حب في زمن الكورونا… قصة للاديب عز الدين ابو صفية

قصة قصيرة...

حب في زمن الكورونا

لم تعد الحياة مستقرة ولم تعد طبيعية بل أصبحت مليئة بالتوتر والقلق  وقد غادر الناس استقرار التفكير وأصبح كل شيء لديهم مشوش وغامض؛  يلاحقون وسائل الإعلام المختلفة الورقية منها و التلفزيونية وحتى الألكترونية و وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة  .
أصبح كل شخص وكأنه بإرادته يرغب بالعزلة عن الناس حتى عن أقرب المقربين له ؛ فلم يعد التواصل الإجتماعي على جدول اهتماماتهما وبرامج حياتهم ، كل واحدٍ منهم يحاول الهروب ، ولكن إلى أين ؟
لا أحد يعلم إلى أين يهرب،  هل يهرب من مدينته إلى مدينة أخرى في نفس بلده أم يغادر إلى دولٍ أخرى عربية أم أجنبية؛ يتوقف تفكيره هنا وينتابه ذهول غير عادي وهو يتابع الأخبار الآتية من تلك الدول فيعزف عن فكرة الهروب إليها ويقرر  أن يبقى في مدنته رغم أنها غير آمنة بالقدر الذي يمكن أن يُطمئنه ويهدئ من روعه.
تتصارع الأخبار وتتلاحق الأنباء و الشاب ( همام)  بدأ عزل نفسه بارادية  ومكث في غرفته في بيته لا يرغب برؤية أحد ولا أن يراه أو يزوره أحد حتى خطيبته ( صباح) لم يعد يزورها ولا يسمح لها بالحضور إلى منزله لزيارته ولم يعد التواصل قائماً بينهما.
بدأت تساور صباح الظنون السلبية المقلقة التي نمّت غيرتها وفضولها لمعرفة سبب هذا السلوك الطارئ و العزلة التي يعيشها خطيبها همام الذي أحبته منذ عدة سنوات والذي لم يمض يوم واحد بدون زيارتها وقضاء أوقاتاً جميلة معها ، كان همام يشتري لها الورود ويهدبها إليها كما كان يشتري لها مختلف الهدايا، كانت صباح تهديه أيضاً الورود والهدايا تعبيراً عن حبها له ؛ وكانت بالليل تسهر وهي تكتب له رسالة تعبر من بين سطورها عن حبها وعشقها له وتتحدث عن شوقها واشتياقها له ، وكثيراً ما كانت تكتب له عن مشاعرها نحوه، تلك المشاعر التي يقف خجلها حائلاً أمام الإفصاح له عنها أثناء لقائهما اليومي.
كانت  صباح  ترسل رسائلها إلى همام بعد أن تُحكم إغلاقه فتُعطيها لأختها الصغيرة لتوصلها إلى همام، كان لتلك الرسائل أن زادت من قوه حبه لصباح وتمسكه بها ورغبته بأن تكون شريكة حياته في المستقبل.
كان كل من همام وصباح قد اتفقا على الزواج في بداية الربيع و تحديداً في عيد النيروز ؛ ولكن لم تعد علاقاتهما  بذات القوة والاشتياق وكأن شيئاً أفسد طعم الحب بينهما، فلم يعد همام يستقبل صباح ويرفض أستلام رسائلها وورودها وأيٍّ من هداياها فيُعيدها لها مع أختها  الصغيرة التي لم يكن يرها  ولكنه طالب والدته بعدم استقبالها أو أستلام أيّ شيء مرسل من طرف صباح التي كانت تحتفظ بجميع الرسائل التي يرفض همام استلامها ولا تمزقها.
احتار الجميع بأمر همام وانتاب أهله الحيرة والحزن محاولين معرفة سبب هذا السلوك المفاجئ  منه؛  حاولت والدته الاستفسار من صباح إن كان قد نشب خلاف بينهما فنفت ذلك بل أكدت لها بأنهما كانا قد اتفقا على الزواج في يوم عيد النيروز بداية فصل الربيع ، وحقيقة أنا مندهشة من سلوكه وعزل نفسه عني وعن كل الناس ؛ فكيف لنا أن نتزوج في بداية فصل الربيع .
عاشت صباح الليلة الماضية بحالة قلق وتوتر ولا تعلم ماذا بيدها أن تقوم به،  وأخيراً قررت القيام بخطوة مفاجئة صباح الغد.
في الصباح الباكر من اليوم التالي توجهت صباح إلى منزل هماما.
استقبلتها والدته بالترحيب والاستغراب  من زيارتها المفاجئة .
سألتها عن رغبتها بشرب الشاي أم القهوة .
 أنا جاية  أشوف همام .
يا صباح هو يرفض مقابلة أيّ شخص.
 لا تقولي له أنني هنا.، فقط أفتحي لي الباب وأنا سأدخل عليه الغرفة وحدي .
دون تردد فتحت أم همام باب الغرفة وذهبت بعيداً . 
تفاجأ همام بوجود صباح بالقرب من سريره، وأخذ يتحدث بصوت عالي ومتقطع ويقول لها إبتعدي عني،  إبتعدي ، لا أريد أن أصاب بڨيروس الكورونا .
دهشت صباح، وأدركت بأن الرعب والخوف من وباء الكورونا هو من تسبب بحالة العزلة والهروب التي يمر بها همام .
تبسمت وهي تقول له كرونة شو يا همام، ألا تتذكر بأنك كنت في كل زيارة لي تحضر لي معك شيكولاته وبسكوت أسمه كورونا وكنت أنت تحبه بشكل كبير.
ضحك همام  وهو يقول الكورونا ڨيروس قاتل  يا صباح.
يا همام مثله مثل ڨيروس الرشح و اللوزتين والأنفلونزا والناس بدأت تتجاوب مع التعليمات والإرشادآت الطبية  وأصبح الجميع أكثر راحة نفسية عن قبل ويتعاملون وفق إرشادات وتعليمات المختصين والجميع بدأوا العودة لحياته الطبيعية، وهذا أمر من الله ليس لأحد من الناس علاقة به.
تعالى اخرج معي من هذا الجو الكئيب و العزلة التي تعاقب نفسك بهما بدون سبب.
تعالى نذهب لنختار صالة الأفراح التي سنقيم حفل عرسنا بها .
ضحك همام وهو يسألها عما تحمله معها في شنطتها .
هذه رسائلي التي كنت ترفض استلامها، و بعض الشيكولاتة وبسكوت الكورونا اشتريتها لك .
قهقه همام وهو يقول شكولاتة وبسكويت كورونا...
هي الكورونا ورانا ورانا وبتلاحقنا في كل مكان ..

انتهى ...

د. عز الدين حسين أبو صفية،،،

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا