قصة بقلم الكاتب حمادي آل حمد

اصطياد الجنود واحدا بعد الآخر ، فهاله ما سمع منه وقال له: إذا ما قيل عنك في نشرات الأخبار صحيح ، فأنت متمرّس في قتال العصابات والتخفي والظهور ، قال له : نعم لقد تدربت لسنوات عديدة وفي كليات عالمية على هذا النوع من الحروب ، حتى أني كنت الأول فيها وبشهادة الأوسمة التي تحصّلت عليها ، فسكت هنيهة ثم قال: وما الذي جعلك تلتحق بنا ، قلت : لم ألتحق بكم لقد كنت مارا ولا أعرف وجودكم هنا ، ولو عرفت لما أمسكتموني ، فقال : وأين قصدك ؟ فقلت : أرض الله واسعة هروبا من الظلم والجور والإلزام والتحتيم ، وعندها أشار إلى أحد الجنود كان مارا بقربنا وطلب منه إحضار بعض الأكل أو الفاكهة كما أوصى الأمير للأسير ثم رجع إليهما يحمل بلوطا مشويا على النار وتينا مجففا وماء ، ولبنا في إناء ، فشكر علي الجندي ، وانصرف ووضعه الحارس أمامه ، وطلب منه الأكل فرفض حتى يأكل معه ، فقال : مازلت لم تأمن بعد وجودنا معك ، فقلت: الحرص على الحياة يجعلك تتشبث بخيط من الدخان ، فضحك ثم تناول معه الفاكهة ، ثم نام قليلا إلى وقت الغداء وملاكه يحرسه . فجاءهما الغداء هذه المرة يبدو أنه خاص بأمر من الأمير، كسيرات من الدقيق نضجت على الحطب ،وزبده البقر الطازجة ولبن وتمر وكثير من العنب المجفف ، فهو غداء ملوكي في هذا المكان القفر ، وتلذذ علي بالأكل كثيرا ,كان صاحبه يشجعه على الأكل ، فأراد ممازحته ، فقال له علي : يتم تسميني للعيد ، فضحك حتى بانت نواجذه ثم قال : وخفيف الظل أيضا .

ولما كان الظهر قاما للصلاة ثنائيا مع حارسه ، ولما أتماها ، رأى الأمير وراءهما، فسلّم عليهما ثم أمر الحارس ، بالانصراف والعودة بعد مدّة ، بدأه بالأسئلة : هل أكلت طعامنا قال علي نعم ، وهو ملكيٌ اليوم ، قال: لا تلمنا فنحن نتدبر أمورنا بصعوبة كبيرة ، والأهالي الذين كانوا يساعدوننا فرضت عليهم دولة الطغاة الحصار وزجّت بآخرين في السجون ، فتشجّع للردّ عليه ، وحربكم ضد من ؟ قال: كل الطغاة في هذا البلد هم أعداؤنا ، من جيش ، ودرك ، وشرطة ، وأمن مشترك إلى غيره من الأسلاك ، قال علي : هم أفراد مأمورون يبحثون عن لقمة العيش لا غير ، فقال الأمير : لقمة العيش ليست في الجيش فهي في كل مكان ، أعطيك مثالا ، أنت لو كنت بلا عمل ، وجئت إلى الغابة وأخذت منها حطبا ، وبعته في السوق ، لأخذت رغيفك وكفيت عائلتك ، فقال: لكن الغابة أصبحت خطيرة هذه الآونة ،وقليل داخلها .فقال الأمير: أتقصد المجاهدين فقلت : بلى على مضض ، فقال: نحن مسالمون ونبحث عن لقمتنا ، ولكن بطرقنا الخاصة ، ثم أردف لا علينا ماذا قلت في التدريب ، قال علي: نعم ولكني مقيد القدمين ، قال: سنطلق سراحك يومها وتكون حرّ الحركة ، قال : أتمنى أن أكون عند حسن ظنكم ، ثم أشار إلى الحارس بالاقتراب ونهض من مكانه ، فإلتقاه الحارس ورآه يشير إلى المكانين الذين حدّثه عنهما والأمير يسمع ويتابع إشاراته إلى المكانين ، ثم تركه وذهب ، فلما وصل الحارس إليه أخبره أنه نصح الأمير باستبدال الحراسة كما أشار عليه سابقا لضعفها ،وسرّ لذلك ، أنا لم أشر عليك بل، سألتني عن الهروب ، فأعطيتك الدليل على ضعف الحراسة ، ولو أردت الفرار لما نبهتك إلى ضعفها ، فلا مكان لي اليوم إلا هذا العرين ، فأنا مطلوب إلى العدالة بتهم ثقيلة هنا وهناك أنتظر الموت في كل لحظة ، بل الموت أصبح ظلا أليفا يؤنس وحدتي يا أخي، فرآه يقترب منه بعد قوله أخي ، وأسرّ إليه أن الأمير راض عنه وكذا جموع الجنود فلا خوف عليه هنا معهم بعد أن أثبت حسن نيته ، فلا تبتئس واصبر لعل يأتي بالفرج وتكون لنا عونا على الطغاة ، بفضل ما لمسناه منك من تقنيات ، وما قيل عنك في نشرات الأخبار وتخوّف دولة المجرمين من التحاقك بالمجاهدين ، فأنت مهندس الحرب والسلام كما قيل في نشرات الإعلام ، تشجع عندها وقال: هل أستطيع الحصول على جهاز إعلام آلي لرؤية ما يقال عني ، فقال الحارس: سأحاول ولكن بعد استشارة الأمير في الصغيرة والكبيرة ، نخاف العقاب إذا أقدمنا على شيء دون الرجوع إليه . وتجاذب معه أطراف الحديث، فاستأنس به وفعل بالمثل معه حتى أمسيا صديقين أو قل أخوين على حدّ تعبيرهم في الجبال، ثم آويا إلى السرداب وتمكن من تصليح بعض القطع المتبقية من بعضها البعض وصديقه يغط في نوم عميق ، ثم استسلم بدوره إلى النوم بعد أن هجره ليومين ، ولم يستفق إلا على خشخشة خروج حارسه من السرداب فخرج وراءه وخيوط الشمس تداعب الأشجار والأرض والصخور، وزقزقة العنادل والشحارير تملأ الفضاء بالإضافة إلى خوار الأبقار وصياح الأطفال وإقبال بعضهم على عرض ما حفظوه من القرآن على شيخهم وعصاه يلوّح بها يمنة ويسرة ينهر بها الصبيان لمواصلة القراءة والحفظ ، فتذكر ما فعله بشيخه في البلدة حينما كان صبيا ، وكان عليه حفظ سور القرآن في جزء عمّ قبل الالتحاق بالمدارس ، كان يحفظ مبكرا ثم ينصرف إلى مشاغبة الصبيان وتم معاقبته بطريقة فظيعة لن ينساها ما دام على قيد الحياة وهي طريقة الفلقة وفيها يتم ثقب عصا من الوسط وإخراج حبل مفتول من ثقبين في وسطها ويتم إدخال القدمين بين الحبل والعصا ولفّها حتى لا تتحرك القدمان ثم يمسك شخصان العصا كل من طرفها وآخران من الذراعين والشيخ يهوي على القدمين ضربا فتنفلق الأقدام ومنها جاءت التسمية وهي ظهور بثور مائية على الجلد من أثر العقاب ، ولن تستطيع السير لأيام ومنها تحفظ عنوة وإجبارا ولن تعاود المشاغبة مهما كانت شجاعتك وبطولتك .

صليا بعد الوضوء وانتظار طلوع الشمس قيد رمح لأنها فاتتهم ، ثم أفطرا بجانب السرداب ، وكان يشاهد بعض النسوة في أشغالهن رائحات وغاديات ، فقال له حارسه : تستطيع خطبة إحداهن من الأمير ففيهن أرامل شهدائنا ممن قضت عليهم قوات العدو في المعارك وهناك من لهن أولاد , وأخريات دون أولاد ، فيحصل لك الأجر في رعايتها وكفالة الأيتام ، فهاله ما سمع ولم يرد عليه ، ولكنه سرح في تفكيره عن القرون الأولى وما قرأوه في كتب التاريخ عن الفتوحات الإسلامية ، والجهاد في سبيل الله ، ومعاناة الأولين في العيش والتدبير،  ها قد أصبح واقعا أمام ناظره بعد أن كان نظريا ، فسأله علي : وأين يسكنّ ؟ قال في سراديب مثلنا وفي تلك الكهوف والمغارات ، تستطيع الحصول على مغارة مستقلة إذا تزوجت ، وتكوين أسرة، فلم يتمالك نفسه فضحك حتى وضع كمّه على فمه ، فقال: هذه حياتنا هنا وليس لنا الاختيار كثيرا . ثم أشار إلى ملابسه الممزقة في أنحاء من الجسم وطلب منه ملابس أخرى إن كانت متوفرة أو يقوم بغسلها من آثار الدم ، فقال : سنآتيك بملابس وزيّ  إسلامي تستريح فيه أحسن من هذه الإفرنجية .

لم يغب كثيرا وعاد يحمل بعض الأغراض، كانت عبارة عن ملابس أفغانية من سروال قصير فوق الكعبين إلى قميصين أحدهما داخلي والآخر خارجي، وحذاء رياضي جديد طالما بحث عنه في الأسواق والمحلات، وجاء له بجهاز الإعلام الآلي ، فأخذ الجهاز أولا وفحصه ،والغريب أنه به إشارة ألنت ، فأرسل رسالة مشفرة إلى مسؤوله الأول مفادها أنه موجود بالمعقل ومحا أثرها تماما ، وشاهد قليلا من نشرات الأخبار المسجلة ، ثم أطفأ الجهاز وأعاده إلى حارسه فحمله ، وأعاده إلى مكانه ، فحمل نفسه وملابسه وانحدر إلى النبع القريب منهم وأخذ في غسل أطرافه ، ولما كان الماء دافئا دخل فيه واستحمّ وغيّر ملابسه واعتمر القلنسوة ونظر إلى الماء

حمادي أحمد آل حمزة الجزائر

1 _ يتبع

2 _ ستبقى الرواية دون عنوان الى نهايتها

3_ كل يوم ننشر لكم صفحتين من الرواية البوليسية المسلسلة

4_ تحية اجلال واكرام الى من قرأها وتمعن في كلماتها

5_ انفراد ديوان المبدعين العرب بالنشر فقط ، فلهم جزيل الشكر والامتنان

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا