ديمقراطية… قصة للكاتب علاء طبال

ق.ق
ديمقراطية
ﻬஜﻬﻬஜﻬ من قلب القبطان ﻬஜﻬﻬஜ
ﻬஜﻬﻬஜﻬ علاء طبال ﻬஜﻬﻬஜ
...
منذ زمنٍ سحيق ضمرت ساقيه فقد اعتاد أن يحمله عبيده على محفته الذهبية المرصعة بأنفس الجواهر، المزدانة بعبارة :
"هذا من فضل ربي".
حتى عندما يخرج في حملة إحسانٍ لجمع الإتاوات من عبيده الفقراء لخصيانه الأشد فقراً، و في هذه الحملات كانت عينيه دائماً تتلألأ بدموع الرحمة و هو يرقب أرقاءه الحفاة شبه العراة .
و القراءة أيضاً ميزةٌ من مزاياه و خصاله الحميدة التي لا تعد و لا تحصى، فكان يقرأ قصةٍ عن تقواه و عدله دبجها حكيم حاشيته بعد صلاة مغرب كل يوم، و عليهم أن يفهموها و يستوعبوا معانيها و يتنشقوها مع أعاصير فسائه العطرة أثناء الصلاة و بعدها، و أن يهتفوا له ساجدين :
علمنا الحكمة و فسا، أعزه الله .
ذات مساءٍ، و بعد أن عادت محظياته إلى خدورهن و ذبلت قثاءته التي عالجها طويلاً، و دفع نصف ريع أراضي ممالكيه لمشافي البلاد الأجنبية حتى امتدت و تضخمت كما يجب، ليقوم بمهامه الجنسية مفتخراً مرفوع الرأس أمام محظياته - قضية الرفع على جانبٍ كبيرٍ من الأهمية لديه، فكان يحرص أيضاً على رفع معارضيه على حبال المشانق - قدم الحكيم المدبج إليه، و بعد ترحيبٍ و استقبالٍ و ضيافةٍ تليق بمقامه، قرأ الحكيم له من كتابٍ أحضره معه عن الديمقراطية فانتفخت أوداجه سروراً، و طرب لذكر ذلك الرجل العادل و مآثره، و كاد أن ينزل عن أريكته الوثيرة .
حدق في الحكيم و قال مبهوراً :
- ما اسم ذلك الرجل العادل ؟.
- اسمه ليس مهماً، المهم أفعاله .
لزم الحاكم مكتبة قصره التي لم يسبق له أن دخلها ليالٍ عديدة، معتكفاً على القراءة عن الديمقراطية، و في أحد الأيام قاطع اجتماع وزرائه راكلاً باب الغرفة الواسعة ذات الجدر المرتفعة، كان يوزع نظراته الزائغة عليهم، ثم قال لهم لاهثاً بعد لحظاتٍ من الصمت المطبِق :
- من الآن فصاعداً سنتبع في سياستنا الديمقراطية .
لم يفهموا ما قال، لكنهم كانوا متيقنين من ضرورة إبداء السعادة و الفهم .
هرش أحدهم عجزه حتى كاد أن يثقب ثوبه، و قال باستيحاءٍ للحاكم بعد مرور بضع دقائق :
- ما هي الديمقراطية ؟.
رمى الحاكم الشمعدان القريب منه على صلعته، و صاح بهم :
- إلى المكتبة .
بعد مرور أربعة أيام، ركب سعاة الحاكم جيادهم المطهمة، و أعلنوا على الملأ أن الحاكم - حفظه الله و رعاه - استحدث مشروعاً سياسياً أسماه : "الديمقراطية" ينص على أنه يجب عليهم التشكي له بإرسال خطاباتٍ تنص على مشاكلهم بشكلٍ سافرٍ و صريح، دون مواراةٍ أو خجل .
تصرم اليوم الأول دون أن يشتكي أحدٌ مخافاة العقاب و غضب الحاكم، و مضت خمسة أيامٍ على نفس المنوال، انتظر الحاكم طويلاً أن تأتيه رسالةٌ من أحد العبيد و تخيل كم سيستمتع بحل ما ينغص عيشه، ثم غضب بشدةٍ عندما لم ترده أية رسالة، فأمر أن ترسل له الرسائل و إلا سيجعل البلد عاليها سافلها .
سمع العسفاء عن غضبه و وعيده فاشتد رعبهم، إلا أنه وصلت إليه قصاصةٌ كُتبت بخطٍ رديءٍ و على عجالةٍ في ليلة اليوم نفسه، ففضها بفضولٍ و غبطةٍ مرتعشاً .
صمت الحاكم طويلاً بعد قرائتها، ثم أزبد و أرعد معلناً أن الديمقراطية قد علقت إلى الأبد .
ارتكب من الفظائع و المجازر ما شاء له هواه، و في غمرة البطش الذي أحاق بالبلد، بحث الحكيم و الوزراء عن حلٍ لهذه الأزمة التي تعصف بهم، و بعد أخذٍ و رد و جدلٍ طويل، قرر الحكيم التسلل إلى مخدع الحاكم ليقرأ القصاصة التي أشعلت هذا الشر المستطير .
نجح الحكيم في مهمته، سقطت القصاصة من يده بعد أن قرأها، و أسقط دمعةً حرى بللت منتصف القصاصة التي جاء فيها :
"نحن نحمل العراق، و أنت تسرقها و تسرقنا".
- تمت -

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا