لن أكون كما تريد… قصة بقلم ماجدة رجب

قصة بعنوان #لن_أكون_كما_تريد

بقلمي #ماجدة_رجب

     جلست على حافة النهر ودلدلت ساقيها في الماء وأخذت تلهو به كطفلة ،،،كان الوقت غروبا والمنظر رهيبا من شدة جماله أصوات العصافير بدأت تهدأ وكأنها تستعدّ للنوم ،نقنقة الضفادع بدأت تخفّ هي الأخرى ،،صوت من هنا وصوت من الطرف البعيد ،،،لون ارجواني ينعكس على النهر والعشب يتمدد يغازل الندى فيستقي من رطوبة الهوى مايرد له الروح  بطراوته فينتشي  ككل مساء،،،

      لم تفكر آمنة  في العودة الى البيت ،فالبيت يذكرها بكل اللحظات الجميلة و اللحظات الموجعة،، حتى الجميلة منها صارت توجعها لأنها إفتقدتها يوم فقدت طمأنينتها

   رعشة خفيفة دغدغتها ،أخذت شالها ووضعته على كتفيها ،،كان شالها ناعما مثل نعومة ريش النعام ،،،أحسّت بدفء يسرى بجسدها الضعيف ، وبدأ النعاس يراودها و يحطّ على جفنيها ،،وهي تحاول جاهدة ان لا تنعس ،منظر الغروب الجميل و ترنيمة بقية الكائنات الصغيرة ،موسيقى تنعش الروح ،لا تريد آمنة أن تغادر هذا المنظر السّاحر  لتستسلم إلى عالم الكوابيس ،،،
    أخذتها الأصوات الى الحنين،الحنين الى سعد الذي تمنته بجانبها في تلك اللحظة ليغازل معها المشهد البديع ويغنيان  أغنية  من الأغنيات التي عشقاها جدّا وكان يطربهما سماعها الى أن وجدت نفسها تغنيها  الآن وهي بمفردها بألم الشوق والبعاد وحرقة غيابه. 
   وكأنّها لأول مرة تفهم مقاصدها ومعانيها  ،أغنية الفنان الإسباني الشهير  خوليو أغليسياس  «Nostalgie »
وهي بما معناها

 « الحنين ....كما هو
أنت العطاء ...وكذلك أنا
الحنين...
أنّني أفكّر فيها
وأناديها في الليل
هي تعيش هناك
في أرض البرد القارص
حيث الرياح تأخذني لأحلم
أثلجت النيران وانهمر النهر الأزرق
كان جميلا
الحنين.......
الحنين كما هو
شهر ديسمبر...إنه موطنك
الحنين كنت تلعبين لعبة الغجر
في محيط النسيان
أرادت أن تحرق حياتها في ربيع حقيقي
كانت ذات العشرين عاما
أخذت البحر اتجاه السماء الصافية
لكنها تركت اللون الرمادي
...الحنين...
إنه عشق الشتاء...
والسماء رأسا على عقب
كان جنونا
...الحنين...
عندما يكون الليل صافيا أحيانا
يظهر اسمها على البحر
انه الحنين..
الحنين...
كما هو...»

 
الأغنية تحفظها عن ظهر قلب وكأنها حفظتها لمثل هذا اليوم
      كانت الأغنية عذبة عذوبة  النهر وصوت آمنة
 الشجيّ صاف نقي نقاء قلوب العصافير ونبرة مخارج الحروف تلامس الزهر في جماله وطهره ،فزاد صوتها للغروب جمالا ونبضا وحياة،،،

   كل الأصوات تمازجت وانصهرت انصهار الروح في الروح انصهار  عذوبة صوت آمنة مع صوت خرير الماء وكأنّه يواسيها  فيقاسمها شطر الأبيات ،،،
   نسيت آمنة وحدتها ونسيت جدالها مع سعد ،وكيف أنه أوهمها بحبه فوثقت به وصدقته إلى أن إكتشفت ما لم يكن ليتصوره خيالها ،سعد الذي وعدها بالإستقرار و بعيشة الأميرات ،صدقته كما تصدق كل بنت عاشت يتيمة ووحيدة   أنها وجد ملاذا للإستقرار والراحة.
   
    آمنة  فقدت والدتها التي كانت سندها الوحيد  والتي عانت كثيرا الى أن أخذتها المنيّة
حين وجدت سعد علقت كل آمالها فيه وكأنها تبحث عن أخ أو مؤنس لها في وحدتها القاسية وأب لا يطفئ طموحها بل يشجعها على تحقيق حلم حياتها وأن تصبح محامية تتصدى للظلم وتأخذ حق المضطهدين....
   
        كان الوقت عصرا ،دخلت بعد عناء يوم طويل فهي تعمل في معمل بسيط للخياطة وكانت صاحبة المعمل تعوّل عليها في كل شئ ،وآمنة لا ترد لها طلبا تشتغل بحب وإتقان دون أي تفان ،فقد ربّتها والدتها على كسب اللقمة بما يرضي الله

       عادت على غير عادتها إلى البيت  في وقت مبكر حين أحست بإجهاد  و تعب شديد ودوار في رأسها  إستأذنت من المشرفة وغادرت العمل

    وحدث ما لم يكن في الحسبان ،،،أصوات لم تعهدها من قبل ،،،نقاش حاد وبكاء رضيع في بيتها

بدأ الليل  يسدل ستاره والمشهد يأخذ من قلبها لون الوجع،
تزاحمت على مخيلتها الأسئلة ،ترى من يكون بالداخل،ماسرٌ هذا الصراخ،لمن هو هذالرضيع،،
تقدمت لتفتح الباب ،يداها ترتجفان وكأنها تلج بيتها لأول مرة
هذا زوجها هناك ،وهذه إمرأة تراها لأول مرة تشبهه في الملامح إلى حد لا يوصف،،،

فهمت آمنة  حينها أنها فاطمة شقيقة زوجها ، التي حكى عنها سعد وهي تعيش خارج الوطن  منذ فترة طويلة بسوريا لقد كان زوجها يعمل هناك  ،،ومن المؤكد رداءة الأحوال بسبب غياب الأمن  هناك جعلها تعود الى موطنها صحبة اولادها الصغار،،،،

دخلت سلمت على الزائرة ونسيت شجارها مع زوجها لتتحرى عن سر هذا الخلاف القائم إبٌان عودتها وكيف تعلو الأصوات  ممٌا جعلها تحس بوجود خلاف بينهما...

صمتا الإثنان وتناسيا الخلاف الذي كان بينهما ورحبت بالضيفة كأن شيئا لم يكن ،دخلت بسرعة أحضرت شايا خفيفا وضعته أمامها وتركتهما يواصلان حديثهما ودخلت في غرفة منزوية من البيت وأخذت مدونتها التي كانت تخطّ عليها كل خواطرها حين لا تجد من يسمعها،،،
وكتبت...
إني أرحل،،
أرحل حين تخيب الظنون
إني أرحل،،حين نفتقد الأمان
ممن وعدنا وتناسى الوعود
ختمت الرسالة قائلة
لم أندم لأني أحببتك ندمي الشديد كان حين تأكدت من أنانيتك كأغلب الرجال الشرقيين،حين  أردت أن تطفئ فتيلا كان يضيئ حياتي حين أوقفت دراستي،وأصررت على حرماني شهادتي التي طالما كانت هدفي وطموحي..
وقلت "تمهلي ،،بعد الزواج ستواصلين دراستك وتحصلين على الشهادة التي ترغبين"وإذا بك صرت تلحّ عليّ، أن ننجب طفلا يؤنسنا،مرددا أن الزوجة لن تسعد إذا ماحققت مراد زوجها وأن الله سيغضب عليها حتما..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا