خجلة من موقفها مع عبدو . فقد وافقت على الزواج وأعطته أملا ووعدا .. إنها غير قادرة على تبرير موقفها .
زفت العروس على عجل ، وغاب عن وجهها الفرح والسرور ، كأنها تساق لحتفها . لقد سلبوا عقلها وقلبها ، وتركوا جسدها يجرونه كنعجة تساق للذبح .
..... كان عبدو في اللاذقية لأمور تخص الشركة ، اتصل مرات عديدة ولم يجد ميساء في المكتب ، عاد إلى دمشق بعد عشرة أيام، واستفسر عن ميساء ولم يحصل على إجابة من جميع العاملين .
ركب سيارته واتجه إلى ركن الدين حسب العنوان المسجل عنده . وصل إلى بيتها وطرق الباب طرقات خفيفة . خرجت أمها ورأت رجلا تبدو عليه الهيبة والوقار. وسيارة حديثة تقف على الباب . استغربت الأمر ورحبت به . بادرها بالكلام :
أنا المهندس عبدو الشنواني مدير الشركة التي تعمل فيها ميساء ، جئت أسأل عن سبب غياب ميساء .
- أهلا بك تشرفنا . ألم تخبرك ميساء ؟!
- وماذا تخبرني ؟
- لقد تزوجت ،وانتقلت إلى بيت زوجها .
- شعر بصدمة قوية ، وأحس كأن فأسا قد هوت على رأسه ،أراد الرجوع إلى السيارة فشعر بعجز رجليه على المسير ، ولكنه سحب قدميه سحبا ليصل السيارة ، أحست العجوز بعجز الرجل ، نادت أولادها ليدخلوه البيت ولكنه رفض ، وصل إلى سيارته ، قاد سيارته بصعوبة بالغة ووصل إلى أقرب مشفى .
- بقي في المشفى شهرا كاملا يحيط به أخوته وأهله جميعا ، أرادوا معرفة ما جرى ولكنه آثر الكتمان . خرج من المشفى متكئا على عصا ويجر رجله اليمنى بصعوبة .
في يوم مشمس دافىء ، طلب من السائق إن يوصله إلى المقبرة . وقف في المقبرة يقرأ الفاتحة على روح حبه الثاني . هناك عاهد ربه أن يبقى وحيدا في الحياة ولن يحب بعد اليوم .
راحت الشجرة تتعرى يوما بعد يوم ، بدأت غصونها تيبس ، أصبحت الشجرة جذعا مشقق اللحاء جافا يابسا . هوت الشجرة بعد سنوات قليلة . ترنحت أمام الرياح العاتية، لم تصمد كان لسقوطها دويا كدوي القنبلة .
كانت سماح أكثر الناس حزنا وبكاء على تلك الشجرة القوية التي صمدت زمنا طويلا تجابه رياح الخيانة والغدر .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا