المارد والمدينة…. قصة للكاتبة مريم العلي

المارد .. والمدينة

أينَ هيَ الأفكارُ المتسابقةُ في الظهورِ إلى ساحةِ الوجودِ تبحثُ عنِ الانطلاقِ
والتوسع ؟.
ماذا ألمَّ بالروحِ المتمردةِ التي تجولُ في فضاءٍ رحبٍ لا حدودَ لهُ
كيفَ اختفتْ معالمُ الفرحِ والسعادةِ من حياته ؟.
متى كبرَ هذا القزمُ وأصبحَ مارداً رهيباً يسيطرُ على كلِّ شيءٍ .. يأخذُ ما يريدُ ويتركُ ما يريد ؟.
هوَ منْ أسكنهُ المدينةَ لأنهُ لا يهابُ الأقزامَ ، واستمرَّ يعيشُ حياتهُ بسلامٍ وأمانٍ لا يخافُ تهديداتهِ ويسخرُ منها لأنها ليستْ سوى مفرقعاتٍ يعبثُ بها الأطفال .
لكنَّ القزمَ أخذَ يكبرُ ويكبرُ حتى أصبحَ مارداً قوياً ينشرُ حصاراً حولَ المدينةِ ويبثُّ الرعبَ في النفوس .
أيُّ حصارٍ يحيطُ به ؟.
هل هوَ حصارُ الخوفِ .. حصارُ القلق ؟.
لا إنهُ حصارٌ أقوى وأفظعُ من أيِّ حصارٍ آخرَ .. حطمَ كلَّ شيءٍ بداخلهِ ولم يتركْ لهُ إلا الانكسارَ والانهزام .
نادتهُ زوجهُ .. لكنَّ صوتها تلاشى قبلَ أن يصلَ إلى أذنيهِ هزتهُ بعنفٍ قائلةً : الأولادُ بحاجةٍ لثيابٍ جديدةٍ .. العيدُ قادم .
نظرَ إلى عينيها وسرعانَ ما امتدَّ انكسارُهُ وانهزامُهُ إلى داخلِ ذاتها فانسحبتْ صامتةً إلى أولادِها وعانقتهم بنظراتها ، فامتلأتْ ذواتُهم بما أرادَ الماردُ لهم .
بعدَ أيامٍ جرتهُ قدماهُ المتعثرةُ إلى شوارعِ المدينةِ وهالهُ ما رأى . كانَ الحصارُ يلفُّ المدينةَ من كافةِ أنحائِها ، تُرى الماردُ فعلَ ذلك !!؟.
أمِ انكساراتُهُ وانهزاماتُهُ امتدتْ إلى المدينةِ وفرضتْ عليها الحصار .
ماذا يفعلُ .. ؟
في كافةِ الأحوالِ أرعبَ الماردُ المدينةَ بتهديداتهِ ..
فكيفَ يقضي عليهِ إنهُ أقوى مليونَ مرةٍ من كلِّ المواجهاتِ التي يمكنُ أن تتحداه ، عليه أن يبحثَ عن حلٍّ .. كيف .. لا يعرف ؟.
تجولَ في المدينةِ الشاحبةِ التي كانت يوماً ما صرحاً عالياً في التاريخ .
التاريخ .. أينَ هوَ التاريخُ ؟.. كيفَ تخلى عنْ مدينتهِ العظيمة ؟.. ترى ماذا يحملُ الماردُ غيرَ التهديداتِ لهذهِ المدينة ؟..
قهقهَ الماردُ ساخراً منهُ وكشفَ لهُ عنِ الجثثِ المتفسخةِ التي يحملُها وراءَ ظهرهِ ويلقي بها عندَ أطرافِ المدينةِ لتقتلَ بطاعونِها كلَّ منْ تسولُ لهُ نفسُهُ بالدخولِ إليها .
تذكرَ شيئاً ... الماردُ خلّفَ لهُ الإنكسارَ والإنهزام .. الإنهزام ... وأخذَ يفكرُ بالإنهزام .. بحثَ عنهُ لكنهُ لمْ يجدْهُ .. منذُ قليلٍ كانَ رابضاً في داخله .
أينَ هوَ ؟.. كيفَ أخذهُ الماردُ بهذهِ السرعة ؟..
أصبحَ الآنَ رجلَ انكساراتٍ فقط .. كانَ الإنهزامُ يريحُهُ قليلاً .
نظرَ في وجوهِ المارةِ في شوارعِ المدينةِ ، كانتْ هياكلَ بشريةً تتحركُ ذهاباً وإياباً لا تعرفُ ما تريد .. وقرأَ عيونَهم التي كانتْ مرآةَ أعماقهم .. كانوا سواسيةً
لمْ يبقَ لهمْ سوى الانكساراتِ التي ستنهارُ عندَ أولِ صرخةٍ يطلقُها المارد .

**
من مجموعتي القصصية  المطبوعة
"ظمأ فارغ "

مريم محمود العلي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا