في الجبال مع الجماعات المسلحة…. رواية للقاص حمادي آل حمزة

الرواية البوليسية : في الجبال مع الجماعات المسلحة.

الجزء الخامس : محاكمة الجماعة ، وإطلاق سراح علي وحارسه.

بعد أيام من السجن في الصحراء المتاخمة للحدود مع دول الساحل ، حطت طائرة عسكرية بالمطار وتم نقل السجناء من أعضاء مجموعة الصحراء المسلحة إلى العاصمة للمحاكمة ، بمحكمة للدولة أنشئت خصيصا لهذا الأمر ، وكان السؤال الأول الموجه إلى علي على اعتبار أنه الأمير الوطني بعد القضاء على أمراء الشمال في عمليات نوعية قادتها القوات المسلحة المشتركة حتى استقام الوضع في الشمال ، لقد كان السؤال حول كيفية إنشاء المجموعة وظروفها السفر إلى الجنوب .

لقد كانت إجابات علي حقيقية حتى أنه تأكّد بأن مسؤوليه قد تخلو عنه ولكنه لم يذكر انتماءه ولا القيادة التي كلفته بالمهمة الانتحارية ، وقد كان القاضي العسكري شديدا والادّعاء العام يطالب برؤوس المجموعة في كل مرة ، ولكن عليا أثّر حتى في القضاة وحاول استمالتهم إليه بأن مجموعته مظلومة غادرت الحياة الاجتماعية لظروفها وللظلم المسلّط عليها ، وحاولت الاختباء في الجبال لكن القوات المشتركة كانت لهم بالمرصاد ، وحاولوا الدفاع عن أنفسهم على حدّ قوله

وهنا كانت ردود القاضي العسكري بأنّ الحياة متاحة وبحرية تامة لكل فرد يعيش على هذه الأرض ، فقاطعه علي : لقد كنت ضابطا ساميا في الشرطة القضائية ، وحيكت ضدي المؤامرة وتم نصب الفخاخ لي في كل زاوية من حياتي ، حتى مللت العيش في هذا الوطن ، حولوا حياتي إلى جحيم لا يطاق لا لشيء سوى أني أخلصت في عملي وتم مجازاتي بمطاردتي في كل ربوع الوطن ، بل ووضعوا صوري في جميع أقسام الشرطة والدرك والجيش ، لأني بصراحة حاربت الجريمة المنظمة والمجرمين ، ودفعوا بي إلى عالم الإجرام .

وواصل كلامه وبحماس بعد أن شرب جرعات من الماء قد طلبها سابقا ، أنا لست بالمجرم الذي تتصوره ، وكذا هذه المجموعة التي هربت من واقع مرير وظلم ممنهج سلط عليها دون غيرهم من أفراد المجتمع ، وكان حريا بنا البحث عن سبيل آخر لردّ الاعتبار لأنفسنا ، فقال القاضي : والسبيل الوحيد الذي وجدتموه هو حمل السلاح في وجه الدولة وإخوانكم وأهاليكم .

فقال علي : سيدي كنا على جانب من الخطأ لكن لا تحملّونا الخطأ كلّه ، وفي هذه اللحظة دخل أحد القضاة إلى المحكمة العسكرية من جانب مدخل القضاة فهمس إلى القاضي العسكري بضع كلمات ثم انصرف خارجا ، فأوقف القاضي المحاكمة لأمر طارئ وخرج وراءه ، وما هي إلا لحظات حتى عاد إلى المحاكمة وأجّل النطق بالحكم إلى حين تمكّن المتهمين من توكيل محامين وإن تعذّر الأمر فالدولة تكفل لهم هذا الحق للدفاع عن أنفسهم ، وأمر الحراس بإعادة المحبوسين إلى حبسهم والاعتناء بهم ،

ولما وصلوا إلى السجن طلبوا من علي أن يحولوه إلى زنزانة انفرادية ، نظرا لخطورته حسب ملفاته الأمنية ، ولكن أبا محمد حارسه الشخصي رفض ذلك بحجة أن عليا مريض ولا يستطيع خدمة نفسه وأنا أسهر على راحته وإعطائه الدواء في أوقاته بالإضافة إلى جراحه في مختلف جسمه فهو لا يقوى على الحركة كثيرا ، فنهره أحد حراس السجن بكلام قاس وحاول الاعتداء عليه لكن عليا لم يتمالك نفسه وهو يرى صاحبه المخلص لخمس سنوات يُعتدى عليه أمامه  فوجّه مجموعة من اللكمات المتتالية التي لم يكن الحاضرون يحسبون لها ألف حساب فسقط الحارس مغشيا عليه ، ولكن عليا تأخّر عنه ورفع يديه بأنه لا يريد المزيد بل كان تأديبا ودفاعا عن صديقه ، وحاول بقية الحراس الهجوم على علي ولكن ضابطهم صاح فيهم صيحة مدوية من الرواق المقابل للبهو الذي كان فيه علي وبعض المساجين ورأى علي وجه الوزير قد أطل من الزاوية ولكنه لم يدخل مع الضابط إلى الرواق ، وتم تصفيد علي وبقية المساجين من أيديهم وأرجلهم بالسلاسل واقتيادهم إلى زنزانتهم ، وابقوا على علي دون زنزانة وتم مرافقته مع ضابط السجن وبعض الحراس إلى مكتب المدير ، وحين دخوله لمح الوزير ومدير السجن واقفين ، وطلب المدير من الحراس والضابط الانصراف وغلق الباب ، وبعدها سلّم الوزير على علي بل وضمّه إليه بحرارة ونزع المدير السلاسل من يدي ورجلي علي وطلب منه الجلوس ، فسأله الوزير الذي اتخذ من جنبه مكانا للجلوس عن أحواله ، فقال علي : كما ترى سيدي من ضابط سامي إلى خارج عن القانون إلى مسجون ينتظر حكما بالإعدام ، وهنا قال الوزير : أنت في مهمة فوق العادة وبتكليف رسمي ومن السلطات العليا في البلاد فلا خوف عليك وكل الأمور ستعود إلى نصابها ، قال علي : ولكن القاضي العسكري يشدّد علينا وهنا في السجن كما ترى منذ لحظات فقط لولا قدوم الضابط لتم ضربي وبعنف من طرف حراس السجن ، قال الوزير لا عليك كنت أشاهد وأسمع كل شيء من محاكمة إلى هنا في السجن ، فنحن لم نتخل عنك أبدا وما هي إلا إجراءات روتينية ووقتية حتى تخرج من هذا السجن ، إذ أننا لم نتفق على هذا الجزء وقد كان فجائيا بالنسبة لنا ولكننا تحكمنا في الأمور وهي بين أيدينا الآن .

قال علي وما قصدك سيدي بالفجائية : قال الوزير لقد كنا نتمنى أن تبقى مع الجماعات المسلحة وخاصة أنك أصبحت أميرها الوطني لتطلعنا أكثر على مخططاتهم ، فقاطعه علي قائلا لم يبق منهم إلا عناصر قليلة متحصنة في بعض الأماكن الوعرة يئنون من قلة الزاد وانقطاع المؤونة عنهم تستطيع القوات المشتركة التكفل ببقيتهم وبصورة أسهل ، فقال الوزير : نعم أنت على حق فقد استطعت في خمس سنوات من تظليلهم واطلاعنا على كل ما يخططون له وكنا نسبقهم بلحظات في مخططهم ، كما كان لك الفضل في القضاء على جماعة الهجرة والتكفير و ترك الإشارة مفتوحة لتدلنا على أماكن الجماعات الأخرى بفضل تكنولوجيا الاتصال ، فقد كنا نوجّه الطائرات إلى موقع الاتصال وبقصف مكثف نقضي عليهم وبأقل الأضرار ، فالرئيس مسرور من انجازاتك ، وقد كلفني هذا الصباح بالحضور شخصيا والاطمئنان عليك وتبليغك سلامه الخاص ، ويعدك باللقاء معه بعد المحاكمة وردّ الاعتبار إليك ، ومن حرصه على ذلك لقد بعث إلى أهلك وإخوتك في سرية تامة وأحضرهم إلى السجن لملاقاتك ، وهنا ابتهج علي لملاقاة أهله ،ولكنه فضّل أن يسأل الوزير عن حالة الضابطين اللذين تم قتلهما في مكتبه سابقا ، فضحك الوزير إنهما بخير ولكن رصاصاتك المطاطية ودخولهما الغيبوبة والمشرحة كانت مؤلمة بالنسبة إليهما ، وهما الآن في الخدمة كل منهما في مكان .

ثم اتفق الوزير مع علي على مواصلة التكتم وسرية مهمته والتمسك بأقواله السابقة من ظلم الدولة له ، وهروبه وعدم الإفصاح عن نيته السابقة في كشف الجماعة المسلحة وجرّهم إلى الاستسلام في الصحراء ، فقال علي : هناك أمر آخر سيدي حارسي في الجبال كان لي السند الوحيد في مهمتي دون أن يدري أريد أن أرد له الجميل بالعفو عنه وإطلاق سراحه يوم يطلقون سراحي ، لأنه كان لي الحامي هناك وقد خدمني بكل ثقة ، وحسب تقاريري السابقة فأنا أسهد أنه لم يفعل شيئا يجعله سجينا ، وقد كان متذمرا من الحياة هناك وخوفه من التصفية أبقاه وسط الجماعة المسلحة ، فوافق الوزير ولكن بعد استشارة الرئيس شخصيا ، أثناء لقائنا المرتقب .

وبعدها أمر علي الذهاب إلى أهله والجلوس معهم في قاعة مخصصة لذلك ، وعدم إخبارهم الحقيقة ، فغادر الوزير السجن عائدا إلى مقر عمله في سرية تامة ، أما علي فوصل إلى والديه وإخوته وكان اللقاء مبكيا ، انهمرت الدموع بغزارة وتوالت القبلات والأخذ بالحضن ، مع توفير الماء والعصير والأكل للعائلة بأمر من الوزير وعدم إزعاجهم لأخذ راحتهم .

