الرواية المسلسلة قصة بقلم القاص حمادي آل حمد

الرواية المسلسلة : في الجبال مع الجماعات المسلحة .

الجزء الثاني: الهجومات وتصفية بعض الأمراء.

تم لعلي ما أراده من مغارة لائقة بنائب التنظيم المسلّح ، وحصوله على تجهيزات المغارة من وسائل الراحة والنوم وأسلحة أوتوماتيكية مختلفة جعلها للتدريب ، وأخرى خاصة به ، بالإضافة إلى تجهيزات الاتصال ، وأول ما فعله رسالة مشفرة إلى مسؤوليه ثم عكف على إرساء تنظيم المعتقل حراسة ، وسرايا وتموين ، بعد موافقة الأمير.

وقد اتصل بقيادته يوما بعد خروجه مع سرية يقودها وبقي المجندون في المعقل الحصين ، وكان برفقة الأمير الذي سلمه قيادة السرية لرؤية مهارة المهندس في القيادة والتكتيك والتخطيط والتنفيذ ، بعد أن رسم خطة مع مسؤوليه بإخلاء الثكنة المراد الهجوم عليها إلا من بعض الأسلاك من أفراد الأمن المشتركة ،  الذين بقوا مرابطين بالمكان ، وتم الهجوم على الثكنة وكان الاشتباك عنيفا داميا استعمل في علي تكتيكا حديثا ، لم يكن يعرفه الجنود من الطرفين وتم له الآمر وقتل من قتل من الطرفين وفر الباقون بناء على التعليمات التي أعطيت لهم فغادروا الثكنة بعد أن خسروا أربعة عشرة فردا من المرابطين ، أما خسائر سرية المهندس كما أطلقوا عليها ، فقد خسروا ثلاثة أفراد من جنودهم بالإضافة إلى جرح مجموعة أخرى بما فيهم مهندس المعركة ، فقد أصيب بطلق ناري في قدمه ، ولكن الجروح لا تدعو إلى القلق فقد استطاع جمع بعض النباتات وتم معالجة جروح أفراد سريته في طريق العودة أما بالنسبة لموتاهم فقد تم حملهم ودفنهم بعيدا عن الثكنة ، وفي الطريق كانوا يسمعون أزيز الطائرات العمودية والميراج وهي تحوم فوق الثكنة ، وتقصف بعض مواقع انسحاب المجموعة المسلحة وبدأ إنزال المظليين حول تخوم الجبال وسفوحها ، ولكن الطائرات شوهدت تقصف المعقل بضراوة وتعود لتتزوّد بالقنابل والصواريخ ، احتمى الكل في الوادي السحيق تحت أجمة وحشائش وأشجار متلاصقة حيث يصعب رؤيتهم ، أما الطائرات فواصلت القصف للأماكن المحيطة بالمعقل بضراوة بالغة ، عندها وجه أمير سرية الموت الحديث إلى أمير المعقل قائلا : منذ مجيء هذا الطاغوت إلى المعقل ودخوله بيننا توالت المصائب على رؤوسنا ن فنهره الأمير ، وطلب منه سحب كلامه لكنه تمادى وأضاف ك وأنا أشك أنه هو من أرشد الطائرات إلى المعقل لقصفنا ، فنهض الأمير من مكانه ، وحاول سحب سلاحه موجها إياه نحو أمير سرية الموت ، لكن أحد أفرادها كان أسرع من أمير المعقل ومنعه من التصويب فسنحت الفرصة لعلي بمسدسه من تصفية الجندي وأمير سرية الموت برصاصتين وبسرعة حبست الأنفاس وهدّد الجميع بعدم التحرك والتزام الهدوء ،  وسحب إليه أمير المعقل وقال في غضب شديد : من أراد تصفية أمير المعقل فليزحف على  جثتي أولا .

هدأ الجميع وجلسوا لكن عليا مازال يحمي الأمير وراءه واستدعى حارسه ليقف إلى جانبه حاملا رشاشا ثقيلا ، واستعد لتصفية الجميع بإشارة من علي ، فطلب الجنود من الأمير الرحمة والصفح لأنهم  لا يريدون أذيته وليس لهم دخل فيما قاله أمير سرية الموت بل هي مجرّد غيرة من المهندس وتقريبك له ورفع قيمته أمام أمراء السرايا ، وظهوره وسطوع نجمه بإنجازاته وفي ظرف وجيز ، كما أضاف آخر قائلا لقد سمعت منذ أيام أمير سرية الموت وآخرون يتحدّثون بالسوء عن المهندس وتصفيته في وقت لاحق وإلصاق التهمة بحارسه ، كما فعلوا بالضابط الشرعي ، وهنا تنهّد علي وعلم أنّ الفرصة مناسبة ليتحدث إلى أمير المعقل ليقول : أميري هذا هو التحقيق وشاهد على صحة ما أردت قوله لك عن تصفية الضابط الشرعي ولكني أرجأت الأمر إلى حين التأكد من التحقيق ، عندها أمر الأمير جماعته بالمبيت في هذا المكان إلى حين انتشار عيونه التي بعثها إلى المعقل وعودتهم ، وما كاد ينهي كلامه حتى سمعوا خشخشة الحشائش والنباتات قرب مكانهم ، ولكن العيون التي بعثها الأمير أفصحت عن كلمة السر المتفق عليها ، فلما وصلوا حدّثوا أمير المعقل بعدم المخاطرة والصعود إليه لأنه قصف بضراوة حتى لم يبق منه شيئا فاختلطت الجثث بالتراب وتناثرت هنا وهناك وجاءت الحرائق على من تبقى جريحا وأراد النجاة بنفسه لكن لم يسعفهم الحظ .

قال علي : منذ مقتل الضابط الشرعي اختلطت الأمور ، هناك عيون للدولة استطاعت تتبع خطوات أحد السرايا إلى أرض المعقل ، ومنها دلّت الأعداء على ضربنا في عمق المعقل ، ولكني سأنتقم لقتلانا واحدا واحدا ، ووجّه الكلام إلى الأمير وكم عددهم أميرنا ، فقال الأمير : قد يتجاوز العدد مائة وخمسون جنديا زيادة على النساء والأطفال ، ومنه إلى مائتين وخمسين ، هنا دارت الفكرة في خَلَد المهندس أنه لو واصل في عمله هذا لأستطاع تخليص الوطن من هؤلاء المجرمين الذين خرجوا عن القوانين وباتوا يهددون الأخضر واليابس ، وعليه الصبر ومواصلة مكافحة الإجرام بجميع أشكاله سواء الظاهر منه على شكل جماعات مسلحة منتشرة في الأماكن التي تصعب تضاريسها أو ما بطن منها على شكل جماعات التهريب التي تسهل لها الجماعات المسلحة أعمالها ليقتسموا عائدات التهريب من مختلف السلع والمخدّرات والأسلحة ، وكان لزاما على الدولة محاربة جميع العصابات لما لها من تأثير على المجتمع والدولة والاقتصاد القومي .

باتوا الليلة في المكان أما في صباح الغد وبعد مشاورات ، تم الاتفاق على مغادرة المكان والبحث عن آخر أكثر آمانا ، فزحفوا شرقا عن العاصمة لما يحيط بالمكان تضاريس جبلية وغابات كثيفة وأحراش ، يمكن أن تكون ملاذا آمنا لهم ولو لفترة من الزمن ، وفعلا تم اختيار معقل تكثر فيه المغارات ولكن يصعب الوصول إليه إلا عبر الدوران للجبل من جهته الأخرى ، حيث يمكن لجندي واحد حراسة المكان والدفاع عنه بضراوة إذ ما تم الهجوم عليه برا ووجدوا المنفذ المؤدي له ، فتّشوا المكان جيدا ، بل وفحصوه ، كان المكان شديد التحصين ، وغاية في العلو ، منه يشرفون على الجبال ويرون ما يحيط بهم ومن جميع الجهات باتوا الليل هناك ، وفي الصباح تم تنظيم أفواج للعمل , آخرون لإحضار المؤونة والتسوّق لأنهم بعيدون عن المشكوك فيهم من طرف الأمن ، وغير مسجلين في سجلات الإجرام ، أما البقية فكان عليهم ترتيب المعقل ، وتنظيمه إلى حجرات ومغارات والحفر لزيادة حجمها ، وكانت الأشغال حثيثة وشارك فيها الجميع دون استثناء لزرع روح التعاون والتنافس بين الجنود ، وفعلا تم التنظيم والترتيب في ظرف قياسي ، وعليهم الآن الخلود للراحة لاسترجاع طاقتهم ، ورسم الطريق كبداية جديدة للتنظيم في طريق الإجرام

بعث الأمير برسائل إلى شرق البلاد وغربها ، يشكو شح الموارد ، وقلة عدد جنوده ، موضحا أنّ ما حلّ بتنظيمه من الضربة القاسمة للظهر من طرف الدولة وأسلاكها الأمنية المشتركة ، قد يتداول على التنظيمات الأخرى ، فما عليهم إلا مساعدته لأنه كان حلقة تجربة للدولة ، وعلينا التكاتف لوقف شهيتها المفتوحة ، والصبر وإدخال تكتيك جديد للحرب والجهاد على حدّ قوله ، والسيطرة على المنافذ المؤدية إلى الثكنات العسكرية القريبة من المعاقل وتوجيه الضربات الموجعة للرتل الممون لها . وبعد أيام عادت الرسل والرسائل إليه بدعوته إلى عقد مؤتمر وطني لجميع أمراء الدولة الإسلامية ، وتم تحديد المكان والزمان ، ولكن عليا لم يجد الوسيلة لتفعيل مخططه ، فقرّر التريث لحين رؤية قرارات المؤتمر ، وفعلا تم اختيار علي كحارس شخصي للأمير خوفا من الغدر والتصفية ومساعده وثلاثة آخرين ولزم الأمر على المهندس السير وتدريس أعوانه في كيفية النجاة في حالة الطوارئ بمكان الاجتماع والأمير يزداد دهشة وإعجابا لخطط المهندس وتكتيكه في حرب العصابات ، ولم يبد أي اعتراض أو ملاحظة .

وصلوا إلى المكان وفي الزمن المناسب وكانت الإجراءات الأمنية غاية في الدقة والصعوبة حيث اندهش المهندس لحنكتها وترتيبها المتقن فلا مجال للخطأ ، وكان دائم التحرّك والنظرات المتقلبة في جميع الجهات حتى أن الأمير الوطني بارك لأمير المعقل حصوله على حارس متيقظ ، وفطن ، وقوي ورياضي الجسم ، ولم يفارق أميره لحظة واحدة يِمّن له الطريق بل والاستشارة ، فكان على الكل احترامه ، وتقدير إخلاصه لأميره وعلي لا يبدي اهتماما بحديثهم عنه بل كان يتفرّس الوجوه ، ويسجّل ملامحها بدقة عالية ، فلاحظ وجها معروفا لديه ، أيام كان ضابطا في الأمن فالرجل ضابط هو الآخر ، وقد رآه في اجتماعات أمنية سابقة ولكنه كان يخفي أسفل وجهه بلثام وكلما أراد الحديث إلى الأمير الوطني إلا وأزاحه قليلا ثم يعيده إلى مكانه كأنّه بذلك يخفي ملامح انتمائه إلى الأمن ويلعب على الحبلين أم أنّ في الأمر مكيدة ، استعد علي استعدادا تاما ، وأشار إلى حراسه ومساعديه بإشارة لن يفهمها إلا العارفين بها ، بأن يكونوا مستعدين لجميع الاحتمالات ، والسيناريوهات التي ستحدث .أحسّ أمير المعقل بالمهندس وانفعاله وحرصه الشديد عليه ، فعرف أنّ في الأمر ريب وشك ، وحاول الانصراف ولكن عليا لكزه خفية وطلب منه مواصلة الاجتماع فقد تحكم في الوضع ، هنا اطمأن الأمير أكثر إلى علي وطلب مشورته في بعض نقاط الاتفاق فوافق على البعض ورفض البقية ، كالاستقلالية في التموين والمكان والتجهيز ، وطلب منهم مدّه بالمجنّدين ، فقبلوا طلباته وانصرف الجميع إلى جهاتهم ومعاقلهم ، وكان علي وحارسه السابق الذي أصبح كظل له لا يفارقه في الحلّ والترحال يحرس صاحبه خوفا من المجموعة التي معهم من المجندين لأنهم لا يعرفونهم ، فلا أمان لهم اليوم حتى ينظروا في أمرهم ، وكان وصولهم ليلا إلى المعقل فلا يستطيعون الصعود إلى قمته نظرا لصعوبته وعدم تعودهم عليه ، فكان عليهم المبيت إلى الصباح ، ولما أسفر الصبح صعدوا إلى معقلهم الجديد لكن عليا اختلى بنفسه يفكر في كيفية الاتصال بمسؤوله والسؤال عن الضابط وحقيقته ، وطلب من الأمير العودة إلى معقلهم السابق مع حارسه وجنديين آخرين  لعله يحصل على بعض الأسلحة هناك والمعدات القابلة للتشغيل ،وسمح له بذلك وطلب منه الحيطة والحذر ، وسار علي والجنود حتى وصولهم مساء ولم يستطيعوا رؤية معالم المعقل رغم معرفتهم بها لأن القصف جاء على الأخضر واليابس فيه فما عليهم إلا الصبر إلى الغد وتفتيش المكان ، وفعلا تم تفتيش المكان بدقة وبعد عملية الحفر لغار علي وجد ضالته وسيلة الاتصال التي تركها مفتوحة كإشارة إلى القوات المشتركة وبعد ساعات متفق عليها لمباشرة الهجوم وتدميره نهائيا ، وحساب الوقت لابتعاد علي وجماعته عن المكان ، جلس وحيدا فوجد رسالة من مسؤوله يخبره فيها بأنه كان في الموعد وتم القضاء على المعقل ومن فيه بفضل خطته وتكتيكه وما عليه إلا مواصلة العمل وهم رهن لإشارته ، سأل علي عن الضابط وأرسل الرسالة يطلب توضيحات بشأنه ، لكن الشاحن انطفأ وعليه الصبر مرة أخرى.

انطلقوا عائدين بعدما تم جمع ما يمكن الاستفادة منه من أسلحة وعتاد وذخيرة ، وصلوا مساء وكان علي حريصا كل الحرص على تركيب خلايا الطاقة الشمسية لشحن وسيلة الاتصال ، فحصل على الشحن وتمكن من قراءة ما جاء في ردّ مسؤوله عن رسالته ،فلم يجد إجابة مقنعة ، وأعاد صياغة الرسالة المشفرة مرة أخرى ، فكانت الإجابة أنهم لا يعلمون عنه شيئا ، وعن تحركاته سوى عمله بالجيش ، وتم تنبيه القيادة من علي على أن الضابط جاسوس مزدوج ولابد من التخلص منه وبسرعة كبيرة لأنه لو علم وعرف ما أنا فيه ومن أجله لفسد المخطط كله ، وبالتالي لابد من قتله وعدم تقديمه للمحاكمة العسكرية ، وأشار على مسؤوله التخلص منه بحادث مدبّر أو سم أو أي وسيلة لا تجلب الانتباه لهم حتى لا ينكشف سرهم الثلاثي ، وبعد أيام تلقى المهندس الرسالة المشفّرة من قيادته ، مفادها التخلّص من الجاسوس المزدوج في سوق للخضر والفواكه ، بعد شجار مفتعل ، وتم طعن الضابط الجاسوس طعنات متتالية في الظهر ومن جهة القلب فسقط صريعا يتخبط في بركة من الدماء ، وتم تعطيل حركة المرور حتى لاتصل الإسعافات في وقتها وكان السيناريو محبكا لا غبار عليه ، وعندما وصلت الإسعافات كان الجاسوس قد فارق الحياة ، وحوصر المكان من طرف الأمن للقبض على الجناة الفارين ولكن بعد فوات الأوان ، وتم القبض على بعض المشتبهين في الحادث وقدموا للعدالة التي برّأتهم لعدم كفاية الأدلة والشهود ، وأذيع الخبر في نشرات الأخبار بتصفية حساب بين الضابط و بعض المجرمين الذي ألقى الضابط القبض عليهم في عمليات متفرقة ، وبعد تتمة عقوباتهم ينتقمون منه ، والأمن يحاول بكل الطرق الوصول إلى القتلة ومواصلة التحقيق ، كان هذا الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام على القنوات الوطنية والمحلية ، والمهندس يسمع الخبر ويعلم أنه أزاح مسمارا آخر من نعشه ، وعليه مواصلة عمله الحثيث والتخلص من أعدائه بطرق شيطانية لم تخطر على بال أحد .

حمادي أحمد آل حمزة الجزائر.

يتبع الجزء الثالث .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا