فرحة لم تكتمل… قصة للاديب ابراهيم مقدير

قصة قصيرة
""""""""""""
فرحة لم تكتمل
""""""""""""
انتصف الليل ولم يغمض لها جفن ..ولم يطب لها نوم ولا حلم ..فبارحت مضجعها حيث تراقص نور البدر ليلتها على محيا آخر العنقود من أبنائها ..تأملته مليا وجلست على سجاد لها على بعد خطوات ...جرعات ماء متعاقبة اشتفتها في قلق واضطراب ..ثم راحت تسترجع ذكريات قديمة عصية كأنما تسحبها من بئر عميقة غائرة ...
كانت صبية يافعة مفعمة غنجا ودلالا وزادتها حياة البادية نضارة وبهاء ..حيث
الطبيعة على سجيتها ونقاوة مائها وهوائها ..فرأت في محيا وليدها الموشح بذاك الضوء البهي أيام صباها ..والذي لم يعمر طويلا حتى زفت إلى ذلك الرجل الفظ الجلف ..الذي لم يكن  يدرك تعابير السطر ولا مغزى الحرف .
أخذت تحاور نفسها وهي تمسك أصابع قدميها بيد ...وتداعب خصلات شعر غزاه شيب عند الناصية ..
_ ترى ماذا  كانت تزن تلك الشمطاء على مسمع رب البيت عشيتها ؟
ما الذي خططت له تلك الدخيلة التي ما إن هلت باليت ضرة حتى بدأ زوجها يهملها ، ولا يكترث لرأيها مطلقا ؟ .
أسئلة كثيرة بدت إجاباتها مبهمة غامضة تشوبها غصة في الحلق ..وأسى كبير تجرعته تلك الليلة بمرارة .
مر طيف الذكريات ليلتها  كئيبا موحشا أيام بادية متعبة شاقة ..حيث أفنت طراوتها وجمالها وكلَّ متنُها في خدمته وجميع أسرته ...ثم أنجبت له الولد وكانت له الدعم والسند ..
لكنه ما إن تمدن وجرت الأموال في جيوبه،  ورغد عيشه حتى أدخل عليها زوجة  أرقت مضجعها وشتت فكرها أن أصبحت الآمرة الناهية ..
ومما زاد من همها وطرد عنها منامها،  ما رأته في عينيها وتجلى لها ذاك الازدراء والتهميش عشية كان الابن الأكبر يحدث والده في أمر فتاة بالجوار. وطلب منه أن يقابل والديها لخطبتها .
ثمة أدركت المسكينة أنها أصبحت ظلا ساكنا وأن رأيها أضحى مهمشا ...وأن الدخيلة زوجة الأب صارت صاحبة الحل والربط ..
ورغم جهود البكر لإشراكها في مشروعه إلا أن عجرفة والده وجبروته بإيعاز من تلك المتسلطة حال دون ذلك فاستسلم واستكان ..
أفاقت من غفوتها القصيرة على صوت جلاد البيت وقاضيته وهما يتشاجران بل يتحاوران على موعد زيارة أهل الفتاة المرغوبة التي وقعت في قلب الشاب وحجزت فيه موضعا ..
انتابها قلق مفاجئ وذعر خالج فرحتها بابنها ،وقد أيقنت صبيحتها أنها خارج اللعبة ونائية عن الحبكة ..
لكن أمومتها وفطرتها حتما عليها التظاهر بالغبطة والسعادة ..
وهي تتابع حركات الجميع واستعدادهم لتلك الخطوة الهامة وقد تزينت كل أنثى بالبيت سواها ..إذ لم يكن بمقدور الفتاتين مجادلة الوالد ولا حتى رفض تلك الزيارة بالمطلق ..
كانت نظرات جل أفراد الأسرة توحي بخطب ما ..ولم تكن الفرحة لتغمر البيت في كل أرجائه .
لاحظ الصبي ابن العاشرة وجوم أمه فارتمى بين ذراعيها كأني به يواسيها في تهميشها ..
وجاء موعد الزيارة فحُملت بعض الهدايا بين أذرع النسوة ، وتقدم الشاب في بزة أنيقة لائقة كأنه أمير إلى سيارة فارهة مركونة قبالة المسكن .
كانت الأم قد حبست دموعها في مقلتيها،  وآثرت ألا تعكر مزاج بكرها في أول مشاويره ..وراحت تتقدم تارة وتتقهقر طورا .
وهي تمني النفس أن يدعوها ذاك المتغطرس للركوب ظلت متسمرة عند عتبة غرفتها ..لكن هيهات فقد باءت أمانيها بالفشل .
وما إن نطق الشاب وترجى والده بأن تصحبه أمه ..حتى ثارت ثائرته واستشاط غيظا،  بل هدد بالرفض كلية ، تؤزه في ذلك زوجته الثانية ..إذ أخذت تختلق الأعذار وتسرد الأسباب .
فما كان على الشاب سوى قيادة السيارة إلى حيث وجهته ..
أغلق الباب على المغلوبة المخذولة،  فراحت تنتحب وتبكي بؤسها وشقاوتها وأحست بإهانة عظيمة جثمت على صدرها وسوادا عم البيت حينها وغشاوة أسدلت جفنها ..
أوصدت عليها باب غرفتها في أنين وألم دفين ..وأعادت تذكر  ما جرى فدب اليأس والقنوط في شغاف قلبها ..
تعود الأسرة في فرحة يشوبها وجل .ومنهم من تجرأ وحدث الوالد بخطئه ولكن ما نفع الحذر من وقوع القدر ..
صرخة صبية أفزعت الجميع :
أمي ..أمي ...
أطل الجمع من بوابة الغرفة فوجد تلك الأم اليائسة  قد وضعت حدا لحياتها البائسة .
# إبراهيم _ مقدير / الجزائر

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا