قصة بقلم الاديب حمادي آل حمد

منهما في جهة من القاعة مم يوحي بعراك عنيف ، وأثاث المكتب مرمي ومبعثر في أرجاء المكتب الفسيح ، طلبت الفرقة المتخصّصة من علي وضع المسدّس بلطف على المكتب القريب منه ، ورفع يديه ، وتقدّم منه أحدهم ووضع الأغلال في يده اليمنى لكن عليا قاومه ورماه أرضا فصاح الجميع عليه بأن لا يفعل ما يضره ، وعليه الاستسلام ومساعدته في الخروج به حيا من القسم ، وأذعن عليٌ إلى الأمر وسلّم نفسه ، واقترب منه نائبه ورئيس الفرقة ، وقال : سيدي ماذا أصابك ؟ وما الذي أقدمت عليه ؟ فصمت ولم يتكلم واقتيد إلى غرفة معزولة وسط ذهول الضباط وأفراد الشرطة وإغماء بعض الشرطيات ، وتم إخبار الفرقة الجنائية وحضرت على الفور وباشرت التحقيق وحمل الجثتين من طرف الحماية المدنية وحضرت الصحافة على الفور ، لكن موكب وزير الداخلية فرض خصوصية أكثر للحادثة ، وطلب الوزير من الفرقة الجنائية الاختلاء بالمجرم للحظات وكان له ذلك ، وأعطى تعليمات صارمة للقائمين على القسم بالمحافظة علية وفرض الأمن فيه وكلف نائب علي بقيادة القسم مؤقتا لحين الكشف عن ملابسات القضية ، ثم أمر ضباطا تابعين له بنقل المتهم إلى السجن العسكري في سيارة خاصة ، وأخرج المتهم من القسم إلى سيارة الشرطة مكبلا غير أن الوزير طلب من معاونيه تشديد الحراسة على المحافظ المجرم فهو خطير جدا ودرب على أحدث التقنيات الإجرامية والمضادة لها ، وانطلقت السيارة إلى السجن والوزير يجمع إطاراته بالمحافظة وضباطا من الشرطة ليعطي تعليماته ، في تسيير القسم المهم في العاصمة ، لكن اجتماعه قطع بمكالمة من أحد الضباط المكلفين بنقل علي إلى السجن مفادها هروب المجرم من السيارة وتمكنه من جرح ضابطين والهروب بسيارة الشرطة إلى وجهة مجهولة ، وغادر الوزير المحافظة إلى مقر عمله لتكوين خلية أزمة لمتابعة الفار من العدالة وسمع مغربا صوت طائرات الهيلوكبتر تحوم العاصمة وأطرافها وهديرها يصمي الأذن لانخفاض علوّها ، لكن الهارب من العدالة اختفى وبلعته الأرض ، رغم كثرة الحواجز ، ونقاط التفتيش ، إلا أن عليا فلت من الرقابة فهو المدرب عليها ويعرف فنونها فيبدع فيها أثناء دراسته بالكليات العسكرية، ولا مجال للمنافسة حسب شهادة مؤطريه في الخارج والداخل .

وفي صبيحة الغد تلقى الوزير تقريرا مفصلا عن الحادثة ، وملابساتها ، والأطراف المعنية بذلك ، وتقريري الطبيب الشرعي عن المخدوعين ، وكذا تم إخباره أن الضابطين المصابين قد غادرا المستشفى وأنّهما يتماثلان للشّفاء ، عندها رفع الهاتف ، وكوّن أربعة أرقام ثم قال : لقد تم سيدي الرئيس الجزء الأول وبنجاح منقطع النظير وأغلق الهاتف ، وانبلجت أساريره عن ابتسامة عريضة تنبئ برضاه عن الموضوع ، ومدّ يديه إلى رأسه يتمطّى على أريكة وثيرة ، ثم طلب من أحدهم فتح جهاز التلفزيون ، وتابع الأخبار الوطنية عن هروب أحد أعمدة الأمن في البلاد بعد متابعته بجناية القتل العمدي لأفراد من الشرطة وجرح آخرين  واختفائه في العاصمة ، واستنفار داخل القوات الأمنية المشتركة بالبحث عن الهارب. ولا حديث اليوم وغدا وبعده في الصحافة إلا عن الهارب من العدالة وتضخيم الأخبار ، كما في الشارع وزادتها الشائعات تزيينا للحدث فانتشر الخبر كالنار في الهشيم ، أما علي فقد ترك سيارة الشرطة في مخرج العاصمة الغربي وعاد في شاحنة متوجّها إلى المخرج الشرقي ، لعلها من خطط التمويه لديهم ، وسار ليلة كاملة وسط الغابة المجاورة والأحراش والنباتات الشائكة ، ينزلق مرة فيهوي إلى السحيق ، ويصعد أخرى والدماء تسيل من يديه إلى مرفقيه وكذا ساقيه من أثر السقوط واحتكاكه بالنباتات والأغصان ، وعند الصباح وجد جدولا مائيا ، شرب منه وغسل أطرافه واستراح قليلا ، وواصل السير وكان يسمع على مرات متقطعة صوت الطائرة العمودية تحلّق على انخفاض ، فيستند إلى أشجار الصنوبر والكستناء ، والبلوط ، ثم يواصل السير بعد اختفاء الصوت ، ووصل إلى أدغال سيطر عليها الظلام في وضح النهار وعواء الذئاب نهارا ، وطواف الخنازير البرية فيه دون حياء ولا خوف فعرف حينها أنّه في منطقة يسود فيها قانون آخر ، قانون الغاب البقاء للأقوى ، وشرد هنيهة في أفكاره وتدريباته ، ولكنه سمع صوتا قويا ، أرض ،أرض فارتمى بسرعة وجعل يديه على رأسه ، وأغمض عينيه ، ولكن سمعه بقي يجول في الأنحاء ، يعدّ الأرجل والأقدام القادمة إليه ، لقد تم له ذلك لقد كانا اثنين ، وعرف جهة مقدمهما ، واستعدّ لهما وما هي  إلا لحظات حتى رماهما أرضا وأصبح المسيطر على الوضع دون إراقة الدم ولا إطلاق النار، ثم قال : من أنتما ؟ وهو يتفرّس ملامحهما ولباسهما ، فلزما الصمت وتم تكبيلهما ، وطلب منهما السير أمامه ودون اللجوء إلى الذكاء ، وبعد مدة من السير قال أحدهم من تكون وماذا تفعل في الغابة الموحشة ؟ فأجابه أنا مثلكما منبوذ من قومي ,ابحث عن ملاذ آمن ولا أريد إيذاء أحد ، فاتركوني بسلام أطلق سراحكم ، فقالا في الحين ومعا : نعدك بذلك ، واتفق معهم حول كيفية إطلاق سراحهم ،وأين يجدان رشاّشتيهما ، وانطلق بعدها إلى حيث لا يدري ولكن التعب أخذ منه مأخذه ، ثم أسند ظهره إلى صخرة ممسكا بيده اليمنى بمسدّس كان قد أخذه من أحد الضباط وفي يده الأخرى جهاز راديو ، وتزاحمت الأفكار في مخيلته عمّ يفعله ، وما سيفعله مستقبلا ، ولكن أفكاره لم تتم بعد حتى حوصر من كل مكان برشاشات ومسدّسات وراجمات الصواريخ والعدد لم يكتمل ، وتقدم منه أحدهم فعرفه ، لقد كان الملتحي الذي أطلق سراحه منذ ساعات ، فنزع منه المسدّس والراديو ثم ضربه بأخمص الرشاش ضربة قوية أفقدته وعيه , وعندما استفاق من غيبوبته وجد نفسه منهك القوى مكبل القدمين واليدين ، وسط معسكر صغير تملأه الأسلحة مختلفة الأحجام والأنواع والصنع ، ولاحظ أيضا نساء يرتدين براقع على وجوههن وهن في حركة دائمة يقمن بأشغالهن ، ويحملن أسلحة ، بالإضافة إلى صياح أطفال وجريهم وراء بعضهم البعض يحملون أسلحة من خشب صمّمت على شكل الرشّاش وآخرون في حلقة يدرسهم رجل طاعن في السن يضع قلنسوة فوق رأسه تبدو أفغانية ، والأطفال يمسكون ألواحا خشبية كالمستعملة في الكتاتيب منذ عهود ، ثم أدار رأسه إلى اليسار فلاحظ جماعة من الشباب وهي تتدرب على استعمال السلاح الأبيض ، والمبارزة ,وفنون القتال الأخرى ، وآخرون يغسلون ملابسهم ، والكل في حركة دائمة ، بالإضافة إلى حرّاس بأسلحة أوتوماتيكية تفرقوا هنا وهناك منهم من يظهر للعيان وآخرون تموّهوا بألبسة حربية ، تطابقت ألوانها والأرض والحشائش ، وغير بعيد عنه لمح رجلا أسدل لحيته على صدره ، يجلس على صخرة والباقي من حوله على الأرض يبدو أنه يعطيهم تعليماته فكلما وقف أحدهم إلا وقبّل يده قبل المغادرة ، وإذ به يراه يشير إلى أحدهم ، بأن يأخذني إلى حيث يجلس القرفصاء ، فجاءني أحد الغلاظ ذو لحية مطلقة على صدره عنّفني لحظات ثم فك وثاق قدمي وأخذني إليه ، وأعاد ضربي على مؤخرة ظهري وقال : اجلس يا طاغوت  ن فوقعت على الأرض من شدّة الإعياء والعطش والجوع ، ولكن الرجل الجالس فوق الصخرة أشار إليه بتركي وشأني وأمره بإحضار طعام وشراب ، وكان لي ذلك فأكلت طحينا وعسلا وبعض الفواكه المجفّفة ، وكنت أثناءها اسمع ما يدور بينه وبين أصحابه وعلمت أنّه الأمير في الجماعة الإرهابية ،وعندما أنهيت طعامي وجّه إلي الكلام ما قصتك يا شجاع حتى تقتحم عريني ، فقلت سيدي ، فنهرني وقال ليس عندنا أسياد ، بل أمراء وجنود ، فقلت يا أميري ، لقد كنت

حمادي احمد آل حمزة الجزائر

1 _ يتبع

2 _ ستبقى الرواية دون عنوان الى نهايتها

3_ كل يوم ننشر لكم صفحتين من الرواية البوليسية المسلسلة

4_ تحية اجلال واكرام الى من قرأها وتمعن في كلماتها

5_ انفراد ديوان المبدعين العرب بالنشر فقط ، فلهم جزيل الشكر والامتنان

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا