ضقت بالشقوة... محمد رشاد محمود

 (ضِقتُ بالشِّقوَةِ والجُلَّى يَدا) ـ (محمد رشاد محمود)

في مَطلع شتاء عام 1980 ألقت بي الأقدار إلى غُرفَةٍ في مأدبـــا بالأردن ، لا تمنعُ بردًا ولا تَصُدُّ هواءً ، إذا فتَحتَ بابهـا استَقبَلَك فضاءٌ أجرَدُ من الأرض يُفسِحُ للصِّرِّ في ليالي الشتاء مهبَّاتِ صَولَتِه ، وينتهى بهضبَةٍ تأخذ بخناق الأفق في مرأى العينِ ، إلا أنْ يُطِلّ من ورائها بدرٌ شاحبٌ يُعينُ على النَّفسِ أتراحَها ، فإذا تقدَّمَ الشتاءُ نثرَ على الأرض الشَّبَمَ مُجَسدا في رشاشِ الثلوج ، ورزوحًا تَحتَ هذه الحال مع ما في النفسِ من مَوجدة كانت هذه العبرات :

في ظـــلامِ اللَّيـْـــلِ يَنهَــــــلُّ المَطَـرْ

تَنـــعـقُ البــُــــومُ ويَـصفَـرُّ الـقَـــمَــرْ

ويَئِـــزُّ الـــرَّعْـــدُ في جَـوفِ الـفَـضَـا

لاجِمًـــا بالـــرِّيـحِ أعطـــافَ الشَّجَــرْ

هَـــكَذا حـالـي وذا قلـــبي الكئيـــبْ

لا أرَى فـي غُربَتي لـي مِـنْ حبيـــبْ

مَوطِنـــي نــَــــــاءٍ وأهــلي وهَـــوًى

كـانَ فيـــهِ العُمـْـرَ لي طِبٌّ وطِيــبْ

غاضَ ِمِنـــهُ الخَفضُ والـبِشرُ مَعــــا

كَيــْـــفَ لا يَضْغو ويَكـوي الأضْلُـعَــا

كُلَّـــــما جَـرَّعـتُـــهُ كــأسَ الـــرِّضَــا

غصَّ حتَّى كََـــــــادَ أنْ يَنـصَـدِعَــــا

مُوحشٌ كالقَـبـــــرِ لا نَجـوَى بِـــــــهِ 

أو كَلَيــــــــلٍ فارَقَتُـــــــهُ الأنـجُـــمُ

وفَــلاةٍ غَــــــابَ عنْهــــا عُشبُهَــــــا

وتَـلافـــاهَــــــا الغُـــرابُ الأسْـحَــمُ

يَــطلُــبُ السَّـرَّاءَ والعَـيـشَ الهَـــنِيّ

كَيــْــفَ يَجني الـــرَّوْمَ والّضَّرَّاءُ فِيّ 

تَمْـسَــخُ الأنغَـــامَ نَــوحًــــا وشَجًـى

وتــرَى الأشـواكَ في الـرَّوضِ النَّـدي 

صُمَّتِ الحَوبَـــــاءُ يــــا طَيْـــرُ فَـــلا

تَسكُبِ الألحـــانَ لا يُـــجـدي الطَّرَبْ

واسـتــطالَ الكَــربُ لا تُفـضِ شَــذًى

للـــرُّبــا يـــا زَهْــرُ وارغَــمْ لِلــحَطَـبْ 

كُـــــلُّ ما كــانَتْ تَشَهَّــــــــاهُ المُنَـــى

شَوّهَـــــتْهُ اليَـــــومَ كَـــــفُّ المِحَــنِ

إنْ غَفَــتْ بالصَّبـْــرِ جَمْراتُ الـجَــوَى

أيــقَــــظَ الجَمــْـــراتِ كَـــــرُّ الـــزَّمَنِ

ضِقْـــتُ بالشِّـقْوَةِ والجُلَّــــى يَـــــــدا

لَيـــتَ شِـعْـري مَـــا تُرَى بَعــدَ الــرّدَى

مِثْلُهَــــــــــأ أم غِبــــطَةٌ تَغْتَـــالُــهـَـــا

لَهْـــفَ نَفْـسي لـَـــو تُلَقَّاهَـــــــا غَـــدَا

(محمد رشاد محمود)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

من بين الامي..علي اسماعيل الزراعي

خذني اليك... علي اسماعيل الزراعي