استعمال المفردات العامية في الشعر الحر… مقالة للاديب ماجد كاظم علي

استعمال المفردات العامية في لغة الشعر الحر عند الشعراء الرواد

ماجد كاظم علي

ان الحركة الشعرية العراقية عموما رغم بداياتها العاطفية ثم الرمزية بالنسبة للقصيدة الحرة—لكنها ماجانبت في معظمها يوما حق الشعب والتاكيد على القيم والمبادئ الاخلاقية ومحاربة العادات والتقاليد البالية والوقوف ضد الظلم والتسلط والاضطهاد رغم وجود البعض من الهوامش من الشعراء الذين باعوا ضمائرهم وقيمهم واخلاقهم من اجل مال او جاه-

ان لغة الشعر قد وقفت في الاربعينات من القرن العشرين الموقف العاطفي الخاص بها وهو موقف اجتماعي في رأيي كان يقف مع الحق والعدالة والمساواة والوفاء والاخلاص والجمال-

اذن نستطيع ان نقول انه موقف اخلاقي ملتزم ورغم ان الدكتور احسان عباس يقول/

(ان الشعر العربي قد اخذ لغته تتقلب على مهاد الاحلام وتسبح في العطور)(1)

لقد امتلأت لغة الشعر بالاربعينات بنماذج عديدة من قصائد الشعراء وكانت الفاظ الحب والعشق وما يتفجر من هذه الالفاظ من عواطف كالفرح والبكاء والاسى والحزن تملأ الساحة والسبب ان الشعر كان يجد في المراة الطبيعية الام والحضن الرؤوم الذي يحمل كل عذاباته وشكواه ووضعه—فلو كانت المراة انيسة محبة وفيه مقدرة له لاصبح كل شئ في الحياة يمتاز بتلك الالفاظ والاوصاف الندية الوارفة الظلال-

اين امشي مللت الدروب

وسئمت المروج

والعدو الخفي اللجوج

لم يزل يقتفي خطواتي---فأين الهروب؟

صامد كصمود الزمن

ساعة الانتظار

كلما امعنت في االفرار

خطواتي تخطى القنن

واتاني بما حطمته جهود النهار(2)

وقد ترددت نتيجة النزهة الرومانسية الكثير من المفردات في لغة الشعراء ومنها/

(النجوم-القمر-المساء- النهر الحزين-النجم الوضاء- الزوارق- النخيل-الورود- الغروب-الاصيل- السحر-الغمام-السكون-الحالم-الافق الملبد) وغيرها من الالفاظ التي اعطت الشعر لغة جديدة ومسحة متقدمة عما نراه في القصيدة العمودية في الثلاثينات وغيرها من العقود السابقة-

ان لغة الشعر رغم رومانسيتها المعهودة ولكنها ماتخلت في بعض نتاجات شعراء القصيدة الحرة عن القصيدة المقاتلة او المقاومة او الوطنية

انا هنا اموت من سنين

ازحف من سنين

خيطا من الدماء بين الجرح والسكين(3)

ان الشاعر بدأ يستخدم في لغته لغة الشارع او لغة الحياة اليومية وبدأت الكثير من القصائد نتيجة مساحة التجديد التي منحها الشاعر لنفسه بعد الحرب العالمية الثانية وقيام نظام جديد على اعقاب الموت والدمار والقتل والتعذيب الذي غاصت بها البشرية حتى الاعناق-

ان لغة الشعر اليومية الجديدة ارتفع بها الكثير بها الشعراء فيما هبط بها عدد اخر منهم ورغم هدف القصيدة وموقفها من الحياة

كان يجلس في مشرب هو والكلب

والشمس تلمع في الكأس

في عيني الكلب

في مفرق الرجل المتعدي الثلاثين—كان الثلاثة

الرجل الثلاثين والكلب والكأس

لايبصرون الغصون الاخيرة

هاهو الباص يأتي

ويتركهم في الجزيرة(4)

اما في النص التالي فان لغة الحياة اليومية تنزل بالنص الى الحضيض لعدم اجادة الشاعر توظيف المفردات العامية في قصيدته

وابو جبار من عام بحي الشاكرية

دائخ الصدغين –صامت

وصراخ الناس سياراتها الكثر الطرية

مسبحات خرزة في اثر خرزة

لبنات مثل شكوات الحليب

وهو يدري ان تسواهن تبيع الروبة الزينية في سوق المدينة

كانت ام جبير—اخ—تكرمون

زوجة مستورة حسني بهية

حسها لايطلع

منذ اسبوع بعاشوراء جبار كريم

يغبش الصبح على الريق

وفر سرواله الخاكي اكله

انه صانع فيترجي صغير(5)

ومهما كانت قيمة المفردات الشعبية التي استعملها لكنها كما ذكرت اساءت للقصيدة واساءت للشعر والشاعر-

ان الكثير من الشعراء وجدوا انفسهم بعد اعوام من القتل والتدمير وعذابات الناس في الحرب العالمية الثانية وبعد الاحداث الجسام التي مر بها العالم في حرية تامة ليكتبوا مايريدون ورغم التزام بلند الحيدري وقدرته الشعرية الكبيرة التي نعرفها عنه لكنه ايضا استعمل لغة الحياة اليومية التي لم يوفق بها فنزلت بقصيدته ولم ترتفع بها—فهو يستعمل مفردة عامية عدة استعمالات لم تعط المطلوب الذي اراده منها/

ورأى فجره فداس عليه(6)

او

ايها الانسان يامن دستني(7)

بدلي لي النور بالظلام

ودوسي

تحت رجليك عمرك المكدودا(8)

ان هذه الاستعمالات رغم قدسية استعمالها وهدف الشاعر الشريف منها لكنها لايمكن ان تقدم نموذجا شعريا جيدا لشاعر كبير مثل بلند الحيدري-

ان لغة الحياة اليومية التي استفاضت عند العديد من الشعراء هبطت بقصائدهم ومنهم(شاذل طاقة وعبد الرزاق عبد الواحد وحسين مردان وغيرهم) ورغم شاعرية عبد الرزاق عبد الواحد في استعمال المفردة العامية في السنوات الاخيرة ولكن سقوطه الاخلاقي المريع الذي لم نكن ننتظره من شاعر كبير مثل عبد الرزاق الذي قال عنه الشاعر الخالد الجواهري وان كان لابد للشعر من خليفة فأن خليفتي عبد الرزاق عبد الواحد-

هذه الشهادة لم يحفظها عبد الرزاق مع الاسف واسقطها بالوحل عندما وقف ضد قيم الشعب العراقي ضد فقرائة ومناضلية وباع قيمه واخلاقه من اجل عز زائل ومال دنس في خدمة الطاغية الارعن صدام حسين—لنستمع الى اخر صيحات الشاعر

وانت في فنوفك الانيق

طابوحة ترش في وجوهنا البريق

وتغرك الصغير

علية حلقوم على شفاهنا تذوب

ومن ترانيم العيون السود والدموع

سالوفة ليس لها مثيل

لاح له الجمار فوق كتفك الخليع

فكل مافيك من الورود

ومن نزاكة الحديث

وانت في نفنوفك الانيق

يراعة ترش في وجوهنا البريق(9)

ان هذا الاسفاف في الشعر وكما نراه عند الكثير من الشعراء وخاصة ماانتج فاضل العزاوي في قصائده الساذجة المشهورة التي رددها جمهرة الشعراء والقراء على حد سواء بسخرية تامة—لما فيها من الغرابة والالفاظ والتراكيب السمجة التي لارابط بينها وبين مجمل القصيدة وجمالية الشعر والتي جمع فيها الفاظ من هنا وهناك ووصفها تحت عنوان(قصيدة) وما هي بقصيدة لايمكن ان يعطى لها جواز العبور الى الجانب الاخر من الشعر او الجانب المضئ في الحياة-

ان استعمالات نفنوف ونزاكة وجمار والكثير مما ورد في قصيدة حسين مردان السابقة هو استعمال سئ رغم ان البعض قد طبلوا له كثيرا واشادوا بقصائده النفنوفية—رغم ان حسينا كان شاعرا جيدا ومعبر عما يدور بنفسه بصدق-

ورغم الكثير مماقيل عن البياتي من الشعراء الاخرين وخاصة كاظم جواد وبدر شاكر السياب حينما دفعا من البعث المجرم ليتصديا له بخسه ولكن البياتي اجده على العكس من كل الشعراء قد ارتفع بلغة الشعر اليومية في قصائده ورغم انه لم يستعمل اللغة العامية العراقية المحلية وانما اللغة العامية(الفصيحة) المفهومة والتي هي وسط بين العامية والفصحى ففي قصيدته المشهورة (فيت مين)

لامجد تحت الشمس

الا مجد ابناء الحياة

والخبز والحرية الحمراء والغد والمصير

الموت للمستعمرين

ياانت يالاؤوس ياغاب العبير

في قلب ماردنا

الموت للمستعمرين(10)

--------------------

---------------------

ولك النصر

وللفاشست الموت الزؤام

يايسقط المستعمرون

ومنظمات دفاعهم يا يسقطون

يا يسقط الاوغاد اعداء الحياة

السارقون ربيعنا يا يسقطون(11)

ان اختيارات الشاعر يمكن ان تكون ذات تدفق واسترسال يخدم الشاعر ولكنها في احيان اخرى تضر الشاعر اذا اساء استخدام هذه المفردات وفي هذه القصيدةنرى بيان ذلك –من اللغة المتداولة والالفاظ التي لم تستطع ان تطير بالقصيدة بجناحين نحو ضوء الشمس فهبطت بها الى حفرة رطبة طمرتها الرمال0

اتبين ظلا في قدح مملوء حتى النصف

اتشرب سيدتي

(شكرا لي امكث غير دقائق)

معذرة اني اتذكر وجهك

لكن اين رايتك قبل اليوم

((اتعرفني))(12)

ان البحث يمكن ان يتسع ولكني ارتأيت ان اختصره بهذا الحجم لان هنالك الكثير مما يقال في هذا المجال-

****************

المصادر

1/لغة الشعر الحديث/د احسان عباس/دار الاداب/1972/ص16

2/قرارة الموجة/نازك الملائكة/ج2/ص75 وما بعدها

3/حوار عبر الابعاد/بلند الحيدري/ص9

4/تحت جدارية فائق حسن/ص96

5/مجلة المثقف/صلاح نيازي/ايلول/1962/ص59

6/اغاني المدينة الميته/بلند الحيدري/ص16

7/خفقة الطين/بلند الحيدري/ص100

8/خفقة الطين/المصدر اعلاه/ص108

9/طراز خاص/حسين مردان/ص11/20

10/اباريق مهشمة/مجموعة البياتي/ج1/ص179

11/المصدر اعلاه/اباريق مهشمة/ص344

12/عبر الحائط في المراة/دار الحرية للطباعة/بغداد/العراق/1977/ص11

************************

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

من بين الامي..علي اسماعيل الزراعي

خذني اليك... علي اسماعيل الزراعي