شتاءات حزينه… قصة للكاتبة ذكريات علي برازي

قصة قصيرة
شتاءآت حزينه

الشتاءات دائما تحمل في ثنايا ايامها لقاءات الحب وقصصه الجديدة وقد تحمل ايضاً من خلال دموع السماء دموع لفراق الأحبة،، كانت منى تنتنظر الحافلة تحت المظلة لتذهب الى جامعتها ،،ابرقت السماء وارعدت ثم نزل نهر من دموع رقراقه تطهر الارض من ذنوبها ومن عذاباتها،، انكمشت منى على نفسها تضم بذراعيها وتحتضن كتبها وتشدها على صدرها، مرتجفة، تبهرها خطوط المطر البراقة بماء عذب يسقي الأرض بعد ظمأها،، تلفتت فلم تجد احد في الطرقات غاب الكل واختبأوا في أماكنهم، والحافلة تأخرت، كانت مترددة لتعود للبيت أم تنتظر الحافلة لتذهب للجامعة،فعندها اليوم امتحان فلا تدري ،ماذا تفعل؟.
فجاة وقفت سيارة فارهة سوداء، انزل السائق
زجاج نافذته ،حياها مبتسماً ،قائلاً صباح الخير أميرتي،هل انتي منى ابنة الجارة ام عمر.؟
صباح النور اجابته وكيف عرفتني ؟ من انت؟
انا جلال ابن ام جلال المرواني كنا نسكن بالقرب منكم ذلك البيت الذي يقابل بابه بابكم!
أه انت ابن العمة زكيه ؟
نعم كيف حالها منذ زمن لم نسمع عنكم؟
اتريدين ان تبقي في هذا الجو العاصف تحت هذه المظلة؟ لا تخافي اركبي معي وسأوصلك الى حيث تريدين.
ترددت ..ولكن ،لا تخافي منى نحن اقارب واصدقاء ،ساوصلك بأمان،اين تريدين الذهاب؟
ركبت معه منى ،، اريد الوصول الى الكليه باقرب وقت لدي امتحان وضروري ان اكون هناك قبل الثامنه والنصف،
لا تخافي دقائق وتكونين في قاعة الكليه،،
ابتسم لها مطمئناً،،
نظرت اليه بحياء وخفظت رأسها خجلاً يورد وجنتيها ويزيدها جمالاً وبهاء
نظر اليها طويلا متذكرا ايام طفولتها كم كان يحملها ويلاعبها ،كان يحس انه من واجبه ان يرعاها خصوصا بعد ان تتركها امها في عهدة والدته عندما كانت تذهب لعملها وتأخذها عصرا
كان يستلم رعايتها بعد رجوعه من المدرسه كانت في نظره أجمل طفلة رأها،،عادت اليه الذكريات الحبيبه، والجميلة،
سألها انتي لا تذكريني ،؟ لقد كنت الاعبك واهتم بك وانتي صغيرة،الا تذكريني.
نعم اذكر ان ابن الجيران جلال كان يرعاني ويهتم بي ولا يجعل احد من الصبيان او البنات في الحارة يزعجني او يبكيني ،، ولكن شكلك تغير وزدت طولا وملامح وجهك تغيرت،
آه طبعا لقد كبرت انا في الثلاثين وانتي مازلت صغيرة، اكيد انت سنه اولى في الجامعة ماذا تدرسين ،؟ما تخصصك   ؟
ادرس هندسة حاسوب وانا اعشق هذا التخصص،
وانت ماذا  درست وما تفعل الآن،
انا درست حقوق وتدربت عند عمي ابوسليمان والآن اصبح لي مكتب محاماه معروف ولي وكلاء مهمون ووضعي والحمدلله جيد بل أكثر من ممتاز، بدأ الحديث ولم ينتهي ثرثروا حتى وصلوا للجامعة، ومن يومها اصبح جلال لايفترق عن منى يوصلها صباحا ومساءا، وتجددت مشاعره  التي كانت تشعره انه مسؤول عنهامنذ الصغر انه موكل في حماية،، منى الصغرى بنت العمة فاطمه قريبة والدته

مضت سنة ،، وهما كطائرا الحب يغردان اعذب الحان الحب والوفا،،
كانت العمة زكيه ،،في كل حين تعرض عليه الزواج من بنات الذوات اللواتي يقطن في حيها الراقي، لقد تغيرت كثير من الأمور ،بعد ان ورث زوجها أموالا طائله ،فرحلوا من ذلك الحي  الشعبي الى حي ارقى  يليق بمقامهم الجديد واستثمر ابو جلال امواله في مشاريع اكسبته الكثير من الأرباح حتى وصل وضعهم المالي والأجتماعي فوق الريح ،مما جعلهم يتناسون الفقر والحي القديم بمافيه من اقارب وجيران واصدقاء
ولكن جلال عادت إليه كل تلك الأيام بمجرد ان رأى منى تلك الطفلة الناعمه الجميلة وضحكتها 
الساحرة التي لا تنسى،
اخبر امه بكل تلك التفاصيل ونيته الزواج من منى ،فهي بالأول والاخير قريبتها،،
جن جنونها كيف يفكر بتلك الفقيرة البائسه ،وهي تريد تزويجه من بنت الأصول والحسب والنسب والمال الوفير ليزيد مالا وجاها، وهو وحيدها يريد ان يعود لذلك الماضي البائس حسب رؤيتها
بقيت معه في سجال اشهر حتى اضنته تعبا وحيرة ،،
وارضى امه التي رضاها من رضا السماء،واعتصر قلبه في طي النسيان لعله ينسى
منى تلك الفتاة التي كتب عليها الشقاء بحبها وقلبها النقي،فرحت العمه فاطمه بالخبر ياللا السعد والهناء أن يكون زوج ابنتها جلال فهي تعرفه ذاك الشاب الصغير الشهم ذو الأخلاق الحسنه ففي ملامح وجهه الصغير كانت هيبة الرجوله تتوِجَه وتضيء محياه اعتماداً و ثقة
وأمه تلك العمة الحبيبه لطالما اغرقتها حنانا وطيبة ،اشرقت الدنيا بوجهها فرحا واملاً،،
منى كانت ترفل بأثواب السعادة والأمل وبفرح غد مشرق ماذا تريد من هذه الحياة سوى ذاك الوطن الآمن الذي يسمى مجازاً جلال،،
اوعدك في عيد لاقائنا الأول أن اشتري لك خاتم الخطبة وفي المساء تكون والدتي والمأذون  بمباركة الوالد في بيتكم ليتم لنا السعد والهناء.
انتظرت منى ان يمر بها وهي تحت تلك المظلة
تمر بها الحافلات ولا تصعد  اليها،،
غربت الشمس ولم يمر بها خفقات قلبها والنسيم الذي تتنفسه، ،لم يمر بها ذاك الصباح ،،،،مرت شتاءات عديدة ولا زالت في مثل ذاك اليوم تنتظر وتنتظر ، والسماء تهطل بأمطارها وعلى خذها امطار العيون الذابلة،، تتكاثفان في المكان لعل الطهر يعود يوما،،
عند صوت اذان المغرب ،صعدت الى الحافلة،
وعلى صوت المذياع صوت فيروز تبوح في اول (شتي حبو بعضن وخلصت القصة في تاني شتي تركوا بعضن ،،،تردد حبوا بعضن تركوا بعضن)
شعرت كأن الكون يتآمر عليها واسترسلت الدموع تنهمر على زجاج النافذة ،فاغرقت الوجود في صمت البكاء الذي يحفر أخاديد في وجه المساء
ومنى غابت في ظلم المكان،،شتاءآت حزينه تتكرر في دوامه تعتصر القلوب الغضة البريئة ويستمر غدر الزمان،،،هكذا هي الشتاءات،،

بقلمي ذكريات علي برازي 🌹

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا