غباء معلم… قصة بقلم الشريف ماهر الطوخي

قصة قصيرة بعنوان : غباء معلم
بقلم الشريف الدكتور / ماهر الطوخى

هذه القصة حدثت بالفعل على أرض الواقع ، وقد أردت من خلال نشرها إلقاء الضوء على قضية تربوية فى غاية الخطورة تتعلق باستعمال العنف والضرب مع أبنائنا التلاميذ الصغار حيث تكون نتائجه وخيمة عليهم فيكرهون المدرسة والمدرسين والمنهج الدراسى .
   قصتنا حدثت فى إحدى المدارس الابتدائية بإحدى دول الخليج العربى ، وما دفعنى لكتابتها انها تحدث باستمرار حيث يتنمر المدرس بالتلميذ ويتعامل معه بعنف ، وهذا الأمر لا ينطبق على جميع المدرسين حيث أننى أعرف أن الغالبية منهم يتعاملون مع الأبناء من باب الأبوة بل إن بعضهم يشترى الهدايا على حسابه الخاص لتلاميذه ومنحهم الشهادات التقديرية لحفزهم على الدراسة والتفوق .
   ولكن هناك قلة يتعاملون مع التلاميذ بغباء شديد غير مبالين بنتائج تعاملهم العنيف هذا . وقصتنا هى واحدة من القصص التى تتعلق بهذا الغباء والعنف فى التعامل .
    حضر رئيس تعليم إحدى المراحل التعليمية ومعه أبنه الطفل الذى لا يتعدى السادسة من عمره إلى المدرسة صباحا فى اول يوم دراسة فى السنة الدراسية وطبطب على أبنه الصغير وقبله مطمئنا له وسلمه لأحد مشرفى المدرسة وذهب لعمله بالوزارة ، وكانت المدرسة قد أعدت حفل استقبال لهؤلاء الأبناء الصغار مع توزيع الهدايا عليهم وهو إجراء طيب  ، وبعد توزيع الهدايا عليهم وظهور الفرحة على وجوههم اللهم إلا من بعض الأبناء الذين يبكون بسبب انتقالهم إلى البيئة المدرسية الجديدة عليهم حيث تم اصطحاب الأبناء وادخالهم إلى صفوفهم الدراسية الجديدة ، فنجد منهم الخائف الذى يجلس فى مكانه متهيب من أى شئ ومنهم من يبكى ومنهم الطفل الشقى كثير الحركات الذى لا يلتزم فهو يجرى هنا وهناك غير مكترث وغير مدرك لأى شئ .
   دخل المعلم الصف ومن المفروض أن يبدأ اول حصة مع هؤلاء الأطفال بالتعرف عليهم طفلا طفلا ويطمئنهم ويمسح على أكتافهم ، إلا أنه وجد طفلا غير مكترث لوجوده يلهو ويلعب ويجرى ويمرح هنا وهناك ، فما كان من المعلم إلا أن جذب الطفل بعنف شديد وضربه بكف يده على وجهه ضربة أسقطت الطفل أرضا بل جعلته يفقد وعيه لفترة بسيطة ( وهذا طبيعى فكف يد هذا المعلم تزن ٢ كجم ) .
    كيف تصرف هذا المعلم على هذا النحو ؟
لا أسمى ذلك إلا ( غباء معلم ) .
وصل الخبر إلى إدارة المدرسة حيث بدأ المدير والوكيل والمشرفين فى حالة ركض نحو الصف ( فهذا الطفل أبن رئيس المرحلة ) حيث أخذوا الطفل وغسلوا له وجهه وهو فى حالة بكاء هستيرية . حاول الجميع بكافة الطرق تهدئة الطفل وقدموا له الحلويات وبعض الألعاب دون جدوى .
   اضطر المدير للاتصال بوالده بالوزارة والذى جاء بسيارته على وجه السرعة حيث أخذ أبنه فى حضنه وخرج من المدرسة مسرعا دون التعقيب لأى كلمة ، فكل ما يريده الآن هو تهدئة طفله والخروج به من هذا المكان الذى يمثل له مكان غير محبب .
  فى اليوم التالى لم يحضر الطفل للمدرسة ، وفى اليوم الثالث جاء والد الطفل ومعه بعض الألعاب الغالية فى سيارته وأعطاها لأحد مسؤولى الإدارة المدرسية حتى يقدموهم لأبنه تحفيزا له وجذبا له ليحب المدرسة بحيث ينسى الموقف السلبى الذى حدث معه ، ولكن هيهات فقد حاول الأب والمدير والأخصائى الاجتماعى إقناع الطفل بدخول المدرسة دون جدوى . أشار الجميع على الأب بأن يأخذ أبنه الطفل إلى المنزل لعدة أيام حتى ينسى الموقف الذى حدث معه . وفعلا عاد الأب بطفله إلى المنزل ، ثم مالبس أن عاد بمفرده إلى المدرسة طالبا مقابلة المعلم الذى قام بضرب أبنه مسببا له فى أزمة نفسية كبيرة . ( الكل متوجس من هذه المقابلة ) ولكن لابد منها ، وفوجئ الجميع بكلام الأب للمدرس حيث سأله ( هل ما فعلته مع أبنى يمت للتربية من قريب أو بعيد ؟ ) لم يجب المعلم غير أنه تلعثم وخرجت من بعض كلمات الاعتذار على ما بدر منه ،  قال له الأب : الاعتذار لا يفيد يا استاذ  .  عموما أنا لن أعاملك بعملك ، ولن أنهى خدماتك و هذا ليس من أجلك ولكن من أجل أسرتك ، ولكنى سأنقلك إلى مدرسة أخرى ، لعل وعسى أن تتعلم من خطئك .
  نرجع للطفل الذى رفض رفضا باتا ونهائيا العودة للمدرسة إلا بعد حوالى شهر وفى مدرسة أخرى تم التمهيد فيها لاستقبال الطفل بأسلوب جذاب ينسيه ما تم له فى التجربة السابقة .
   فى نهاية هذه القصة نعلق بالآتي:
إن ضرب الأبناء فى المدارس ممنوع قانونا فى العديد من الدول المتحضرة وهو حق من حقوق الطفل ، حيث يؤدى الضرب إلى إنعزال الطالب عن الآخرين حيث يصبح خائفا من الذهاب للمدرسة والاندماج مع أقرانه لما يتعرض له من إحراج بسبب ضربه أمام أصدقائه ، وربما يكون هذا الطالب قادرا على أن يكون من المتفوقين ولكن مستواه الدراسى يأخذ بالتدنى نتيجة التأثير السلبى على شخصيته .
                 بقلم الشريف الدكتور / ماهر الطوخى

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا