قصة بقلم الأديب حمادي آل حمد

هل أنا على صواب ؟ هل سأحصل على رضى الوالدين إن كشفت لهم الحقيقة المخفية ؟ أأعود يوما إلى حياتي العادية إن بقي في العمر بقية ؟ ماذا يقول عني والديّ وإخوتي ؟ ولكن رغم هذا التشاؤم إلا أنه يعود إلى الراحة والاطمئنان لأنه جندي يأتمر بأوامر قيادة عليا في البلاد ولا مجال للقنوط واليأس فعين الله ترعى أهله وترعاه ، وكان الوقت ظهرا تسارع الكل إلى الاجتماع وفرضت حالة الطوارئ عندهم وشدّدوا الحراسة ، فالشكوك تحوم حول كل فرد في هذا المعقل ، ولكن الأمير فضّل التضحية بأربعة من جنوده ليزرع الرعب مجدّدا في نفوس الطامعين في الإمارة ، وتشتيت معقله وإمارته .

كانت الخطبة شديدة اللهجة ، وفيها بيّن مسؤولية الحرّاس والجنود في تصفية الضابط الشرعي للجماعة ، وكذا مسؤولية الكل مستقبلا عن المعقل وتغير الحراسة كل ساعتين ليأخذ الجنود حصّتهم من الراحة ، ثم عرّج على التدريب وقدّم عليا على أنه واحد منهم بل وسيحظى بالاحترام رغم حداثة تواجده في المعقل إلا أنه فرض نفسه كمهندس للأسلحة والتصليح والتدريب ورسم الخطط مستقبلا ،وناول الكلمة إلى علي الذي برز كنجم جديد وبثقافة جعل الأفواه تنفتح إعجابا لما له من لباقة الحديث وتسلسل الأفكار وضرب موعدا لتدريب الفوج الأول صباحا ، فقد قسّمهم إلى ثلاث مجموعات بعد أن سأل مسؤول التموين عن العدد الحقيقي للذين ينوون التدرّب ، كل يوم يدرب فوجا على أحدث تقنيات الاشتباك ، والنزال ، وغيرها من فنون الحرب ، وما إن أنهى كلامه حتى شكره الأمير والجميع على فصاحته ، ودرايته وعلمه في الدين والحرب وحتى السلم ، فلقد أعطى مثالا يقتدى به في الأخوة والإيثار، والتسامح كما قال الأمير، وعندما انصرف الجميع أبقاه الأمير بإشارة منه ، ثم قال له : حسب خبرتك في الأمن سأكلفك شخصيا للتحقيق في الغدر بالضابط الشرعي الذي يكن له الجميع تقريبا العداوة ، لما أبداه في الشدّة على الجنود والنساء ، فقد حاولت نصحه مرات للتخفيف من حدة التوتّر بينه وبين الجنود ولكنه تمادى في غروره ، فحاول قدر الإمكان معرفة الجاني بسرعة واترك الأمر بيني وبينك لقد وضعت ثقتي فيك فكن أهلا لهذه الثقة ، واستعن في قضاء مآربك مع حارسك فهو للثقة أهل ، واجعله ساعدك الأيمن ، وكن حريصا على كتمان أمورك .

عاد علي إلى مقربة من السرداب، فسأله حارسه: ما الجديد في هذا الاجتماع المهم ؟ قال علي لصاحبه: أولا تم تعيينك كمساعد لي في جميع أعمالي في هذا المعقل، وتم تكليفي بتدريب الجنود يوميا وفي الصباح الباكر، كن مستعدا كل صباح ، فقال حارسه : لقد سرّني ذلك كثيرا ، وتمنيت خدمتك منذ الوهلة الأولى لوصولك إلى هنا ، وحدسي لا يخطئ حيث ينبئني منذ مجيئك بأنك ستكون على رأس هذا المعقل يوما ما أو تفككه وتجعله قاع صفصف ، فأنت غير عادي بالنسبة للمجندين والواصلين والملتحقين بفلول هذه الجماعة ،وسترى حدسي كيف يتحقق ، لم يرد عليه علي واكتفى بالإيماء له برأسه  ، ولكنه تساءل عن أجدر الحاضرين بمنصب الضابط الشرعي ، فقال مساعده : أرى أن الشيخ أبا صابر هو الأجدر بهذا المنصب لحفظه كتاب الله ، بالإضافة إلى تقدمه في السن فهو أول الملتحقين بالجماعة ويقال أنه من مؤسسيها ولكنه تخلى عن القيادة بسبب خروج الجماعة عن النهج الذي سطر لها أول مرة واكتفى بتدريس الصبيان وخدمة زوجته ونفسه فقط ، وقد كان في الغرب وفرّ من جماعة الغرب التي أرادت تصفيته ولكنه احتمى بالأمير هنا ، فأعطاه الحماية بشرط عدم التدخل في الجماعة بإيعاز من الضابط الشرعي ، وقد كاد في وقت ما تصفيته لولا تدخل الأمير ، وتذكيرهم بالحماية للشيخ أبو صابر فعدل الضابط الشرعي عن رأيه ، ومن ثمة تفرّغ للتعليم القرآني .

وفي الصباح الباكر أيقضه رفيقه في السرداب ، وما هي إلا دقائق معدودة حتى وجد المتدربين ينتظرون تدريباتهم الأولية ،قام علي بدورة تسخينية للمتدربين ثم جعلهم صفوفا ، وبدأ الدروس الأولى في الالتحام مع الخصم وكيفية التخلص منه بسهولة تامة ، وتم تطبيق التمرين من طرف المتدربين بسهولة تامة وحرص شديد ولكن عليا الخبير في هذه التقنيات يترك ثغرة دائما ليحتفظ لنفسه بالضربة القاضية ولا أحد يستطيع كشفها إلا الخبير المتمرّس في هذه الفنون القتالية ، لعلمه وتيقنه بحاجته إليها في وقت لاحق ، ورغم هذا إلا أن المتدربين أظهروا قمة في الانسجام وتقليد معلمهم في جميع حركاته حتى الصبيان كانوا يقلدون الكبار وكانت للنساء أيضا فسحة من الفرجة ، وتبادل الآراء ، وإعداد فطور يليق بالأبطال والرياضيين ، أما أمير الجماعة فقد كان مشدوها من تحكم علي في التدريبات ، وكيفية إدارته للجنود وعرف أنه أمام خبير في فنون القتال ومهندس فذّ ينفذ التعليمات وحريص على إبداء الولاء والاحترام ، ولابد له من أخذ الحيطة والحذر منه وكسبه ليكون مساعده الأوحد في تسيير شؤون المعقل ، وتدريبه على مراحل ليكون خليفة له في الإمارة ، وانصرف الأمير ، أما علي فحصل على حرية التحرك بل على احترام وتقدير الجميع ، وسعى إلى ربط علاقات متينة مع الجنود بتوجيههم في كيفية مسك السلاح ، وشروحات حول الحراسة ، مع تغيير البعض من أماكنهم ، فكسب في وقت وجيز قلوبهم ، ولقب عندهم بالمهندس ، وشاع اسمه عند الصغير والكبير في المعقل ، وتقرّب من الكل ، حتى أنه اقترح على الأمير تعيين الشيخ أبا صابر في منصب الضابط الشرعي ، فقبل الأمير الاقتراح على الفور ، وحصلوا على المؤونة بفضل التخطيط الهادف لعلي وذلك بالإغارة على مفرزة متقدمة للقوات المشتركة وكان أمير السرية عليا الذي راقب ونفذ وحصل على المؤونة والأدوية ودون إراقة الدماء ، حتى سرى الشك والعجب في أفراد السرية عن حنكة المهندس في الهجوم والحصول على المؤونة دون إثارة الانتباه ، وذلك بوضع منوم داخل صهاريج المياه الخاصة بالمفرزة ن وتمكن المنوم من الجميع ، فدخل علي إلى المفرزة وحصل على مبتغاه والكل يغط في نوم عميق ونهى جنوده التعرض إلى جنود المفرزة بالأذى تطبيقا لأوامر الضابط الشرعي ، فكان نصرا مستحقا لعلي ، وأشاع بعض الجنود عنه أنه يملك جنيا أو روحا تساعده وترشده إلى سبله ، ولكن الأمير نهاهم عن إثارة هذه الشائعات فهي سبيل إلى تعظيم قدرات علي ، فهو مجتهد ويحسن التخطيط والتنفيذ في الوقت المناسب لا غير.

أعجب الأمير بإنجازات علي في وقت قياسي وتم تعيينه بعد استشارة أمراء المعقل في منصب نائب الأمير، كانت فرحة وسرور حارسه عظيمة بل كاد يرقص فرحا وحبورا ، وقال لعلي : ألم أقل لك إن حدسي لا يخطئ أبدا ، أنت بطل وتستحق الإمارة نفسها ، وعليك المضي في التدريب ، وقد سمعت الجنود وهم يشكرون صنيعك ، اليوم وبالأمس ، قال علي : هذا من فضل الله وعونه ، ولدينا أعمال كثيرة تنتظرنا ويجب علينا أن لا نغتر بإنجازاتنا ، بل علينا الوصول إلى مبتغانا وبأقل الأضرار ، حينها طلب علي من حارسه البقاء معه ، واستشارته في أي الكهوف أو المغارات أكثر رحابة ، ولابد لهما من الانتقال إلى كهف أو مغارة والحصول على بعض العتاد للتدريب وتنفيذ مخططاته مستقبلا ، وحينها أرشده الحارس إلى مغارة تطل على الوادي السحيق وقريبة من مركز الأمير ، وهي أكثر رحابة وتهوئة من غيرها وعليك إصدار الأمر إلى الجنود لتنظيفها ، وتجهيزها ببعض التجهيزات التي تليق بالمقام ، ولكن عليا رفض الفكرة ، وقال لحارسه : سأتكفل أنا بتنظيفها ، وحينها انطلق إلى المغارة وعاينها ، وجدها لائقة ويستطيع تنظيفها وتعديل بعض الزوايا فيها ، وخرج منها للحصول على معدات الحفر والتنظيم فوجد جموعا من الجنود وفي أيديهم الفؤوس والمعاول ، فقال لهم : أنا سأتكفل بالحفر ونقل التربة والتنظيف ، ولكن الجنود أصرّوا على خدمة معلمهم ومدربهم ، بل مرشدهم الروحي ، وألتفت فوجد الأمير مقبلا ، وقال لعلي : هذا جزاء العمل المتقن والقلب السليم لقد أحبوك وهم مستعدون لفدائك بأرواحهم ، لقد لمسوا منك الطيبة والحنان ، فاترك لهم العمل وتعالى معي نتحادث ، عندها ترك علي ما بيده والتحق بالأمير غير بعيد عن مكان العمل .هناك سأله الأمير عن التحقيق في مقتل الضابط الشرعي وتقدمه فقال علي للأمير: لقد جمعت بعض الخيوط ولكنها تؤدي إلى نقطة واحدة ، وهي امتعاض الجنود من تصرفات الضابط وكرههم لشدته ، وعدم اشافقه عليهم مم كوّن ضغينة لدى الكل ، وكان لزاما على الضابط الاحتراس من عاقبة أفعاله ،ثم أضاف علي ، ومازال التحقيق متواصلا للكشف عن ملابسات الجريمة ، وهنا طلب من الأمير في خضم الحديث الحصول على جهاز إعلام آلي للتأكد من بعض الخطط في تدريباته  ، فوافق الأمير على الفور قائلا : لقد أصبح من حقك الحصول على جهاز متطور للإعلام الآلي ، ولكن أنبهك وأنت خير العارفين أنه يمنع الاتصال بأي كان خارج المعقل نظرا لمتابعة الشرائح ، وهذه الأجهزة وسهولة تعقبها ، فقال علي : أشكرك أميري على الثقة التي وضعتها فيّ ، وأنا حريص كل الحرص على هذه الأجهزة وعدم الاتصال بالعالم الخارجي للمعقل .

حمادي أحمد آل حمزة الجزائر

1_ انتهى الجزء الأول من الرواية

2_عنوان الجزء الأول : تنفيذ وتمركز

3- عنوان الرواية مع الجماعات المسلحة في الجبال

4_ سأتوقف عن النشر الى حين اختيار غلاف مناسب أو تصميم للرواية ، وارجو مساعدتي في ذلك.

5_ الشكر موصول لكم على النشر والتوثيق ، فتحية لديوان المبدعين ولجميع كادره دون استثناء

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا