حافظة الشعر العربي… كتبها الأديب عبد الكريم الزيدي

حافظة الشعر العربي
(الحلقة الرابعة)
.................................................

امتاز الشعر العربي في العصر الذي تلا الخلافة الراشدية إبان الدعوة الإسلامية بخصائص تأثرت كثيرا لانتقال الخلافة الى دمشق حيث مركز حكمها ، وانتقالها هذا من بيئة الحجاز والجزيرة والتغير في سياسة الحكم الى تورثيها ظهر جليًا في تداول المفردة وجمل التصوير الشعري وخلوه من صياغة القصيدة في مطالعها بالغزل ثم الانتقال الى المقدمة والاستهلال فالحدث ثم خاتمته .

فالشعراء في هذا العصر الذي لايتجاوز عمره القرن من السنين تأثروا كثيرا بمحدثات السياسة ورجالاتها وصار من اهتماماتهم البلاط وامراءه وما يخدم رضاهم وامزجتهم ، حتى صار بداية لنهج جديد في الحضور وحيازة الود والجوائز والمال والتكسب ، وان كان معظمهم من عاصر مرحلتي الخلافتين.

ولمحاكاة هذا العصر الهام في عمر الشعر العربي بولادة صناعة محدثة لانتقاء المفردة وتصويرها واختلاق أنماط البديع والسجع والتطريب في القصيد لتطويعه في جذب رضى وارتياح رواده ومعجبيه، والانصراف عن المتعارف والأصل في الغرض واستحضار غريب اللفظ ومعناه مثلما كان سائدًا قبل هذا في مجتمع البادية والجزيرة ، فانه صار لزامًا ان ننتقي من شعراءه الأفضل والأشهر بما يسمح لنا هذا المجال.

ولربما نبدأ بشاعرنا جرير الذي اقترن اسمه بالفرزدق من خلال تقارب النهج والتشكيل، وجرير شاعر وجداني يجمع الفصاحة وعذب النظم وسهولته حتى تداولته الالسن وعلق في ذاكرتها، وتناول في الشعر اغراضه ومنه الغزل الذي يقول فيه:

رأيت سليمى لا تبالي الذي بنا
ولا عرضًا من حاجة لا تسرح

اذا سايرت اسماء يوما ظعائنا
فأسماء من تلك الظعائن املح

ويقول أيضا:

الا حي الديار بسعد أني
احب لحب فاطمة الديارا

أراد الظاعنون ليحزنوني
فهاجوا صدع قلبي فأستطارا

اما في الهجاء فقد جاء بالقول:

أ تلتمس السباب بنو نمير
فقد وأبيهم لاقوا سبابا

أنا البازي المدل على نمير
أتحت من السماء لها أنصبابا

اذا علقت مخالبه بقرن
اصاب القلب او هتك الحجابا

وعن الفرزدق شاعرنا الذي كانت تربطه نسب في اجداده من جرير فكلاهما من تميم.وتراهما متلازمين مع بعض ولقائهما سوية ، والغريب انهما كانا يتبادلا الشعر بينهما ويهجو احدهما الآخر
حتى استنبطا غرضًا جديدًا للشعر في حياتهما سمي بقصائد النقائض وهي قصائد هجاء يتبادلانها يذم فيها صاحبه ويمدح فيها بنفسه على نفس البحر والقافية والوزن.

ومن هذه النقائض التي جرت في مناولة شعرية بينهما ، وهي لم تفسد الود بين الشاعرين ، قال الفرزدق:

ان الذي سمك السماء بنى لنا
بيتا دعائمه اعز واطول

بيتا زراره محتب بفنائه مجا
شع وابو الفوارس نهشل

لا يحتبى بفناء بيتك مثلهم
ابدا اذا عد الفعال الأفضل

فيجيبه جرير قائلا:

اخزي الذي سمك السماء مجاشعا
وبنى بناءك في الحضيض الأسفل

بيت يحمم قينكم بفنائه
دنسا مقاعده خبيث المدخل

قتل الزبير وانت قاعد حبوة
تبا لحبوتك التي لم تحلل

ويعود الفرزدق ليقول:

حلل الملوك لباسنا في اهلنا
والسابقات الى الوغى تتسربل

ليرد عليه جرير بالقول:

لا تذكروا حلل الملوك فأنكم
بعد الزبير كحائض لم تغسل

وفي الشعر الأموي لا نستطيع الا ان نذكر الشاعر الاخطل التغلبي ، وهو شاعر متميز في اختياره الألفاظ والبنية اللغوية لجمله الشعرية وهو من قبيلة تغلب ،شاعر عربي مسيحي ، وله قصيدة جميلة في الغزل يقول فيها:

هجرت امامة هجرًا طويلا
وما كان هجرك الا جميلا

على غير بغض ولا عن قلى
وإلا حياء وإلا ذهولا

بخلت لبخلك قد تعلمين
فكيف يلوم بخيل بخيلا

وله في المدح قصائد عدة منها قوله:

خف القطين فراحوا منك او بكروا
وازعجتهم نوى في صرفها غير

كأنني شارب يوم استبد بهم
من قرقف ضمنتها حمص او جدر

ثم يقول:

الخائض الغمر والميمون طائره
خليفة الله يستسقى به المطر

والهم بعد نجي النفس يبعثه
والاصمعان القلب والحذر

ولكني اليت الا ان أتطرق الى الشاعر الأموي الذائع الصيت عمر بن ابي ربيعة
رائد الغزل الحضري ومؤسسه وهو نوع من الغزل الذي يجمع بين الشعر الماجن الصريح والفاحش ودونه وفي مطلعه يقول:

بينما ينعتنني ابصرنني
دون قيد الميل يعدو بي الاغر

قالت الكبرى : اتعرفن الفتى
قالت الوسطى نعم هذا عمر

قالت الصغرى وقد تيمتها
قد عرفناه وهل يخفى القمر

وقبل ان اختم هذا المقال لابد لي من ان اذكر اسماء اشهر شعراء العصر الأموي  ومنهم :
كثير عزة، نصيب بن رباح ، كعب بن معدان الاشقري ورابعة العدوية.
والذين لا يسمح المقام هنا للتعرض على شعرهم وفضلهم ولربما نعرج عليهم في مواقع أخرى.

سأكتفي بهذا القدر من الإسهاب الذي ورد لزاما لاهميته ولكي امضي معكم الى متن وختام الموضوع ان شاء الله في منشور اخر.

تقبلوا مني كل آيات الود والامتنان ولما لقاء متجدد باذن الله تعالى.

.................................................
عبد الكريم احمد الزيدي
العراق / بغداد