تتالت الأسئلة من الوالدة والدموع تنهمر من عينيها ، وتقبّل ابنها بين الحين والآخر وتسأله عن أحواله ، وتتلمس أطرافه وجسمه ، وهو يجيب نصف الإجابات ثم يليه السؤال التالي ولا تسمع إجابته بل تردف السؤال بآخر والوالد ينظر إليهما ، فطلب من زوجته التريث والتأني في طرح الأسئلة وترك المجال إلى علي للإجابة عن أسئلتها حينها توقفت واستمعت إلى قصة علي وحقيقة انضمامه إلى الجماعات المسلحة ، فأومأ إليها علي بالإيجاب وسرد قصته بالكامل ولكنه زوّر حقائق منها حتى لا ينكشف أمره ، هنا عاتبه الوالد على ما فعله وقال : لقد دمّرت سمعة العائلة ، وقضيت على تاريخ أجدادك ، فخالك شهيد في ثورة التحرير وكذا أخوي ماتا تعذيبا في سجون الاحتلال ، فم الذي جعلك تخون البلاد والعباد ؟

قال علي ّ: مكره يا أبي وغير مخيّر ، ولكني أعدك بعودة الأمور إلى مجراها الطبيعي ، حيث تم اكتشاف من نصب لي الفخّ وأراد بي السوء ، ستعود المياه إلى مجاريها فهي مسألة وقت فقط وحينها ستفتخر بابنك كما كنت .

سكت الوالد لسماع ردّ ابنه ، وتمنى من قلبه أن تكون الحقيقة ، وأردف الوالد قائلا ومعقبا على كلام ابنه : اليوم فقط ارتحت من نظرة الناس لي واستطيع الردّ عليهم ، وأنا مرتاح إلى عودة الأمور إلى نصابها ، فما علينا إلا العودة إلى البيت ونحن مطمئنون للحال ، بعد أن أخذ راحتنا في الحديث والاطمئنان عليك ، فودّعهم علي على أمل اللقاء بهم قريبا .

وعاد علي إلى زنزانته فسألوه عن غيبته وهل أساؤوا إليه فنفى ذلك وقال : لقد وضحت لهم بعض الأمور العالقة في التنظيم ، وكان أبا محمد يخدم عليا ويساعده في الاهتمام بنفسه ، فقد كان الحارس الأمين بل لزم جنبه خوفا عليه من انتقام بعض المساجين منه .

ومرت الأسابيع وحان وقت المحاكمة ، وركبوا في العربات العسكرية من السجن إلى مقر المحكمة العسكرية وسط ظروف أمنية مشدّدة ، غير أن حديث وأسئلة القاضي وتشدّده تغيرت ، وخال البعض أن القاضي تحوّل إلى محام للمجموعة وخاصة لأميرها وحارسه الشخصي وتم النطق بالأحكام المختلفة منها القاسي ورأفة بالظروف ، من المؤبد إلى إطلاق السراح المشروط التي فاز بها حارس علي أما هو فقد حكم عليه بعشر سنوات مع الاستفادة بظروف التخفيف ، ولكن أبا محمد من شدة فرحه بالإفراج عنه وحكم صاحبه رفض الحكم ، وطلب البقاء إلى جانب علي ممّ جعل القضاة مشدوهين لحرص الحارس على سلامة صاحبه ، ولكن عليا طلب منه الإذعان إلى حكم المحكمة والسماح له بزيارته كلما أراد ذلك ، فما كان من القاضي إلا الموافقة على طلب علي وإكرام أمانة الحارس وحرصه على صاحبه .

كان اعلي نصيب من الفرحة والسرور لإطلاق سراح صاحبه ، ومواساة البقية ودعا لهم بسرعة الفرج وفرّقوهم على سجون الوطن أما علي فبقي في السجن لعدة أيام إلى حين حضور الوزير مرة أخرى وفي سيارة خاصة ، تم فيها اللقاء بعلي على انفراد وطلب منه الإسراع في تحضير نفسه للقاء الرئيس وبطلب منه مع وزير الدفاع لتكريمه وإطلاق سراحه .

انطلق الوزير بعلي إلى قصر الرئاسة وكان الدخول إليه بسهولة دون الخضوع للإجراءات الروتينية ، والتقى علي الرئيس رفقة وزير الداخلية ووزير الدفاع فقط ، وتم تكريمه برد الاعتبار إليه وجميع حقوقه المادية بالإضافة إلى علاوات أخرى ، ومنزل في مدينة ساحلية بعيدا عن العاصمة ، أما عن عمله فطلب منه الرئيس أن يتقاعد وجميع حقوقه مكفولة جزاء ما قدّمه للدولة من خدمات .

انتهى

حمادي أحمد آل حمزة الجزائر

أتمنى أن تنال اعجابكم ورضاكم ، ولمن تابعها أتمنى أنها نقلتهم الى جو المغامرة والأكشن .شكرا لمن قرأ وتابع

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا