قصة بقلم حمادي آل حمد

تفوّق في دراساته الجامعية، وكان حلمه الالتحاق بأكاديمية الشرطة في العاصمة، وشجعه والده الذي لم يدّخر جهدا في توجيهه ونصحه، أما والدته فقد تركت له الحرية التامة في اختيار

مستقبله لأنها لم تدخل المدرسة قط ، ولكنها صاحبة حكمة وشأن وقدر هام من التجربة في الحياة ،وتم تحقيق الحلم واجتاز الامتحان بامتياز ، وأقبل على علم الجريمة ينهل منه ، ويستقي العلم من أمهات الكتب حتى نافس مدربيه ، وتخرّج بعد عامين بمرتبة الشرف ، وأرسل إلى دولة أجنبية لتتمة التدريبات والترقية نظير تفوقه ، وهناك أيضا كان له الأمر واستقامت له التدريبات وحصل منها على أوسمة شرفية ، وعاد مزهوا متفوقا إلى بلده ، وعيّن في العاصمة على رأس مديرية الأمن ، ومنها باشر أشغاله ،  وأظهر تميّزا وعلما جديدا في عالم الجريمة وفرض الأمن والأمان للمواطن وتهاطلت التهاني على مكتبه ، ورغم هذا لم ينس والديه وإخوته وتم جلبهم إلى العاصمة من المدينة الداخلية ، رغم معارضة الوالد في ذلك على أن يزوجه ولكن الشاب رفض فكرة الزواج وفضّل الاستقرار في حياته المهنية ،  وبينما كان يواصل دورة الحياة جاءته برقية استعجاليه من وزير الداخلية يطلب منه الاتصال بالوزارة فورا دون توضيحات ، فكّر مليا في الخطأ الذي ارتكبه في عمله ,لكنه تأكّد أنه لا خطأ إلى حد الساعة ، وراجع حساباته ، وقرّر تلبية ما جاء في البرقية ، وعند وصوله لاحظ اهتمام المستقبلين له ، وظن أن في الأمر مكيدة وحيلة للظفر به مسالما ، فسلّم أمره لله ، وأدخلوه على السيد الوزير فحيّاه وابتسم له ، لكن الغريب أنّ الوزير نهض من مقعده الوثير واستقبل الضيف ببشاشة بل وصافحه بحرارة ، والشاب مذهول ، وتزاحمت الأفكار في خلده ، وبادره الوزير قائلا : سمعتك سبقت التعريف بك سيدي الضابط ، تلعثم صاحبنا في الردّ ولكنه تمالك نفسه ، وشكر الوزير وقال : من بعدكم سيدي ، ومن توجيهاتكم نستقي الأوامر ، فردّ عليه الوزير : لقد حذّروني من لباقتك وذكائك الحاد وردودك المقنعة ، ابتسم علي للسيد الوزير وبادله الشكر، ثم طلب الوزير من السكرتيرة من خلال جهاز صوتي بعدم الدخول عليه والاعتذار لجميع المنتظرين في البهو بانشغال الوزير في اجتماع رسمي ،وعندها زادت شكوك علي في تخميناته وظهرت عليه بوادر القلق ، ولكن الوزير بدّد شكوكه الأولى قائلا : لقد اختارك المجلس الأمني القومي لمهمة سرية غاية في الدقة ، ولاقيت الاستحسان عند رئيس الجمهورية شخصيا ، ومدّ يده إلى الدرج وأخرج منه ظرفا كبيرا وسلّمه إلى علي ,أمره بفتحه ، فوجد شهادة تقدير وتشريف ممضاة من رئيس الجمهورية ، لقاء خدماته المميّزة ، وعجّل علي في الردّ على السيد رئيس الجمهورية بالشكر والثناء ، وهنا بدأت شكوكه في التبدّد نهائيا ،وصرّح للوزير أنّ ما يقوم به واجب وطني لا يمكن العدول عنه ، فقال الوزير مقاطعا عليا ولهذا تم استدعاؤك ، لواجب وطني من طرف الرئيس شخصيا وكلفني بمتابعة الأمر بسرية بالغة لما فيها من الخطورة على سلامتك وأهلك ، وعليه أطلب منك التقيد بالسرية التامة والتكتم حتى على المقربين منك كالوالدين وإخوتك وأصدقائك ، فأومأ إليه علي بالإيجاب ، وناوله الوزير ظرفا آخر أمامه ، وقال اقرأه هنا وأحفظ ما فيه من أدوار لك ونتخلص منه هنا بالحرق ، انكب على ما في الظرف يقرأه ويتمعن فيه والوزير يقلب بعض الأوراق والملفات أمامه ، ويلحظ عليا بين الفينة والأخرى ، وما هي إلا لحظات حتى قال علي وكيف نتواصل سيدي الوزير ، قال الوزير: الشفرة ، وسأعطيك البريد الالكتروني الخاص بي وبك فقط والسيد الرئيس ، لا يمكن الولوج إليه إلا ثلاثتنا ، وهو غير قابل للاختراق، ثم يتم تنفيذ الخطة أ يوم غد على الساعة الرابعة ظهرا ، أما البقية من الخطة فهي من تنفيذك أنت وكن حريصا جدا ، فنحن لا نريد أن يلحقك الأذى مهما كان نوعه وبعائلتك ، واطمئن كل الاطمئنان بأننا نتابع أخبارك لحظة بلحظة والسيد الرئيس متلهف إلى غلق هذا الملف نهائيا وبسرعة، ودار الحديث بين علي والوزير حول المهمة وتبعاتها وكل مرة يبدي علي ملاحظات في غاية الدقة ممّ جعل إعجاب الوزير يزداد به ، وبعد ساعات خرج علي من المكتب ، وقد لاحظ المهتمون به سابقا ذهولا وشرودا عليه ، بل هناك من ردّ عليه التحية ولم يأبه بهم ، وانصرف إلى مكتبه ، وأغلق على نفسه الباب ولم يكلم أحدا ، بل نهر الكثير من مساعديه في طريقه ، فتعجّب الجميع وتناقلوا الأخبار بسرعة ، بأنّ الوزير عاقب عليا وقد يشطبه نهائيا من سلك الأمن ، وكثر الهرج والمرج داخل القسم الأمني الذي عرف عنه الانضباط ، والتنظيم المحكم ، وخرج علي القسم متوجها إلى البيت ، والكل يتابعه بنظراته ، واستوقف سيارة أجرة مرت أمامه ، وقد تعوّد الركوب في سيارة الشرطة المدنية مع سائقه ، وهنا تأكدت شكوك العاملين معه في القسم ، وما كاد يصل إلى البيت ، حتى وجد بعض جيرانه في انتظاره وقد تغيرت ملامحهم ، فلم يسلم ونادوه ولم يلتفت ، وصعد درجات العمارة ودخل البيت ، وهنا سألوه ألف سؤال والجيران أمام الباب يسترقون السمع ، ولم ينبس ببنت شفة ، وعاد إلى الخروج غير مبال بالأسئلة ، والنداء عليه ، يسير من غير وجهة ، في شوارع العاصمة المكتظة بالمارة والسيارات ، وبات ليلته في حديقة عمومية ، مرة يسير ويعود إلى مكانه كأن الرجل أصيب بمس ، ولاحت طباشير الصبح فحمل نفسه وتوجّه إلى القسم ، فقابله مساعدوه العاملين في المناوبة وغير العاملين ، وحاولوا افتكاك كلمة منه ولكنهم لم يفلحوا وفتح مكتبه ، ولزمه لم يطلب شيئا ، وأعاد جميع الوثائق التي تحتاج إلى إمضائه ، دون التأشير عليها ، لكنه طلب السكرتيرة وقال : أنا لم آكل شيئا منذ يومين ، أريد طعاما سريعا ، ثم إذا جاء فردان من وزارة الداخلية يسالان عني أدخليهما  ولا أريد حديثا آخر،وخرجت الفتاة وزادت تأكيد صحة الخبر السيئ ، وعلم الجميع أنه مجرّد وقت فقط وتنتهي إدارة علي للقسم الذي يخافه المجرمون والمنحرفون ، والمستهلكون للمخدرات وغيرها من الجرائم ، حتى أصبح اسم علي يؤرّقهم ، ويذهب الكرى عن جفونهم ، وتناقلت أطراف العاصمة الخبر ، ودبّ الفرح والسرور عند بعضهم وتألّم الشرفاء لحال علي ، وعقّبوا على أنّ الدولة لا تترك نزيها بينها ، وجاءته السكرتيرة بالأكل وخرجت وهي تنظر إليه ولا يهتم بما أحضرته له , وتناول الأكل بعد خروجها ، وأخرج مسدسه وتفقده مليا ثم وضعه أمامه على المكتب ، والعرق يتصبب على جبينه ، ثم طرق الباب وإذ بالسكرتيرة تفتحه ، ويدخل وراءها شخصان تظهر عليهما الأبهة ويلبسان بدلتين أنيقتين ونهض لتحيتهما والسكرتيرة مسمرة أمام الباب ترتجف ، فلحظها أحدهما ، فمدّ يده وأغلق الباب في وجهها بعنف ، فمدّت يديها إلى وجهها تلطمه ، في غير شعور منها وخرج الضباط من مكاتبهم القريبة ، والكل مشدوها لا يلوي على فعل شيء ، وتبادل الكل نظرات التعجّب في الأروقة والمكاتب ، وساد الصمت لبرهة من الزمن ، ولكن طلقات النار بدّدت السكون من مكتب المحافظ الشاب وتم إطلاق الإنذار في القسم وتسلّح الجميع وأغلق القسم في وجوه الزائرين ، وانطلقت صفارات سيارات الشرطة ، اختلط الحابل بالنابل ، وتقدّمت فرقة خاصة كان علي ٌ قد أشرف على تدريبها تخصصت للحالات الطارئة بها نخبة من خيرة رجال أمن القسم الأمني وكسرت الباب باحترافية عالية ,دخلت المكتب فهالهم ما رأوا عليٌ يمسك مسدسه , والرجلان ممدّدان كل

1 _ يتبع

2 _ ستبقى الرواية دون عنوان الى نهايتها

3_ كل يوم ننشر لكم صفحتين من الرواية البوليسية المسلسلة

4_ تحية اجلال واكرام الى من قرأها وتمعن في كلماتها

5_ انفراد ديوان المبدعين العرب بالنشر فقط ، فلهم جزيل الشكر والامتنان

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا