الزحف على الغرب… بقلم القاص حمادي آل حمد

الرواية المسلسلة : في الجبال مع الجماعات المسلحة

الفصل الثالث : الزّحف على الغرب وإبادة عناصر الهجرة والتكفير

أخذ ترتيب البيت والمعقل بعض الوقت من الأمير والمهندس ، رغم قلة العدد أذا ما قورن بالعدد السابق ، ولكن عليا نائب الأمير هيّأ الجنود وارتقى بهم إلى مصاف المحترفين بالتدريبات المكثفة ، وتعليم الكرّ والفرّ ، وأساليب حرب العصابات في الضرب في عمق الحدث والتخفي بسرعة والانسحاب ، حتى أضحت سراياه مرادفة للموت والقنص لكل من يخرج عن طاعتهم ، واستمر التنظيم في ضرب أهداف مخطط لها بدقة عالية ، ولكن ظهور تنظيم الهجرة والتكفير أقض مضاجعهم ، في الغرب الذي ملأ الأرض رعبا وتقتيلا ، وهو أكثر التنظيمات دموية ، إذ لا يفرّق بين الصغير والكبير ، حتى النباتات والأشجار تم حرقها ، وتهديد الفلاحين بحرق محاصيلهم إن لم يحصلوا منهم على الإعانة اللازمة ، والتموين دون مقابل ، بل وصل بهم الأمر إلى اختطاف الصبايا وأخذهن كسبايا للحرب الضروس التي تدور رحاها في الغرب ، ولجأوا إلى حيلة جديدة هي تلغيم المسالك المؤدية إلى معاقلهم المنتشرة بالغرب ، ولحق بهم كل من كانت نيته الانتقام ، من المجرمين والمبحوث عنهم ، وأصبحوا أمراء الموت يبيعون الردى والحزن ، والبكاء ، وكثرة الثكالى ،واليتامى ، لقد عاثوا في الأرض فسادا ، وجاءوا على أخضره واليابس منه، ولابد من سرية لإيقافهم ، فوقع الاتفاق بين أمراء التنظيمات على تدعيم أربع سرايا للمهندس ليزحف بها إلى جهة الغرب ويقتلع جذور الهجرة والتكفير ، وحصل علي على مجموعة من الأسلحة المتطورة بالمناظير والرؤية الليلية ، لم تكن تستخدم عند التنظيم فقد حصلوا عليها مؤخرا من دول الساحل ومن بارونات الأسلحة مقابل أموال ، والسماح لبروناتهم من التهريب في عمق الصحراء ورعايتهم مقابل الحصول على نسبة معينة من أرباحهم ، وتم اختيار نخبة من المجندين ومن أفضلهم في مجموعة من السرايا لكل واحدة مهمة خاصة لا يمكن تعديها إلا بموافقة أميرها علي الذي يقودها نحو الغرب ، لاجتثاث فلول الجماعة الضالة ودحرها في عقر دارها حتى لا تنتشر ، وبعد أسبوعين من المسير في الأحراش والغابات ليلا وصلوا إلى مشارف المنطقة فعرفوا أن المسالك إليها ملغمة ، وكل من يخطئ يدفع الثمن غاليا ، فكان عليهم التريث والتربص مع أخذ الحيطة والحذر ، وبعد يومين استطاعت سرية الهجرة التابعة للأمير علي _أو كما يحلو للبعض مناداته بالمهندس_ ، القبض على أحد عناصر التموين للتنظيم المعادي ، استنطقوه كثيرا وبوسائل قديمة وحديثة ، فدلّهم على بعض الألغام المزروعة في الطريق إلى المعقل ، وتم إبطال البعض وتغيير أماكن البعض منها ، واقتربوا كثير من المكان حيث أصبح المعقل مكشوفا وتم نصب الفخاخ والقنابل والألغام ، وتوزيع أفراد السرايا حول المعقل واستعمال كلمات سرية ، بين المجندين ، وبات أمر المعركة محسوما لكن المهندس فضّل التريث إلى الليل لاستعمال المناظير الليلية ومباغتة أفراد المعقل نياما ، ولما حانت ساعة المعركة كان لعلي النصيب الأوفر في الصيد ، حيث استعمل البندقية القناصة الليلية مع كاتم للصوت ، وموجّه لليزر من اصطياد الحراس فتراهم يسقطون واحدا تلو الآخر ، ودون حراك ثم أمر أمير أحد السرايا المكلفة بالالتحام من قنص البقية النائمة تحت ظلال القمر لأن الوقت كان صيفا ، وفعلا ما كادت الشمس ترسل خيوطها الأولى حتى لم يبق من المعقل إلا بعض الإفراد المحتمين في الكهوف والغيران ، وعند خروجهم صباحا اكتشفوا ما فعله بهم علي وسراياه ، فقد قضوا على النصف تقريبا ذبحا وقنصا ، ولم يكتشفوا ذلك ، عندها نادوا وعووا مثل الذئاب واحتدم صراع الجبابرة في قمم الجبال وعوت الأسلحة ونبحت أخرى ثقيلة فكان يوما أغرا بالنسبة لعلي وجماعته الذين صمدوا ، وأثبتوا لأميرهم أنهم النخبة المختارة ، والتي يعول عليها كثيرا في مثل هذه المهمات ، رغم قلة عددهم إلا أنهم قلبوا موازين المعركة لصالحهم ، فقد كانوا في موقع حصين ، واختاروها جيدا بعد فحصها ، ودراسة احتمالات الهروب والانسحاب ، ولم يستطيعوا حسبان الزمن حتى داهمهم الليل في أماكنهم ، واستعملوا ما بقي عندهم من زاد للعشاء مع المرابطة في المكان وعدم مغادرته وتكلفت فرقة أخرى بتضميد الجرحى ، وتقديم الإسعافات ، رغم بعض الخسائر البشرية ، ولكنهم مازالوا يسيطرون على المكان وسفوح الجبال المحيطة بالمعقل ، وأثناء الليل استعملوا المناظير الليلية للمرة الثانية ، ورأوا ما بقي من التنظيم يحاول الخروج من المغارات والتسلل للهروب ، لكن بنادق القناصة كانت تترصد تحركاتهم بكل دقة متناهية ، ويرْدونهم في جنح الظلام وهم يتعثّرون في جثث قتلاهم ، يزحفون مرة ، وأخرى يسارعون الخطى لعلهم ينجون بجلدهم ، ويطلقون ما بقي لديهم من أعيرة نارية في جميع الاتجاهات ، ممّ صعّب المهمة الأخيرة على سرايا المهندس ، إذ أنهم كانوا يحتمون من الطلقات الطائشة هنا وهناك ، فلولا الصخور الكبيرة التي استعملوها كدروع لكانت الضربات موجعة ، واستطاع البعض منهم الإفلات بجلدهم والهروب إلى خارج المعقل ، سالكين دروبهم التي تعارفوا عليها غير ملغمة لكن المهندس قد استبدلها ووضعها في مسالكهم ، فيدوسون عليها فتهتز الأرض من تحتهم ، والأشلاء تتناثر في كل مكان ، وكان يخيل لهم أن المهاجمين يلحقون بهم فيقتلون بالألغام التي زرعوها ، ولكن الأمر قد تجاوزه المهندس بتخطيطه ، واستمر الوضع إلى الصباح ، فأمر علي بوقف إطلاق النار ومداومة الاستراحة لكل اثنين من جنوده أحدهما ينام والآخر يحرسه ويتداولون على ذلك إلى الصباح ، ثم أرسل مجموعة من مجنديه للاستطلاع والتفتيش وآخرون يؤازرونهم ببنادق القناصة يأتون على كل حركة من الجرحى المتراميين هنا وهناك ، تسمع أنينهم وبكاؤهم وتأوهاتهم من بعيد ، يخلصونهم من عذابهم بطلقات نارية متفرقة ، يموت فيها الإحساس والشعور بالحنان والإنسانية فلا مجال عندهم للشفقة والرحمة ، لقد تركوها في المدن ومن حيث جاؤوا. يجمعون ما خف وزنه وغلا ثمنه ، من مؤونة وسلاح ومعدات وثياب ، وكل مرة تحدث مناوشات هنا وهناك لكن القناصة بالمرصاد ، فسرعان ما يسيطرون على الوضع وبأقل التكاليف ، وسار الوضع كما خطط له علي ، لقد تخلّص نهائيا من معقل الإجرام في الغرب وبضربة عالية في الدقة حتى أنّ المجندين أنفسهم لم يصدقوا ما فعلوه يومها من إتباع للتعليمات وتنفيذها بحذافيرها وإحرازهم على نصر عظيم لم يكونوا ليحلموا به أبدا .

أما علي فقد غادر مكانه ونزل إلى حيث المعركة ، وبدأ تفقده وسط حراسة حارسه الأمين الذي زاد إعجابه بانجازات أميره ، وتم إحصاء سبع وعشرين من جنوده الذين سقطوا في المعركة إضافة إلى عدد من الجرحى ن أما من الجهة المقابلة فقد كانت الخسائر مروعة قد يزيد العدد عن الألف حسب الجثث وأشلائها المترامية على الأرض ، أمر جنوده بالاستراحة بعد تأمين مداخل ومخارج المعقل ، وعدم التهاون في الحراسة والفرحة بالنصر فالمعركة لم تنته ، وكان لهم ذلك من استراحة وأكل مم وجدوه في المعقل ومخازنه من مؤونة لم تخطر لهم على بال ، لقد كانت مملوءة بما لذّ وطاب إثر سلب المعقل للفلاحين ما ينتجون من زيت الزيتون والتين المجفف والبلوط ، والزبيب والقمح وسميده وحتى العسل المصفى ، وكثيرا من الأموال بمختلف العملات ، فكانت بحق غنيمة كبيرة وتم جمعها وتفريقها على المجندين لحملها والبعض الآخر لمساعدة الجرحى على السير أو لحمل بعضهم على حمّالات صنعت من أغصان الأشجار وقفلوا راجعين مساء إلى ناحية الشرق في رحلة العودة التي تدوم شهرا أو أكثر نظرا للحمل الثقيل الذي يحملونه ، لقد كانوا يسيرون ليلا ويستريحون نهارا خوفا من العيون ، مع بعض الخسائر حيث فقدوا ثلاثة جرحى آخرين تم دفنهم بين الأحراش دون معالم تذكر ، وواصلوا سيرهم وبعد شهر وأيام وصلوا إلى معقلهم منهكين لكنهم حملوا معهم من الغنائم ما يكفيهم لعام آخر، وعمت الفرحة في المعقل وتعانق الكل وحمدوا الله على نصرهم ، وخصّ الأمير عليا بإشادة وحضن طويل يشكره على انجازاته وطلب من المجندين اللجوء إلى الراحة ، وتحادث مع علي منفردين حول المعركة الشهيرة ، بل بعث برسائل إلى تنظيمات أخرى والأمير الوطني يبشرهم فيها بالقضاء على سرطان التنظيمات المسلحة والذي أساء إلى سمعتها على حسب قوله وعاد الرسل يحملون بشائر الخير من مباركات وتهاني ، وبعد أيام تم بث شريط في القنوات الوطنية عن تناحر للتنظيمات المسلحة وتصفيات حول الزعامة ، وخسائر بالمئات في الأرواح حتى أمست معاقلهم وكرا للضباع وغيرها من الضواري تلتقط الجيف وتتغذى عليها ، كان المنظر مروعا بشعا تقشعر له الأبدان ، وتستفرغ له البطون من هول الكارثة البيئية التي حدثت في المنطقة ، فما كان من المواطنين إلا حرق الغابة المحيطة بالمعقل للتخلص من الضباع والضواري والروائح العفنة التي تنبعث من المكان ، فجاءت النيران على الغابة وسمعوا انفجارات كبيرة ناتجة عن احتراق البارود والرصاص ، والألغام المزرعة في المسالك ، وتنفس القرويون الصعداء وعادوا إلى قراهم بعد أن هجروها لمدة خوفا من التنكيل بهم واختطاف وسبي نسائهم ، ومن هنا كان حريا بعلي الاتصال بقائده وتزويده بالجديد ، فكان الرد من مسؤوله بان التحقيقات الأولية  بيّنت له لمسته في الحرب وأنه عرفها من خلال عدم التنكيل بالجثث ، وحرقهم كما تفعل التنظيمات الأخرى ، وهنأه على انجازه العظيم في تخليص الدولة من تنظيم خرج إلى الوجود حديثا ليزرع الرعب في النفوس وملأ المنطقة تقتيلا وتهجيرا للمواطنين .

حمادي أحمد آل حمزة الجزائر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا