الحلم (3)… قصة للكاتب بركات الساير العنزي

الكاتب القاص : بركات الساير العنزي
المجموعة القصصية الأولى ( الحلم )
ط- دار نوفا بلاس - الكويت

الحلم 3
...أنا وصديقي سامي ، تبادلنا الأحاديث المشوقة ، في كل شؤون الساعة ، ثم قال لي : يا أشرف أكمل حديث الأربعاء ، لأني متشوق للقصة أريد أن أرسم شخصياتها وأستفيد من مواقفها هذا الليل تضاحك نجومه سمارها
وأريد أن يضاحك قلمي الكلمات ويبتسم مع الشخصيات ، أسامر شخصياتي ، حيث يتكلمون كما أريد فهم خير الأصدقاء ....ولكن أوجز ولا تزيد من عواطفك وانتبه لنفسك . - نعم يا سامر سأكمل قصتي ولكن لا تقاطعني ، ولا تسخر مني :
.... كنت أنتظر يوم الأربعاء بفارغ الصبر، رحت أعد الأيام والساعات ويكاد صبري ينفذ ، أحسست أن نفسي ستخونني ، وستظهر ضعفي وأنا أحتاج إلى القوة ، أريد أن أبدو متمنعا رصينا. أردت أن أكلمها في الهاتف ولكن خشيت من فلتان الكلام من عقاله وأنا القادر على لجمه .
قلت في نفسي : ما لك يا أشرف ؟ أيعقل هذا منك ؟ أدركت أني أحمل من الأحاسيس والأشواق حمل جمل كما يقولون ، ويظهر أن عواطفي كانت مخفية في حالة من الغيبوبة أو الكمون في المصطلحات العلمية .
لا أريد استعمال الهاتف والمكالمات ربما أحرجها في ذلك ، وأتوخى الحذر في المكالمات إلا في الضرورة ،ولكن رسالة قصيرة وردت في النقال ، أثرت في مشاعري ، وهدأت نفسي ،حيث تقول:
طار الكــرى والعيـن دمعــها مثل الطــل
ألا يا ليت عينــي في حروف البيت مرســومة
شعرت بتيار دافق من العواطف الدافئة تنتابني ، لم أشعر بها في حياتي ، أدركت أني في طور جديد ،من الحياة ، وجدت نفسي أرسل لها رسالة ، ردا على رسالتها فقلت :
ســلمت العيون اللي تناظر شاشــــة الجـــوال
ألا يا ليـت نفســي في جوانب البيت منظومـة
رائعة الحروف ، عندما تعبر عن النفس في وضح النهار ، وفي وسط الليل ، فهي الوسيلة الوحيدة أحيانا، للتعبير عن الوفاء والصدق... الكلمات الصادقة لا يمكنك تكذيبها إذا كانت صادرة من قلب محب ، لأنها تحمل المشاعر التي تجعلك أسعد الناس.
سامي : نظرتُ إليه وهو يتكلم ، فشعرتُ أنه يكلم نفسه ، وفقد أطواره ،أردتُ أن أعيده للصواب فصحت به : أشرف .. أشرف فارتبك وقال لي ما لك فقد أفزعتني يا سامي .ألا تحس أنك مريض ؟!، أنت تهذي لا تعي ماتقول ، لقد أعمى الحب بصريتك ، لم أكن أصدق أنك ستسقط في مستنقع الحب . أصبحت شاعرا تكلمني عنها وكأنها ملاك .
-نعم يا سامي أرجوك دعني أكمل لك ، أفرغ جعبتي لعل قلبي يهدأ ، ولعل النار تنطفىء.
- لقد حذرتك سابقا يا صديقي ، ولكنك لعبت اللعبة الخطرة ، وقلت لك لا تلعب مع الحب ، ولا تلعب مع الكبار ... لأن اللعب هنا مثل اللعب بالكهرباء أو النار .. وأنت قد وضعت يدك في النار، على كل أكمل ولكن انتبه لنفسك.
- سبقتها على الطاولة ، وجلست أنتظرها، وقد أحضرت باقة من الورد زينت بها الطاولة.
... أقبلت كملاك يمشي على الأرض .. ارتدت فستانا جميلا بسيطا يدل على أناقتها، لفت شعرها بخمار أبيض ، وقد تدلت خصلة من شعرها على الجبين ، فتألقت جمالا ... ملامحها الناعمة توحي برقتها ، وأنوثتها ، نظرتها تضفي عليها ابتسامة الجو كندا .(أدركت أن صاحبي قد جن ، وأنه أحب حتى الثمالة )

...سلمت علي سلاما حارا ، أحسست بحرارة في يدها ، مسكت يدها ولم أتركها لثوان عديدة، فابتسمت ونظرت إلي ... فهمت منها الكثير ، فقلت لها ، عندما يحب الإنسان يجد جميع أعضاء جسمه تتكلم وتعبر ، عيناك تحملان الكثير قالت : وماذا قالتا لك ؟
تقول : أرجوك .. لا تخجلني بكثرة الترحاب ... لأن إحساسك مثل مداد البحر لا ينتهي ، ولا ينضب !! فقالت : لا تكثر علي ... أعطني الدواء على جرعات ،أخشى أن تنتهي كلماتك ، قبل رواء الظمأ .. فتتركني كالشجرة العطشى تشرف على اليباس فتموت بأرضها وتبقى متشبثة بالأرض ، ولكن دعني أحدثك عن نفسي ..
... في بيت كبير ، كبير بالحجم ، وكبير بالعائلة ، أولاد كثيرون ، والحمد لله ، وكنا ثلاث أخوات ، وأنا البنت البكر .. بيتنا يمتلىء بالحركة والضجيج والصراخ ، وقد تعودنا على ذلك ، فمكانة أبي كبيرة بين أعمامي وأقاربي .والحال ميسورة والحمد لله ، وكان والدي سيدا مطاعا في البيت ، له حضوره ، كلماته ترن في آذاننا وقلوبنا استحوذ على حب الجميع .. يكن الاحترام الشديد لأمي ، التي كانت سيدة البيت ، فقد منحها والدي مكانة خاصة ، لم أسمعه يوما يخطىء بحقها.. يتحاشى أن يعاتبها أمامنا أو أمام الغير .. مما منحها ثقة زائدة في نفسها، تنظر إلى أولادها وتحصنهم كل يوم بآيات من القرآن الكريم والمعوذات ، تخاف عليهم من الريح ، تحمل همومنا جميعا .. وتعرف كل مشاكلنا ..لم نفكر بمشاكلها في يوم من الأيام .. كنا نحس أنها في قمة السعادة ،ولكن خيط من الحزن كان يلفها ، وغامض علينا . كان قلبها نبعا من العواطف يتدفق ، يملأ البيت بالسعادة والهناء .تتحرك بهيبة ووقار، تفرض احترامها للجميع ، لم أشعر يوما أنها أغضبت أحدا ، أو استهزأت بشخص آخر ، تكمت غضبها، وتظهر فرحها في الوقت المناسب ، تسامح من أخطأ معها ، لا تعرف الحقد والكراهية . امتلكت قلوب الجميع داخل المنزل وخارجه . كانت المثل الذي يحتذى ، لكن من الصعب أن تصل إلى القمة ، فقد كانت قمة ، مصدر الفخر لنا . أحسسنا أننا نملك الدنيا ، وأن الحياة تمضي حسب إرادتنا ، كبر أخوتي وتزوج اثنان منهم .. وتخرجا من الجامعة .. تنظر إلي نظرات عميقة ، وتوصيني بأخوتي ، وبأن أهتم بنفسي، لم أفهم مغزى ذلك يومها

.. بدأ جسمها الجميل المتناسق يذوب يوما بعد يوم .. وراحت قوتها تضعف .. اصفر وجهها الجميل المدور بعد البياض ، وعلى غير ميعاد فارقتنا ، هوت مثل سقوط النسر ، لم تستسلم للمرض بقيت عابدة ساجدة لربها حتى موتها ، وتركت الغصة في نفوس الجميع . ..بقي طيفها يسري في كل جنبات البيت لسنوات عديدة ، قد تتبدل المواقف ، لكنها بقيت الموقف الأقوى في حياتنا حتى اليوم . رقدت في سبات أبدي ، ماثلة في نفوسنا . كنا غير مصدقين ، لم نصدق أن الحياة ستنقلب علينا ، بهذه السرعة ، خيم حزن كبير علينا،شعرت بنهاية الزمن ، وأن صفحة من الفرح قد انطوت ، فتحت الأيام صفحة الحزن ، وهدم الإعصار شجرة السنديان التي قاومت بصلابة .

حاول والدي التخفيف من المصاب بتذكيرنا بالصبر ، والطاعة لمشيئة الله . لم يفارقنا والتزم الآخر البيت يواسينا ولا يتركنا لنفسا ، أصبح الأب والأم لنا ...راح يمحو الأسى من قلوبنا بحنان ورفق .

- أرجوك يا أنوار أن تسكتي وتكفي عن الكلام ، وناولتها منديلا تمسح الدموع الساخنة التي فاضت على الوجنتين المتوردتين . وقلت لها : أطربني عذب الكلام ، وأشجاني القلب الرقيق ، فاضت الحنايا بالشعر الوفي ، أمام عظمة الأم ... رسمت لوحة جميلة لكل أم عظيمة .في كل يوم تعظمين في عيني ، تتطاولين في حزنك ، وتكبرين في كلامك ، وتشمخين بتفكيرك ،أي ملاك أنت ؟ جئت لأمضي سهرة رائعة مع حديث الدلال ، ورؤية الغزال ، أنت الجمال كله !
ناشدتك الله أن تسكتي وتقفي عند هذا الحد من الكلام. الحياة فرح وحزن ، وضحكة ودمعة ! ومن الصعب اللحاق بالعظماء !! ولكنك عظيمة في نفسي ! الوردة بحاجة إلى الماء .قالت : يكفيني هذا يا أشرف، دعني في حلمي الوردي وصاحت على النادل: - أيها النادل ، جهز هذا المكان في مثل هذا اليوم . ثم التفتت إليّ وقالت :إلى اللقاء يا أشرف ، وتصبح على خير ، موعدنا الأربعاء القادم

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا