حكايات طائشة… حكايا من تأليف الكاتب صباح خلف العتابي

حكايات طائشة
الحكاية رقم ( ٢٤)
(( حمادي )) رجل بسيط، انجبته دروب الجنوب الفقيرة .. لايفقه في السياسة العرجاء السائدة شيئا ، بل هو عالق في المكان والزمان السيئين... صنفه البعض ب( المخبول) لكونه دائم الابتسام للعابرين في الطرقات ، خاصة عندما يشعر بالبهجة والرضا .. حتى لو سخر البعض منه ، فهو لايردها بمثلها .. يبتسم حتى مع روحه ، اذا لم يجد احدا يقايضه الابتسام او يشاركه في ذلك .. والحقيقة انه يعتقد بان الامورتسير معه على ما يرام طالما ابتعد عن الحقيقة .
وكأن قوة نقية كونية لايمكن تصورها نزلت على سلمية ( حمادي ) وهو يسخرها الان لخلق عوالم جديدة ، واصبح بمنتهى الجدية خاصة تلك الامور التي تهم امة الفقراء .. وقد صرح اليوم :
— عندما افكر في وطني يصبح النوم مستحيلا ..
وبدأ يشعر بأنه والناس من حوله ، بل كل المخلوقات تعيش مباشرة في قاع الدنيا .. ثم تابع قائلا :
— هل يمكنكم تخيلنا ، نحن المخلوقات المذهلة تعيش في ظلام مطلق ، وصمت مطبق ؟؟؟
اصبحت عند ( حمادي ) القناعة بأن الكبير والصغير وبأشكالهم المختلفة ليس لديهم فكرة من ان هناك اشعة شمس ، وضوء ابعد في الاعلى .. وما هم الا كالاسماك الساكنة في عمق المحيط .
وكما ترون ايها السادة انه وبهذه الافكار ، في اقصى مراحل الصحة العقلية ، وليس كما يدعونه ب( المخبول)
تلك القوة التي بداخلهلم يستطع تسكينها وكرد فعل لما يعانيه اصبح الناس لديه صنفان .. احدهما يكذب والاخر يصدق الكذب .. وظل يعلن باعلى الاصوات بأن السياسينهم شياطين تربوا منذ الطفولة على سلب الطفولة ... وهم اليوم يتربعون على السلطة ،
كل هذه الهموم لم تمنع ( حمادي) من الابتسام ، او ان يكلم نفسه .. وهو يستمع الى نعته بالمجنون كلما مر عليهم ، لذا قال لهم يوما
— انا اتحدث مع الذي يستمع الي ويفهم .. ولا اجد غير نفسي حولي
اصبح ( حمادي ) لايطاق .. لانه بكل بساطة لاذع .. وقح.. قاس.. ومجنون جدا كما يصفون .
هذا الجنون المبدع عندهاحرج الكثير من المتثقفين والمتسيسين .. لذا طُرد من عمله اكثر من مرة .. حيى ضاع بالطرقات يفترشها احيانا .. واحيانا يقتات على مايجده فيها .
تطورت الامور اكثر .. وبات مصدر ازعاج لاصحاب العقول والنفوذ ، لانه لم يستطع احد ان يردّ حججه المجنونة تلك ، كما اصبح حديث الناس واعجابهم به يتعاظم ، ولانه يمتلك روحا حية اصفى من عقلائهم والمعالجين لجنونه أُتهم اخيرا بان حمادي قنبلة موقوتة ، ويشكل شرارة تمرد في الناس من نوباته تلك ، والحقيقة انه يقول مالا يتوقعونه .. يقف امامهم رأسا برأس ، واحيانا يبصق على آرائهم الفذة .
خلط (حمادي) عليهم الليل بالنهار ، واصبح هو الوحيد الذي يمسك اليقين ، وقداثبت اكثر. من مرة بأن هؤلاء التماسيح لم يكونوا بكامل قواهم العقلية .. وجعل الناس تضحك عليهم ، بل وتحتقرهم .. اما هو يعيش .. يضحك.. يأكل... ويمرح ، وقد قال احد التماسيح يوما :
—. نحن نهين انفسنا في حقيقة الامر .. عندما نقارن انفسنا به ..
واعترفوا اخيرا بانه عبقري .. وعاقل مئة بالمئة .. وان عليهم الخلاص منه ، وزجهفي غياهب السجون .. وقد نصحه المحبون ، قالوا له :
ايه حمادي .. لقد فعلت ما بوسعك .. وعليك الرحيل الان ..
فرد عليهم مبتسما :
— ايها المحبون الفاشلون .. انتم والحكومة شخصان ، كل منكما لايتيح للاخر بالعيش .. ابقوا حيث انتم .. اما انا فذاهب الى السجن وحدي..

        (( صباح خلف العتابي ))

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا