قصة بقلم الاديب حمادي آل حمد

فرأى أفغانيا يطل عليه لولا لحيته التي بدأت تطل وتحاول الاستطالة فرحة بالحرية ، بعد أن كانت بالأمس بالكاد تطل فيأخذها الموس إلى قنوات الصرف، حينها سمع جلبة وصراخا في المعقل ،فخرج من الوادي السحيق وأبصر تجمعا للجنود يجرون آخر إلى الأمير وقد شمّر على ساعديه وانهال على المسكين يعذبه بالفلقة ، ولما اقترب وجده حارسه وهو يصيح وقد اختلطت دموعه بمخاطه ، فارتمى عليه دون تفكير وحاول منعهم من تعذيبه ، فرأيت الغرابة والدهشة فالعيون فقال لهم: أنا هنا لم أهرب أميري ولا دخل للمسكين فيما فعلته عندها كف الأمير عن ضربه وتأخّر قليلا وهو يلهث وافتكه من الأربعة بقوة ,راح يفك أسره من العصا ، ويمسح عنه التراب والقش والدموع والكل جاثم لا يحرّك ساكنا ، فقال: أتضربون رجلا أعزلَ ، لا ذنب له ؟ لقد كنت أستحم لأغيّر ملابسي , وقد طلبت منه ذلك ، فوجّه إليه أحدهم مسدسا أوتوماتيكيا إلى جبينه بينما كان يحمي الحارس ، فوقف و المسدس إلى رأسه وبحركة رياضية كان قد تعلمها في مختلف الأكاديميات عن افتكاك المسدس من الأعداء جعله في يديه اليمنى وصوبه نحو جبين الجندي وضغطت على زناد الأمان كأنه يريد إرداءه وقال للجندي : لا تسحب المسدس أبدا مادمت غير قادر على حمايته من الضياع ، وهنا سمع بقية الجنود يضغطون على زناد الأمان في أسلحتهم ، وبحركة أخرى استطاع وضع المسدس في يده ثانية ، وحمل حارسه إلى جوار السرداب والكل مازال مسمّرا في مكانه لا يحرك ساكنا عجبا ودهشة ، حتى الأمير سمعه يحولق ويكبّر ، أما حارسه فقد أمسكنه من قفاه وطوّقه بكلتا يديه وهو ينظر إليه في حنان و يئن من الألم  ، وضعه أرضا وأخذ في ربط قدميه من الأسفل بكمادات قماشية أضاف لها بعض الحشائش ودقّها ناعمة بين الصخور ، وكان يلقي نظرات متكررة إلى حيث الأمير وزبانيته فهم مافتئوا ينظرون إليهما ويتبادلون الحديث بينهم ، ولكنه لم يعرهم اهتماما وعكف على تطبيب صاحبه ، فأحس بالراحة بعد وضع الكمادات على جروحه ، وصار يواسيه ويقول : أنا السبب ما كان علي المغادرة دون إذنك .فقال له الحارس: إنه جهاز الإعلام الآلي الذي أوصلني مم أنا فيه ، فلقد أخذته دون علم الأمير وقد رآني الضابط الشرعي وأخبر الأمير ، فعاقبني ، فقال: لا عليك  ، كل شيء انتهى ولا تتحرك ، سأكون خادمك هذه الأيام حتى تندمل جروحك ، فشكرني , ودعا لي بفك الأسر فقلت : هاهنا باقون وميتون ، وعندما أسدل الليل ظلامه على المنطقة ، أدخل رفيقه إلى السرداب دون أكل ، ولكن الضابط الشرعي نادى يا أسير ، فخرج إليه فوجده يحمل أكلا وماء ، وقال : إنها من الأمير نفسه إليكما ، ولكني سأردّ لك ما فعلته بي اليوم أمام الجميع صاعين وأزيد ، فسكت ثم انصرف ولم يخبر حارسه بما سمعه فكتمها لنفسه، ورجا الله أن يلتقي بهذا الزنديق رأسا ليحاسبه على فعلته . أكلا ثم تجاذبا أطراف الحديث ليلتها، وكان يفكر في عواقب الأمور، وكيفية التصرّف مستقبلا، للنجاة بنفسه أو الاندماج في الحياة الجديدة، والتقرب إلى الأمير.

ولكنه آثر الانتقام لحارسه ولنفسه من الضابط الشرعي ، ويخلص الشرع منه ومن فتاويه الجائرة والتي لا تستند للإسلام في شيء ، فقرّر التخلّص منه بذكاء خارق ، وأن لا يلفت الانتباه إليه أو إلى الحارس المسكين ، فحمل خنجرا مخصصا للرشاشات في غفلة من صاحبه وطلب منه البقاء في السرداب إلى حين قضاء حاجته البيولوجية ، وخرج إلى حيث أماكن طهو الطعام ، ونزع من ثيابه ما استطاع ثم بلّل الرماد وطلا به أماكن من جسمه ، فأصبح شبحا لا يرى إلا بريقا من عيونه ، ثم جلس يراقب الخارجين والداخلين إلى المغارات بينما كان الحراس يتجولون قريبا منه بل كاد أحدهم التعثر بجسمه الملتصق بالأرض ، ولكنه فضّل عدم قتله والتريث لغريمه الذي هدّده ، وما هي إلا سويعات حتى رآه يخرج من عرينه يلتحف إزارا ، وابتعد قليلا عن المغارة ليقضي حاجته في الخلاء جلوسا فزحف إليه زحف الأفعى الجائعة ووصل إليه بينما كان يتغوّط فكمّم فمه وجرّ خنجره من وريد ه الأيسر إلى الأيمن قاطعا كل الشرايين حتى وصلت مديته إلى فقرات الرقبة وتركه يسبح في دمه ثم توجه إلى الينبوع واغتسل من الرماد وان كان الماء باردا ولكن التخلّص من غريمه أكسبه الكثير من الحرارة والأدرينالين ولبس ثيابه التي تركتها قرب مواقد الطعام وعاد متسللا كما خرج ، رغم بعض الخدوش البسيطة اثر الزحف على الأشواك والحجارة فوجد صاحبه نائما دون حراك ، آوى إلى الفراش كأن شيئا لم يكن ، وما استفاق إلا على جلبة ،وضجيج وصراخ ولم ينهض من مكانه فناداه رفيقه في السرداب وقال:ما الذي يجري خارجا ؟ فقال : لست أدري ، فساعده في الخروج من السرداب ورأيا حالة للطوارئ الكل يمسك بالأسلحة ويفتشون الأرض والنباتات والأشجار والسماء ويجرون في جميع الاتجاهات ، فقال لجندي كان يمر بقربهما ما الذي يحدث ؟ فقال: وهو يجري لقد ذبحوا الضابط الشرعي للجماعة ، فالتفت إليه رفيقه وقال لقد انتقم منه الله ، لقد كان لي ندا والغرور يملأه والجميع هنا يكن له الكره والضغينة ، لقد أفتى في حق الكثير من إخواننا سابقا وتم إعدامهم لأسباب واهية ، وتم اقتياد أربعة من الجنود الحراس إلى الأمير الذي ارتقى إلى صخرته التي جعلها منبرا وتقدم علي إليهم بضع خطوات ، فسمعه يقول : بعد أن تلا مجموعة من الآيات على مسامع المقتادين إليه ثم أردف قائلا نظرا للتهاون في الحراسة والتسيب الواضح واللامسؤولية في حفظ الأمن والأمان حكمنا بشرع الله بإعدام المتخاذلين ، وتم تصفيتهم على طريقة النازيين ،رصاصة في مؤخرة القفا ، ثم حملوهم إلى مكان مجهول للدفن ، فرآه الأمير غير بعيد أشار إليه بالدنو منه ، فدنا وسلمت وقلت بخبث : البقاء والدوام لله ، أعظم الله أجركم في مصابكم أميرنا ، فقال : لا أراكم الله مكروها ، هل تحسنت حالتك ؟ هي في التحسن يا أمير ، وكيف حال حارسك ؟ قلت : لقد بت عند رأسه أغير له كمادات الحرارة وأخرى لقدميه ، فقال : لقد شفعت فيه وشفع فيك ، اليوم ستكون معي في اجتماع عند الظهيرة لطرح بعض المواضيع الهامة والإشراف على التدريبات ونظر إلى قدمي دون أغلال ، فقلت نزعتها للتو لمساعدة حارسي على الخروج فأنا آسف أميري ، فقال : كنت أنوي نزعها من قدميك بنفسي ثم أشار إليه بالانصراف وعاد إلى رفيقه وسأله عمّ دار بينه وبين الأمير فأخبره ، فسرّ لذلك وقال: تستحق ذلك وأكثر ، فقال علي : وما الذي أستحقه فقال : رضى الأمير عنك وعفوه خطوة جبّارة إلى ملازمته والحصول على منصب مرموق في الإمارة .

لم يرد عليه علي وتزاحمت الأفكار مرّة أخرى في خَلَده ، فقد تجاوز مرحلة مهمة وخطيرة في مهمته ، وعليه التفكير في خطوات جريئة وذكية ، تخلصه من هذا الكيان الذي ينخر جسم الشعب ، حتى الذين يلتحقون بفلول الجماعات المسلحة ، يتفاجأون بالجنة الموعودة ، ويصطدمون بالواقع المرّ ، فتشَل حركتهم ، ولا يجدون سبيلا للعودة إلى جادة الصواب ، فلقد وقعوا بين مطرقة الجماعات إن هم خالفوا الأوامر وهمّوا بالنزول من الجبال وعادوا إلى جادة الصواب فيلحقهم الويل والثبور منهم ، وسندان الدولة والأمن المشترك لمكافحة الجماعات الإسلامية والإرهاب فهم يعتبرونهم خرجوا عن القانون ولابد للنواميس من أخذ مجراها ومعاقبتهم ، فيكظمون غيظهم حتى يأتي الله بأمره ، لقد أمسى التفكير في مهمته يأخذ حيّزا وافرا من ذهنه وكاد ينسى والديه وإخوته لولا الشوق والحنين إليهم ، وطرح ألف سؤال على

حمادي أحمد آل حمزة الجزائر

1 _ يتبع

2 _ ستبقى الرواية دون عنوان الى نهايتها

3_ كل يوم ننشر لكم صفحتين من الرواية البوليسية المسلسلة

4_ تحية اجلال واكرام الى من قرأها وتمعن في كلماتها

5_ انفراد ديوان المبدعين العرب بالنشر فقط ، فلهم جزيل الشكر والامتنان

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا