التشرذم والتفرقة… مقالة بقلم د.صالح العطوان الحيالي

التشرذم والتفرقة العدو التاريخي للعرب   
ــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي . العراق 12.8.20190   
عندما كنا نسمع مصطلح  العدو التاريخي للعرب  كانت ذاكرتنا جميعا تقفز نحو الكيان الجاثم فوق فلسطين الحبيبة، مكثرين من سبه وشتمه، وإنزال كل ألفاظ اللعن به، و كان تاريخ طويل من الصراع والدماء والأطفال يعزز هذه الذاكرة الجمعية، وبعد هذا، يعلو الصراخ بضرورة رمي المغتصب في البحر، وإنزال أقسى أنواع العقوبات الاجتماعية به.
لكن رغم كل مشاعر الغضب، ومشاعر الحماسة لطرده، ما يزال هذا العدو جاثما على أراضينا، بل ومتمددا جغرافيا وسياسيا في عالمنا المحيط بنا، وله ثقل في صنع القرار الأممي، كون المجتمع الدولي متعاطفا معه، ومهتما بأمنه القومي، وسلامته من أي تهديد عربي وإسلامي، لتبقى الشعارات العربية والقومية في محاربته وطرده في مهب الريح.
1948 هو العام الذي ولدت إسرائيل سياسيا، ونحن الآن نعيش مأساة وجودها أكثر من نصف قرن، دون أن يكون لهذا العدو التاريخي نصيب من غضبنا، إلا التهديد الكلامي، الذي يتقن العرب فنه.
تاريخيا، وقعت عدة حروب إسرائيلية عربية، لكنها في مجملها لم تحسم الصراع لأحد الطرفين، وسياسيا بدأت دول في مصالحة هذا العدو التاريخي بناء على الاعتراف به في حدود الرابع من حزيران 1967، وهذا يطرح أسئلة قلقة، في مدى جدية العرب في عداوتهم التاريخية لإسرائيل.
كل هذا يجعل من البحث في معاني الهزيمة أمرا ضروريا، ويجعل من الكشف عن العدو الحقيقي أمرا لا مفر منه، فالهزائم الحضارية والثقافية التي تتوالى على العرب جعلتهم في موقف لا يحسدون عليه.
أظن أن العدو التاريخي والحقيقي يكمن في نفس العرب، العدو التاريخي للعرب يكمن في قابليتهم للتخلف و”الاستعمار”، كما نبه مالك بن نبي رحمه الله إلى ذلك، فرغم كل المقدرات الموجودة في باطن أراضيهم.. ورغم الجوامع المشتركة فيما بينهم، لم يميلوا إلى التكتل فيما بينهم، ولم يشكلوا ثقلا سياسيا، واقتصاديا، في عالم يميل إلى التكتل والتعاون، بل ظلوا متشرذمين وراء أحقاد تاريخية، أو مصالح قُطرية، وأتاحوا للجميع، بمن فيهم “الأعداء التاريخيون والحديثون” أن يتحكموا في مصالحهم وقراراتهم، وأخيرا في وجودهم الثقافي، والاجتماعي، والسياسي.
وهم في تشرذمهم وضياعهم، يكثرون من الشكوى بحجة مظلوميتهم، وتكالب العالم عليهم، متناسين ثقل أخطائهم الماضية والحاضرة، فهم يصلون متأخرين دائما، فيرون الجميع قد سبقهم بدءا من عدوهم التاريخي، ومرورا بكل أعداء الحاضر، فيزيد هذا حقدهم على عدوهم، دون أن يلوموا تأخرهم المتكرر، وهم في وصولهم يصلون متفرقين، يتنافرون فيما بينهم، موجدين حالة من الفرقة بكل مستوياتها بين مكونات الشعوب العربية.
إن العالم العربي مسؤول تاريخيا عن مصيره، قبل أن يسأل الآخرون عن مصيرهم، وهم أولى الناس بحل مشاكلهم، ذلك أنه ما “حك جلدك مثل ظفرك”.
إن الواجب الأول على الدول الإسلامية ودول الربيع العربي، أن تحارب عدوها التاريخي الداخلي، عبر توحيد المواقف، ورسم الاستراتجيات، بناء على المصالح المشتركة فيما بينهم، حتى يشكلوا جسما موحدا، له اعتباره في المحافل الدولية والعالمية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا