الشباب وفتن آخر الزمان…. بقلم الدكتور عبد الوهاب الجبوري

الشباب وفتن آخر زمن
د. عبدالوهاب الجبوري
المقدمة
الشباب هم عماد الامة، وسر نهضتها وبناة حضارتها، وهم حماة الأوطان والمدافعون عن حياضها، ذلك لأن مرحلة الشباب هي مرحلة النشاط والطاقة والعطاء المتدفق، فهم بما يتمتعون به من قوة عقلية وبدنية ونفسية فائقة يحملون لواء الدفاع عن الوطن حال الحرب، ويسعون في البناء والتنمية في أثناء السلم، وذلك لقدرتهم على التكيف مع مستجدات الأمور ومستحدثات الخطوب في مختلف المجالات العلمية والسياسية والاجتماعية، فالمرونة مع الإرادة القوية والعزيمة الصلبة والمثابرة من أبرز خصائص مرحلة الشباب، لذا وصف الله عز وجل هذه المرحلة المتوسطة بالقوة بعد الضعف وقبله، قال سبحانه وتعالي: ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)( الروم:54) ، وهذا يعني ان الشباب مرحلة قوة بين مرحلتي ضعف ، ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة ، لذلك اعتنى الإسلام بالشباب عناية فائقة ووجههم توجيها سديدا نحو البناء والنماء والخير، واهتم الرسول صلى الله عليه وسلم بالشباب اهتماما كبيرا، فقد كانوا الفئة الأكثر التي وقفت بجانبه في بداية الدعوة فأيدوه ونصروه ونشروا دعوة الإسلام وتحملوا في سبيل ذلك المشاق والأهوال(1) .
ولكن مع تجدد الثقافات وانتشار العلوم والتقنية ، اتجه بعض الشباب إلى الأخذ بزمام النتاج الثقافي الفاسد الذي يجسد ضعف الإيمان ، ويهشم المبادئ ، ويقتل الابداع وساروا بالتالي على منهج التقليد الاعمى للغرب والقيم المستوردة . كيف لا يكون ذلك ونحن نشاهد ضعف واقع بعض الشباب اليوم ، فهم إما على الطرق تائهون ، أو على الشبكات العنكبوتية غافلون ، أو عبر شاشات الفضاء المسمومة غارقون ، وهذا يتطلب أن ننطلق في بناء الخطاب التربوي وتجديده من أجل أن يجسد متطلبات الشرع والحياة في حياة الشباب ، ومن الضروري أن نبتعد عن الخطاب التقليدي بكل ضروبه ، لأن ذلك لا يمثل تأثيرا في ظل هذا الكم الهائل من الثقافات المتجددة المؤثرة سلبا في حياة الامة والشباب خاصة ، والخطاب التربوي المبدع يمنع شبابنا من أن يكونوا لقمة سائغة لتيارات الفساد والإنحراف (2) .

تسلل الفساد الى الشباب

مع مرور الزمن وتسلل مكونات قشور الحضارة الغربية المؤطرة بالبدع والسمات اليهودية والكافرة إلى بيوت العرب والمسلمين والى عقول شبابهم وشاباتهم بلا استئذان ، تغيرت أحوال الناس، وخاصة الشباب منهم ، فقد علم أعداء الإسلام أهمية دور الشباب في بناء الأمة، وحرصوا حرصاً كبيراً على إلهائهم، وتسميم أفكارهم، وزرع الميوعة والخلاعة في نفوسهم، وخططوا ودبروا لتبديد هذه الثروة، ثروة الشباب وتعطيلها وإفساد طاقتها، وتخريب قوتها، فظهر جيل من الشباب مقلِّدٌ لأعداء الله، متشبهٌ بهم، معجبٌ بأطروحاتهم وأفكارهم، متبعٌ لهم، مسلمٌ بما جاء من عندهم، حتى وصل الحال ببعضهم بازدراء أحكام الإسلام ، والتندُّر بالملتزمين والمتدينين، ووصفهم بأنهم معقدون ومتشددون ، كما وصفهم سبحانه وتعالى بقوله :( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ )( المطففين :29-32) .
وظهر جيل آخر من الشباب متشبهٌ بأعداء الله في الظاهر أو المظاهر، فيتسمى بأسمائهم، ويقلدهم في لباسهم، ويتشبَّه بهم في تصرفاتهم وحركاتهم وقصَّاتهم، ويعظم صور لاعبيهم وسفهائهم، وكأنهم لم يسمعوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ومن تشبه بقوم فهو منهم" سنن ابي داود عن عبدالله بن عمر .
وظهر جيلٌ آخر من الشباب شباب مترفون، عابثون ساهون لاهون، تافهون تائهون، يهدرون أوقاتهم في سفاهات، ويضيعون شبابهم في شهوات وملذات، لم يفلحوا في دين ولا دنيا، فهم في الدراسة راسبون، وفي العمل فاشلون، وفي الحياة تائهون حائرون، يجلسون على الأرصفة والشوارع، يصدون عن سبيل الله، أو يجلسون أمام البيوت يتتبعون عورات خلق الله، ويتجمعون في الأسواق والمنتزهات لمضايقة النساء وإيذاء المارة. حياتهم حياة بهيمية، وتصرفاتهم تصرفات شيطانية، يسهرون ويسمرون، ويتجملون ويتزينون، ويضحكون ويمزحون، وعلى الخبث وأماكن اللهو يتغاشون ويتهافتون. يظنون أن الرجولة في تصفيف الشعر وتنسيق الثياب، والوقوف طويلاً أمام المرآة للظهور بمظهر جذاب. يظنون أن الرجولة في التبجح بالحديث عن المغامرات والمعاكسات، وملاحقة الساقطين والساقطات، ويروون قصصهم في ذلك بكل جفاء وقلة حياء. وآخرون يظنون أن الرجولة في سماع الأغاني ورفع الصوت بها في السيارة أو على الدراجة، مع التفحيط والتهور، قال تعالى : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ )( المؤمنون:115-116) .
إنهم جيل القنوات الفضائية، والقصَّات الغربية، والرقصات الهستيرية، والتكسر في المشية. جيل التفريط والتضييع، والقبعات والبدلات، والقات والسرقات، والحبوب والمخدرات. جيل الأفلام والجريمة، والتخنث والميوعة، وتضييع الأصول والقِيَم؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
" اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك" رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الايمان عن ابن عباس رضي الله عنهما وصححه الالباني في الجامع الصغير. أما الصلاة، فحدِّث ولا حرج عن تضييعها وإهمالها، لاسيما صلاة الفجر؛ فكثيرٌ من الشباب قد أضاعها وأهملها وفرَّط فيها، ونام عنها بشكل مستمر، قال تعالى : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا )( مريم:59) (3) .
وكان من نتيجة ذلك ان ساءت ملامح الزمن كثيرا ، فالجدران التي كنا نكتب عليها بالطباشير والفحم بفرح ، أمست تُلطخ بالدم والحزن ، والجار الذي كنا نعرفه ونسأل عنه حتى سابع بيت ، بل حتى آخر بيت في الزقاق والمحلة والشارع ، بات غريبا عنا لا نعرفه ولا يعرفنا ، والأسوأ أننا قد نجد من جيراننا من يترصدنا وحتى يؤذينا دون أن ندري به ، يطعن في ظهرنا ونحن غافلون لا ندري . وصداقة أيام زمان ، بكل مستوياتها ، كانت مبنية على العفوية والمحبة ، أما اليوم فتجد المصالح والأغراض السيئة هي التي تُطبع الكثير من صداقات هذا الزمن . وقوم لوط ، أمسى يُطـــــلق عليهم (جنس ثالث ) والمتشبهات من النساء بالرجال واللاتي لعنهن الله يطلق عليهن ( بويات ) والمتشبهون من الرجال بالنساء يطلق عليهم ( خنثى ) وفاقد الأخلاق الذي يقر الخبث في أهله هو ( ديوث ) يعلم بوقوع بعض محارمه في الزنا ، وهو ساكتٌ لا يُحرّك ساكناً ... الى غير ذلك من الظواهر السلبية التي باتت تسود المجتمعات العربية والاسلامية . كل هذه المسميات ( أجاركم الله ) هي من إفرازات الحضارة الغربية والشرقية الملوثة وتصديراتهما الفاسدة ، وقد أمست ظاهرة واسعة الانتشار خاصة بين الشباب في المجتمعات التي تدعي أنها متحررة ومتفاعلة مع الغرب والشرق ، وهذه المسميات : شذوذ وانحراف عن الفطرة التي فطر الله الخلق عليها ، لكن الرجل ينبغي أن يعتز برجولته، وأن يأنف من مشابهة المرأة ، والمرأة كذلك ينبغي أن تعتز بأنوثتها، وأن تأنف من محاكاة الرجال ومشابهتهم ، وعلى شبابنا وشاباتنا التمسك بقيمهم ومبادئهم المستمدة من دينهم الحنيف كي يتحصنوا ضد الافكار والصرعات المسمومة الدخيلة (4) .

أسباب انحراف الشباب

هناك جملة عوامل وأسباب تعمل منفردة ومتظافرة في حرف الشباب عن خطّ السير، أو منهج الإسلام الصحيح. وأهمية معرفة هذه الأسباب تنبع من أن ذلك يعدّ تمهيداً ومدخلاً لمعالجتها ومكافحتها والقضاء عليها. ومن بين هذه الأسباب:
1. ضعف الوازع الدينيّ : قد ينحدر الشاب أو الفتاة من أسر متديّنة لكنهم ينحرفون، لأنّ التديّن لدى بعض الأسر المسلمة أوامر ونواهٍ وقواعد عسكرية صارمة، وليس طريقاً لبناء الشخصية القوية الملتزمة العاملة التي تقف بوجه الانحراف فلا تتداعى أمامه، بل تساهم في إزاحته عن الطريق. ومما لا شكّ فيه أنّ الدين عامل حيوي من عوامل التحصين وغرس الوازع الديني إذا أحسن الأبوان تقديمه إلى الأبناء ليس في المحتوى فقط وإنّما بأسلوب العرض أيضاً. باختصار فان البعد عن الله ، وترك الصلاة والفرائض المكتوبة والابتعاد عن طريق الإيمان ومنهج العقيدة والفضيلة ، من أبرز اسباب الانحراف (5) .
2. نسيان الكثير من الناس للموت والاهتمام بالدنيا وجعلها شغلهم الشاغل ونسيانهم بأن الموت آت لا محالة، قال تعالى :( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (العنكبوت: 57) ، ومع نسيان الموت يعرضون عن تذكر الآخرة ، كما أوصانا نبينا صلى الله عليه وسلم : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق القلب، وتدمع العين، وتذكر الآخرة، ولا تقولوا هجرًا " أخرجه الحاكم، وحسنه الألباني في أحكام الجنائز . وقال الشاعر : كل ابن أنثى وإن طالت سلامته / يوماً على آله حدباء محمول . فليتهم يتعظون !!
3. التفكك الأسري : للأسرة دور كبير ومؤثر في تربية الطفل والشاب ، سلبا أو إيجابا ، وأفضل الأسر التي يكون فيها الوالدين مؤمنَين وعلى درجة من الأخلاق الرفيعة والإيمان والوعي والنضج ، وبالتأكيد فإنهما سيحسنان تربية أبنائهم ورعايتهم وحمايتهم من كل المؤثرات الخارجية سواء المدرسة أو الجامعة أو الشارع أو النادي(6) .
4. تراجع دور المدرسة: ينصبّ اهتمام بعض المدارس اليوم على العلم والتعليم أكثر من التربية والتهذيب، وإذا كان ثمّة اهتمام بهذه الأمور فثانوي، أو يطرح بشكل أكاديمي أيضاً، أي ان دروس التربية والأخلاق شأنها شأن دروس الكيمياء والفيزياء تعطى للطالب للاختبار فقط. المدرسة هي البيت الثاني والحاضن الآمن المهم بعد الأسرة، فإذا تراخت أو تراجعت عن أداء دورها ورسالتها فإنّ الكارثة محدقة. وإذا افتقد الطالب الشاب أو الطالبة الشابّة لدور الموجّه الحقيقي والمرشد الناصح والمسدّد الأمين، ولم يشعر ذاك أن معلمه أب وهذه بأن معلّمتها أمّ، فإنّ ساحة المدرسة تتحول من ساحة للبناء والتربية إلى ساحة للانحراف والضياع وتبادل الخبرات المتدنيّة والسيِّئة والمخلّة بالآداب(7).
5. وسائل الاعلام : وسائل الإعلام اليوم أكثر المؤسسات المهتمة في حرف الشباب عن طريق الإيمان والأخلاق. ويأتي في المقدمة من هذه الوسائل (التلفاز) الذي يمثّل ، في حال عدم تقنين المشاهدة واختيارها الصحيح ،الخطر اليومي الداهم الذي يعيش في البيت كفرد من أفراد الأسرة . فمتابعة الشباب للقنوات الفضائية والأفلام الخارجة عن الآداب من الأسباب التي تؤدي إلى انحرافهم ، فضــــلا عن التكنولوجيا الحديـــثة بمغرياتها الكثيرة التي بهـــــرت الشباب ونقلتهم من عالم الواقع إلي عالم الخيال والإثارة والموضة والتقاليع المزيفة ، بل والمحرمة في بعض الأحيان فأصبحوا يعيشون حياة لا تمت لواقعهم بصلة بأي حال من الأحوال وأصبحوا عبدة الأنترنت ويا ليتهم يستخدمونه الاستخدام الأمثل ، بل يستغلونه في الإساءة والخلاعة وإيذاء الآخرين و خدش حيائهم واستباحة أعراضهم والتهكم على من هم أفضل بل وأطهر من هؤلاء العابثين(8).
6. قرناء السُّوء: وهم الأصحاب الذين يُمثّلون دور المزيّن للانحراف والمرغّب والمغري به، أي أنّهم شياطين يوسوسون بالمعصية وتجاوز الحدود وارتكاب الجرائم ويصوّرون ذلك على انّه متعة خاصّة، أو شجاعة نادرة أو مفخرة، وقد ينصّبون من أنفسهم (فقهاء) لزملائهم فيفتون بغير علم، ويقولون لك إنّ هذا أمر مقبول وكلّ الناس تفعله ولا حرمة فيه وأنّهم يتحمّلون خطاياك، بل ويتطوعون للردّ على إشكالاتك الشرعية التي تدور في ذهنك لتُقبل على العمل الشرير وأنت مرتاح الضمير! إنّ دور قرناء السوء – في مجمل الانحرافات التي يتعرّض لها الشبان والفتيات – خطير جدّاً، وما لم ينتبه الشباب والشابات إلى تسويلات وتزيينات قرناء السوء فإنّهم سينخرطون في الانحراف وسيستدرجون الى عالم الرذيلة والانحطاط ، وربما الى عالم الجريمة ايضا ، قال تعالى : (يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنْسَانِ خَذُولا) (الفرقان: 28-29)(9) .
7. الكتابات المنحرفة: فهذه الكتابات التي تنهج نهجاً خرافياً وتغريبياً أو تخريبياً في تصوير العلاقة بين الجنسين على أنّها الحرِّية الشخصية والتمتع بمباهج الحياة، والتي تطرح صورة الشاب العدواني العنيف على أنّه (البطل) الذي يهابه الآخرون، والشاب المسترسل مع شهواته ونزواته وأطماعه على أنّه الشاب العصري المثالي، والفتاة التي تنتقل بين الأحضان على أنّها منفتحة وتمارس حياتها كما يحلو لها من غير قيود. هذه الكتابات فاسدة مفسدة، وضالّة مضلّة، أي أنّها منحرفة بذاتها وتشجّع على الانحراف أيضاً(10).
8. الجهل: الجهلُ طامّة كبرى، والشابّ الجاهل الذي لا يعرف كيف يبدأ؟ وكيف يسير؟ وإلى أين ينتهي؟ كالأعمى يقوده جهله إلى المهالك والمزالق والانحرافات وهو لا يدري أنّه يسير سيراً عشوائياً، وأنّه يقع في المطبّ أو الحفرة ذاتها عدّة مرّات، وأنّه قابل للإغواء والاستدراج والتغرير والخداع ببساطة. والجهل يأتي ليس من ضعف الجانب الثقافي فحسب، بل من هشاشة التجربة في الحياة، وأحياناً من عدم الاستفادة من التجارب، فقد يكون للجاهل تجاربه لكنّه يرتطم بالمشاكل المتماثلة مراراً لأنّه ساذج ومغفّل وسطحي جدّاً، وقد لا ينتبه إلى انحرافه إلا مؤخراً، أي بعد أن يكون قد دفع ضريبة جهله ثمناً باهضاً، سجناً، أو طرداً من البيت، أو هجراناً من قبل الأصدقاء، وبكلمة أخرى يصبح منبوذاً اجتماعياً يتبرّأ أهله وأصحابه منه(11) .
9. الفقر الشديد والثراء الشديد: وقد يبدو هذا العامل متناقضاً لأوّل وهلة، لكن هذه هي الحقيقة، فلكلّ من الفقير المدقع الفقر، والثري الفاحش الثراء انحرافاته. فإذا كان الفقر يدفع إلى السرقة والحسد والحقد والانتقام من المجتمع، فإنّ الثراء الشديد يدعو إلى الميوعة والمجون والاستغراق في اللهو والملذات والشهوات والتبذير. إنّ استعجال بعض الشبان والفتيات الثراء قد يجعلهم ينحرفون في سبيل تحقيق أحلامهم، ويسلكون طرقاً معوجة لنيل مآربهم، وقد يحققون بعض ذلك لكنهم – إذا قدّر لهم أن يراجعوا أنفسهم وحساباتهم – فإنذهم سيجدون أن ما تكبّدوه من خسائر أكثر مما جنوه من أرباح، هذا إذا صحّت تسمية ما نالوه بالطرق المنحرفة أرباحاً (12).
10. نقص التجربة وغياب المعايير: المنحرفُ – شاباً كان أم فتاة – قد يقع في الانحراف لأنّ الأمور تختلط لديه، فلا يمتلك القدرة على التشخيص أو الفرز بين ما هو صواب وما هو خطأ، وما هو خير وما هو شرّ، وما هو حسن وما هو قبيح. وإذا أضيف إلى ذلك أنّ بعض الشبان والفتيات يستنكفون من استشارة أهل العلم والخبرة والتجربة بما في ذلك الوالدين أو الأصدقاء المخلصين، ازداد الطين بلّة(13) .
11. الحرِّية اللامسؤولة: تحت شعار الحرية هوى كثير من الشبان والفتيات في وديان الانحراف. لم يكن ثمّة تمييز بين الحرِّية المسؤولة وبين الحرِّية غير الملتزمة أو المنضبطة بضوابط معيّنة. فليس من الحرِّية في شيء أن أترك لشهواتي الحبل على الغارب، وليس من الحرِّية أن أبيع عزّتي وكرامتي أو أذلّ نفسي، وليس من الحرِّية أن أتكلّم بالسوء على مَن أشاء، ولا من الحرِّية أن أخرج كفتاة نصف عارية إلى المجتمع. حرِّيّتنا في الإسلام تستبطن المسؤولية، فما دمت حرّاً أنت مسؤول وتتحمل تبعات أعمالك، وتراعي قانون الشريعة وخط السير، وإلا فأيّ انفلات أو انحراف أو خروج على ذلك يعني انتهاكاً للقانون وإساءة للحرِّية.
الجهل، الغرور، وضعف الحس الاجتماعي هي التي تسبب حالة الاختلاط هذه، والأهم من ذلك الجهل بالشريعة الإسلامية، فقد ترى بعض الشبّان يمارسون الحرام ويظنّونه حلالاً، ويقترفون الجرائم ويحسبونها فتوّة، وينفلتون من الضوابط ويقولون إنّها حرِّية.
وهنا يبرز دور الابوين مهما في هذا الجانب ، فلا يأمرون ابناءهم بالصلاة ولا يضربونهم عليها كما أمرنا رسولنا الكريم : " مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع" أخرجه أحمد وأبو داود. بل يهتمون بهواياتهم و مواهبهم ويحاولون جاهدين تنميتها ، فهذه الابنة ستصبح مطربة لعذوبة صوتها وهذا الابن سيصبح نجما سينمائيا كبيرا لقدرته على التقليد ... الخ وكل ذلك أضلهم عن الطريق المستقيم ، والابتعاد عن نشأة الطفل من صغره على القيم و المبادئ (14).
12. الفراغ : الفراغ والاستهتار بالوقت هو من أسباب الانحراف ، قال نبينا محمد صلِ الله عليه وسلم : " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ " رواه البخاري ، ولذا ننصح الشباب من الجنسين بان يشغلوا أوقاتهم بالمفيد من الأعمال فضلا عن أدائهم فرائضهم الدينية ، ومن ينظم وقته جيدا لا يجد فيه فراغا أبدا لأنه سيكون متواصلا مع عمل أو قراءة أو عبادة أو مطالعة أو دراسة أو مشاهدة التلفاز بما هو مفيد فكريا وثقافيا ودينيا أو حتى تعلم الحاسوب وغير ذلك (15) .

مسؤولية حماية الشباب وتحصينهم

بعد ان عرفنا اسباب انحراف الشباب ، فان تحصينهم من الأفكار التي تحاول النيل من أخلاقهم ودينهم وسلوكهم ووطنيتهم امر ضروري بل ملح ، لكي نتمكن من تبني ثقافة اجتماعية حصينة تصون الشباب من الانحراف والشذوذ وتكرس روح الانتماء لقيمهم وعقيدتهم ومبادئهم الأصيلة معززة بالقناعة لدى جيل الشباب . ذلك أنّ واقع فضائنا لم يعد ذلك الصافي النقي، بل أصبح ملبداً بالغيوم السوداء الممزوجة بالحقد والكراهية والسموم ، التي تحاول النيل من شبابنا وخلخلة قيمهم السامية والتلاعب بفطرتهم والإضرار بها تحقيقاً لأغراض مشبوهة وأهداف حاقدة على ديننا وقيمنا وتماسكنا الاجتماعي وبالتالي كان لابد أن نتوجّس من كل الوسائل والأساليب المسمومة الدخيلة على مجتمعاتنا وعاداتنا وحياتنا ، ومن ذلك أدوات البث المباشر، وأدوات التواصل التي تمثل الجسر الموصل إلى محيطنا الاجتماعي، وبالمقابل من جانبنا تبرز أهمية محاولة الوقوف بقوة أمام هذا المد، وهذا الغزو الفكري بكل الوسائل. وإذا كنا في سابق الأيام نؤمن بأنّ الأسرة تمثّل الحاضن الأول والمدرسة الأولى لبناء وتعزيز القيم الإسلامية والاجتماعية والوطنية لدى النشء وجيل الشباب ، فإننا في المقابل يجب أن نؤمن بأنّ الأسرة ، على أهمية دورها في تربية النشء تربية صحيحة ، فإنها لم تعد ذلك المجال المحاط بالأسوار والأبواب والأقفال، بل إنّها أصبحت مكشوفة بوسائل التقنية، وعارية أمام طغيانها وثقافتها، وأصبح الوصول إليها والتأثير من خلالها على الشباب أمرا يسيرا وخطيرا . لذلك يتطلب توجيه الأبناء والبنات وجيل الشباب وتحصينهم من الأفكار الهدامة بكافة أشكالها ، وهذه مسؤولية مشتركة لكافة فئات المجتمع وطبقاته، ابتداءً بالعائلة ومتابعة الوالدين لأبنائهم، والحرص على التربية الصالحة التي تراعي مصلحة أولادهم أولاً، ومصالح المجتمع والوطن الذي يعيشون فيه، كما تأتي مسؤولية المؤسسات التعليمية والتربوية بكافة مستوياتها، إلى جانب المفكرين والعلماء ووسائل الإعلام المختلفة ، من خلال محاربة الفساد الأخلاقي بكافة أشكاله، وغرس روح الشفافية، والصدق، والصراحة، وإشغال الشباب بالمفيد من الأعمال الخيرية والتطوعية التي تنفعهم وتبعدهم عن ما يضر، والانفتاح في هذا المجال وتشجيعهم، وعدم التضييق عليهم(16) .
ومن المفيد أن نشير هنا إلى تحقيق القناعة لدى الشباب بما يطرح عليهم ، فالقناعة تحتاج للوسائل المؤدية لها قبل كل شيء، وبالتالي علينا أن نعود إلى الحوار الحقيقي والشفاف مع شبابنا، وألا نلزمهم بآرائنا في الموضوعات المطروحة، وأن تكون مناقشاتنا لهم عقلية، وأن ندرك أننا في عصر تطورت فيه معلومات شبابنا في كافة المجالات أكثر مما نتخيل، ونحترم آراءهم، ولا نسفهها أو نستهين بها، ونساعدهم على المناقشة ونعودهم على السماع والاستماع، وكل ما يؤدي لقناعة حقيقية باطناً وظاهراً، وألا يكون مجتمعنا إقصائياً وانتقائياً ، وأن نشعر الشباب بحقوقهم قبل أن نحدثهم عن واجباتهم، وأن نحببهم في أهمية تمسكهم بأخلاقهم ودينهم ومجتمعهم ، من خلال ما يلقونه من فرص وحقوق واحترام لا من خلال ما نمليه عليهم بلا روح . ويتمثل دور المفكرين والعلماء والدعاة والمتخصصين وعلماء النفس والجهات التربوية والثقافية والعلمية المسؤولة في رسم الخطط الناجعة والمؤثرة التي تقود المجتمع إلى مزيد من التنمية الفكرية والتربوية وبما يؤدي إلى توجيه النشء إلى مكارم الأخلاق ووعي مخاطر البدع والظواهر الغربية التي تسللت إلى مجتمعاتنا وشبابنا وأدت إلى وقوع أعداد منهم في الانحراف والشذوذ وتقويمهم لما فيه خير دينهم ودنياهم ووطنهم(17) .
باب التوبة مفتوح
إنّ الله تبارك وتعالى لم يحرّم على الناس إلاّ ما يستطيعون تركه ، ولم يوجب عليهم شيئاً لا يستطيعون فعله ، لذا فإن الشيطان قد يوهم بأنه لا يمكن للمسلم أن يتوب ، ولكن على المسلم أن لا يلتفت لما عند الشيطان وليعلم أن باب التوبة مفتوح .وإلى كل شاب وشابة يريدان التوبة والرجوع إلى الله نقول : باب التوبة مفتوح ورحمة الله واسعة . قال تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )( الزمر :53) وقال جلا وعلا: ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين )( البقرة : 222) وقال سبحانه:(ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده )( التوبة :104) . ومن المهم جداً أن تعلم ايها الشاب الحريص أن باب التوبة مفتوح لك ، ولكل شاب او شابة ولكل امرأة ورجل ولكل صغير وكبير ، وعليك أن تتأمل جيداً ما هو مذكور في الايات السابقة ، وباب التوبة دائماً مفتوح يدخل منه كل من استيقظ ضميره وأراد العودة والمآب، لا يصد عنه قاصد ولا يغلق في وجه لاجئ، أياً كان وأياً ما ارتكب من الآثام .
وهناك خطوات عملية تبين لك بوضوح كيفية التوبة بإذن الله تعالى ، فكلمة التوبة كلمة عظيمة ، لها مدلولات عميقة ، لا كما يظنها الكثيرون ، ألفاظ باللسان ثم الاستمرار على الذنب ، وتأمل قوله تعالى : ( وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه )( هود : 3 ) ، وللتوبة الصادقة شروط ، لا تصح ولا تقبل إلا بها وهي كالاتي :
1.الإسلام : فالتوبة لا تصح من كافر وتصح من المسلم فقط . لأن كفر الكافر دليل على كذبه في ادعاء توبته ، وتوبة الكافر دخوله في الإسلام أولاً .قال تعالى : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنّيِ تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)(النساء:18)(18) .
2. الإخلاص لله تعالى : فمن ترك ذنباً من الذنوب لله صحت توبته ، ومن تركه لغير الله لم يكن مخلصاً ولم تصح توبته ، فإن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً له وحده ليس لأحد فيه شئ . فقد يتوب الإنسان من المعصية خوفاً من الفضيحة ونحو ذلك ـ وفي قرارة نفسه أنه لو وجد الستر لقام بالمعصية فهذه توبة باطلة ، لأنه لم يخلص لله تعالى فيها (19).
3. محاسبة النفس والإقلاع عن المعصية : فلا تتصور صحة التوبة مع الإقامة على المعاصي حال التوبة ، فإن الإقلاع عن الذنب شرط أساسي للتوبة المقبولة، فالذي يرجع إلى الله وهو مقيم على الذنب لا يعد تائباً، وفي قوله تعالى :( وتوبوا ) إشارة إلى معنى الإقلاع عن المعصية، لأن النفس المتعلقة بالمعصية قلما تخلص في إقبالها على عمل الخير لذلك كان على التائب أن يجاهد نفسه فيقتلع جذور المعاصي من قلبه ، حتى تصبح نفسه قوية على الخير مقبلة عليه نافرة عن الشر متغلبة عليه بإذن الله (20).
4. الاعتراف بالذنب : إن التوبة لا تكون إلا عند ذنب، وهذا يعني علم التائب ومعرفته لذنوبه، وجهل التائب بذنوبه ينافي الهدى، لذلك لا تصح توبته إلا بعد معرفته للذنب والاعتراف به وطلبه التخلص من ضرره وعواقبه الوخيمة. والدليل من السنة قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها في قصة الإفك : " أما بعد ، يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " و في رواية : " فإن التوبة من الذنب الندم " .رواه الشيخان واحمد (21).
5. الندم على ما سلف من الذنوب : الندم ركن من أركان التوبة لا تتم إلا به ولا تتصور التوبة إلا من نادم خائف وجل مشفق على نفسه مما حصل منه وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيمة الندم فقال : " الندم توبة " رواه أبن ماجة وغيره وحسنه الألباني(22) .
6. رد المظالم إلى أهلها : ومن شروط التوبة التي لا تتم إلا بها رد المظالم إلى أهلها، وهذه المظالم إما أن تتعلق بأمور مادية، أو بأمور غير مادية، فإن كانت المظالم مادية كاغتصاب المال فيجب على التائب أن يردها إلى أصحابها إن كانت موجودة، أو أن يتحللها منهم، وإن كانت المظالم غير مادية فيجب على التائب أن يطلب من المظلوم العفو عن ما بدر من ظلمه وأن يعمل على إرضائه . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها ، فإنه ليس ثم دينار ولا درهم، من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه " رواه البخاري(23) .
7. اعزل نفسك عن مواطن المعصية: فترك المكان الذي كنت تعصي الله فيه مما يعينك على التوبة (24).
8. الابتعاد عن رفقة السوء: فإن طبعك يسرق منهم، واعلم أنهم لن يتركوك وخصوصاً أن من ورائهم الشياطين تؤزهم الى المعاصي أزاً، وتدفعهم دفعاً، وتسوقهم سوقاً. فغيّر رقم هاتفك، وغيّر عنوان منزلك إن استطعت، وغيّر الطريق الذي كنت تمر منه. ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: " الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل " رواه أبو داود والترمذي وحسنه الألباني (25) .
9. وقوع التوبة قبل الغرغرة : والغرغرة هي علامة من علامات الموت تصل فيها الروح إلى الحلقوم ، فلابد أن تكون التوبة قبل الموت ، كما قال الله تعالى: ( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)(النساء:17-18) ، وقال صلى الله عليه وسلم " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " رواه احمد والترمذي وابن ماجة(26) .
10. أن تكون قبل طول الشمس من مغربها : لأن الشمس إذا طلعت من مغربها آمن الناس أجمعون ، وتيقنوا بقرب قيام الساعة ،ولكن التوبة والإيمان عند ذلك لا تنفع .قال تعالى: ( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ)(الأنعام:158) ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه " رواه مسلم(27) .
فإن تحققت شروط التوبة بصدق ، قبلت التوبة فإذا ما أذنب العبد مرة أخرى ثم تاب واجتمعت في التوبة شروطها صحت توبته، وإن تخلف شرط من ذلك لم تصح توبته، فإن عاد إلى الذنب مرة أخرى ثم تاب توبة صحيحة بشروطها صحت توبته وهكذا . فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبّهِ عَزّ وَجَلّ قَالَ: " أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْباً. فَقَالَ: اللّهُمّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْباً، فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذَ بِالذّنْبِ. ثُمّ عَادَ فَأَذْنَبَ . فَقَالَ: أَيْ رَبّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْباً. فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذّنْبِ. ثُمّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي . َفقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبَاً. فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذّنْبِ. اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ " صحيح مسلم ، وعلى العبد أن يعلم أن السبيل إلى قطع رجوعه إلى المعاصي التي تاب منها ألا يقع في استدراج الشيطان قال تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(النور:21)(28) .

الخاتمة

نحن نعيش اليوم واقعاً مليئاً
بفتن لا يعلم بها إلا الله، فتن قتل وهرج، فتن فضائيات وإعلام مضلل، فتن إنترنت وشائعات وانفتاح على العالم، كلٌ يكتب ما يريد دون وازع من ضمير يردعه إلا من رحم ربي، وغيرها الكثير من الفتن التي نحتاج فيها عون الله تعالى أن  يثبتنا ويبصرنا فيها بالحق(29).. فعلى شبابنا ان ينتفعوا بما ذكرناه ، وأن يسارعوا إلى محاسبة النفس ، لعل الله أن يهدي قلوبهم للإيمان والتقوى .. وانت أيها الشاب ، قم الآن وتلفظ بالشهادتين وتطهر وصل كما أمرك الله ، وحافظ على الواجبات واترك المحرمات ، واسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى وأن يتوب علينا أجمعين أنه هو التواب الرحيم . وأخيرا نقول قد يسأل سائل : كيف ومتى ننهي هذه الحالة الشاذة في مجتمعاتنا ؟ لهؤلاء أقول : إن هذا سينتهي بعون الله وينتهي التخلف والانحراف والشذوذ وما عليه العرب والمسلمون من الهزيمة الحسية والمعنوية إذا غيروا ما بأنفسهم وتمسكوا بدينهم وابتغوا العزة فيه، قال سبحانه وتعالى:( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )(الرعد: 11) وقال تعالى :( أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ) (النساء: 139 ) .قال عمر رضي الله عنه : نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله ، وقال مالك بن أنس رحمه الله : لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ، فإذا غيرت الأمة ما بنفسها وسلكت سبيل سلفها وابتغت العزة في شريعة ربها زال بإذن الله ما بها . هذا فضلا عن الدور التربوي والأخلاقي والديني المهم الذي يفترض أن تقوم به الأسرة والمدرسة والمسجد والتلفزيون والإذاعة وعلماء الدين ومؤسسات الدولة المتخصصة في مجالات التربية والتعليم ومختلف وسائل الإعلام والتثقيف المرئية والمسموعة والمقروءة .
فيا من تخاف على نفسك من الانحراف وتقي نفسك من الشذوذ اقرأ هذا الحديث الشريف وتمعن فيه جيدا : عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي : " يا غلام إني أعلمك كلمات : أحفظ الله يحفظك ، أحفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ، إذا أردت إن تنجو من هذه الأمور التي تضرب المجتمع عليك الالتجاء إلى الله تعالى ، وعليك أن تحدد هدفك في الحياة وأحلى ما في الدنيا إن تكون طائعا لله ورسوله كي تفوز في الدارين الأولى والآخرة .. اسأل الله العفو والعافية لنا ولشبابنا وان يبارك في كل جهد لإصلاحهم وتوعيتهم لما فيه خيرهم وخير الأمة ، و أن ننتفع جميعا من تلك الوصايا والأحكام التي ذكرناها في سياق الدراسة ، وأن يقينا الله شر الفتن ما ظهر منها وما بطن ..
والله من وراء القصد ، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ..

هوامش

(1) د. علي جمعة ، دور الشباب في بناء الامة ، الاهرام اليومي ، نقلا عن الاهرام الرقمي .
(2) عبدالله بن سعيد ال يعن الله ، الشباب وتطلعات المستقبل ، صيد الفوائد
(3) مراد ، الشباب قوة الامة ، الالوكة الشرعية ، افاق شرعية : باشراف الدكتور سعد بن عبدالله الحميد والدكتور خالد بن عبدالرحمن الجريسي .
(4) الكاتبة الإماراتية شهرزاد ، ملامح آخر الزمن ، زمن الفتن ، المنهج – الموقع الرسمي للشيخ خميس عثمان الخميس .
(5) انحراف الشباب ( الاسباب ، المظاهر وطرق الحماية ) ، موقع البلاغ .
(6) د. صالح بن إبراهيم الصنيع ، التفكك الاسري : الاسباب والحلول المقترحة ، المكتبة الاسلامية .
(7)و(8)و(9)و(10)و(11) و(12)و(13) انحراف الشباب ، مصدر سابق .
(14) السعيد ، نقص التجربة وغياب المعايير ، واحة العرب .
(15) السعيد ، نقص التجربة وغياب المعايير ، المصدر السابق .
(16) د.عبدالعزيز بن إبراهيم العُمري ، جرس الوعي لم يعلق لتحصين الشباب من انفلات الراي والاحباط ، ندوة فكرية اقامتها (الرياض ) النسخة الالكترونية من جريدة الرياض الصادرة من مؤسسة اليمامة الصحفية ، تحقيق : منصور الجفن – بريدة .
(17) د.عبدالعزيز بن إبراهيم العُمري ، جرس الوعي لم يعلق لتحصين الشباب من انفلات الراي والاحباط ، المصدر السابق .
(18)و(19)و(20)و(21)و(22)و(23) عبدالرحيم ، شروط التوبة من القران والسنة ، موقع منتديات ماجدة .
(24) كيف اتوب ، صيد الفوائد .
(25) كيف اتوب ، المصدر السابق .
(26) عبدالرحيم ، شروط التوبة من القران والسنة ، مصدر سابق .
(27) عبدالرحيم ، المصدر السابق .
(28) كيف اتوب توبة نصوحة ، منتديات طريق الحقيقة
(29) كيفية الثبات في زمن الفتن ، موقع طريق الإسلام.

ملاحظة / الدراسة نشرت لأول مرة في 2014/3/15 في  المعد العربي للبحوث والدراسات الإستراتيجية/ منتدى الأستاذ عبدالوهاب الجبوري - الاعمال الادبية الكاملة، وتم تحديثها عام 2019

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا