رواية في الجبال مع العصابات المسلحة.. بقلم القاص حمادي آل حمزة

الرواية البوليسية المسلسلة : في الجبال مع الجماعات المسلحة

الفصل الرابع : إلى الحدود مع دول الساحل .

اشتهر علي عند الأمير الوطني باستقامته ، وتنفيذه للأوامر ، وشجاعته وحنكته في إدارة المعارك والخروج منها بأقل التكاليف فطلبه إليه من أميره ، في رسالة مستعجلة ، استشار الأمير نائبه عليا في الرسالة والدعوة ، وخيّره بين الرفض أو القبول أو التحجج بألف حجّة حتى لا يذهب عنه المهندس ، ولكن عليا قبل الدعوة من الأمير الوطني ، قائلا : سمعا وطاعة للأمير وعليّ تلبية دعوته ، رغم المخاطر والشكوك المحيطة بالدعوة .

سار المهندس رفقة رفيقه وحارسه السابق أبا محمد الذي أصبح ظله في الحلّ والترحال ، وأخلص إليه ، حيث أقسم  بأغلظ الأيمان أنّه لن يفارقه مادام حيا ، ولما وصلا إلى معقل الأمير الوطني ، رحّب  بهما وأطلعهما على مخططه في الصحراء الكبرى ، حيث بدأ شحّ منابع التموين بالسلاح والمال وسيطرة عصابات دول الساحل على المنافذ وتأثيرهم المباشر على معطيات الخريطة في الجنوب ، وعليه لم ير أفضل منه في هذه المهمة الكبيرة والخطيرة لتأديب الخارجين عن طاعته ومعاقبتهم ، مع ترقيته إلى أمير الصحراء ، وعليه السير فورا لأن الوقت لا يسمح بذلك بالإضافة إلى الضربات الموجعة التي تلقاها التنظيم من طرف الدولة وتضييق الخناق عليهم  فكان من علي إلا الاستعانة بكتيبته التي دحرت تنظيم الهجرة والتكفير، وعددهم لا يتجاوز العشرين فردا لكنهم من أمهر الرماة والجلادين ، فبعث عن طريق الأمير الوطني إلى أميره يطلب منه إرسال فرقته إلى نقطة الوسط في يوم محدّد ومكان يعرفونه ، مع التسليح التام بالأسلحة التي حارب بها تنظيم الغرب ، وبعد أيام كان اللقاء بجنوده ، وكم كانت فرحتهم بلقاء أميرهم الجديد وتنظيمهم الصحراوي ، رغم المخاطر وطول الطريق وأهواله إلا أنهم كانوا متأكدين من الوصول إلى مبتغاهم رفقة المهندس .

انطلقوا لرحلة مجهولة العواقب والطريق ، رغم وجود دليل عارف بأغوار الصحراء ومجهولها إلا أنّهم كانوا على استعداد تام لأي طارئ ،يمشون ليلا ويستريحون نهارا حتى وصلوا إلى بداية الصحراء المترامية الأطراف ، ومن هناك لابد من تغيير التكتيك والخطة ، لنهم أصبحوا مكشوفين نهارا خاصة للطائرات الاستطلاعية ، وعليهم التزود بالمياه ، وحفر حفر في الرمال وتغطية أنفسهم نهارا ، حيث تنعدم النباتات  ، ولكن هناك مشكلة أخرى عليهم الاحتراز منها وهي انتشار هوام الأرض من عقارب وأفاعي تغوص في الرمال ولا يظهر منها سوى قرونها وهي والموت مترادفان ، فلا مجال لمضاد السم أو الإسعافات ، كان السير سريعا بل وصل إلى الهرولة أحيانا رغم ما يحملونه من ترسانة حربية ومياه ومؤونة إلا أنّ السرعة هي المسيطر ، يقطعون كثبانا رملية ويغو صون في أخرى ، إنها الصحراء التي لا ترحم من يخطئ فيها ، ولكن لكل آفة مضاد ، فتدريبات المجنّدين كثيفة والنصائح متوالية حتى في الطريق ، وأساليب النجاة يعرفونها وقد حفظوا الدرس جيدا .

وكان وصولهم إلى منتصف الصحراء حيث وجدوا واحة في منحدر رملي بها من التمر والمياه والظل ما يشفي غليلهم ، وقد نال منهم التعب والسير حتى تورمت أقدامهم فما عليهم إلا الاستراحة هنا في هذه الجنة الصحراوية ، توزّعوا أفرادا على النخل ، وأكلوا من التمر العسل وشربوا ماء باردا من البئر رغم بعض الملوحة وتفقدّوا أحوالهم فعاد إليهم النشاط على مواصلة السير لكن المهندس نصحهم بالبقاء لأيام لاسترجاع قوتهم بالكامل ، ولما حان وقت الرحيل حملوا ما يمكنهم حمله من ماء وتمر ن وقد نصحهم المهندس بالإبقاء على نواة التمر في أفواههم يمصون ماءها لأنها ستحميهم من العطش وتزيدهم قوة ،ففعلوا وكانت النتيجة مرضية ، فهرولوا في الصحراء لليالي متتالية حتى وصلوا إلى منطقة الحمادة وهي عبارة عن رمال وصخور بركانية ، ثم تجاوزوها إلى حدود المهربين ، واستطاعوا الحصول من عندهم على سيارات ذات الدفع الرباعي وكثير من الزاد ، حتى تمكنوا أخيرا من الاجتماع بأمراء الصحراء المتفرقين على الحدود مع دول الساحل ، وكان الاجتماع مهما في قراراته حيث تم عزل البعض منهم بل ومحاكمتهم في المكان وتصفية البعض الآخر ، لكن الأخبار التي وصلتهم لا تسر كثيرا فقد تمكنت القوات المشتركة من الهجوم على معاقل القوات المسلحة في ضربة نوعية وبالطائرات العمودية من إلحاق الضرر النفيس بالمحتمين بالجبال.

وقد قدّرت الخسائر بالمئات وإلقاء القبض على آخرين ، فأصبح المهندس الأمير الوطني بلا منازع نظرا لمقتل أميريه في الشمال ،  عندها بدأ الحنان يتوغّل إلى قلب الأمير الجديد بالإضافة إلى ملله من التنقل في ربوع الوطن ومطاردة المجموعات المسلحة وتأديب منخرطيها ، ولكنه كتم ما يفكر به حتى لا يتم تصفيته هو الآخر من طرف ما بقي من أفراد الجماعات المسلحة ، ولكنه حمّل نفسه المسؤولية الكاملة في انقراض المجموعات ، والأخذ برأي الأمير الوطني في الزحف على الجنوب ، أي أنه لو كان موجودا في المعاقل الشمالية ما سمح لأحد من التقدم تجاه المعاقل ، هذا ما قاله علي أمام مجموعات الصحراء .

وسار بهم نحو مجمعات المهربين الخارجين عن طاعته والمتمركزين مع الحدود لبعض الدول المجاورة وتم القضاء عليم بسهولة وجمع غنائمهم وغادر الحدود إلى القرب من أحد الثكنات العسكرية وتم إخبارهم في سرية تامة بالنقطة المتواجد فيها وعدد جنوده ، ولما كان الليل حوصرت مجموعته من كل النواحي في أرض مكشوفة تم اختيارها مسبقا ، والطائرات العمودية تحوم المكان وتطلق شهبا مضيئة تجعل من الليل نهارا فاستشار أصحابه واتفق معهم على تسليم أنفسهم خوفا عليهم من الموت بالنار أو عطشا في هذه الصحراء المقفرة ، وعليهم طاعته فقط ، وسيتفاوض معهم على محاكمة عادلة ونزيهة ، فوافق الجميع ونزلوا عند رغبة علي ، وتم تسليم أنفسهم إلى القوات الحكومية ووضعهم في سجن جماعي إلى حين وصول طائرة لحملهم إلى العاصمة لمباشرة محاكمتهم بتهم ثقيلة .

حمادي أحمد آل حمزة الجزائر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا