حكايا طائشة للقاص صباح خلف العتابي

حكايات طائشة
الحكاية رقم ( ٢٣)
مثل كل يوم نظرت في المرآة، ولكني لم ار نفسي .. بل شخصا اخر اكثر سعادة مني ..
والطف مني ... بل وحتى اصغر كثيرا مني  وقررت حينها ، وعلى نحو سريع ان اذهب الى ( مدينة الالعاب ) قررت ان اشعر بالسعادة اليوم وانسى ( الستين ) عاما من عمري بل اكثر ، وان تكون هذه الليلة جيلا كاملا ..
هذا امر لم اخطط له من قبل .. ولكنها فكرة اكتسحتني وقررت القيام بها على الفور .
كان حلمي ان ادخل ( كهف الرعب ) ، واركب ( سيارات التصادم ) .
دخلت الكهف اولا لانه بكل بساطة مظلم جدا .. ولن يراني احد وانا اصرخ كالاطفال
وباعلى الاصوات .. وانزع خجلي هناك ، سار القطار سريعا في الطرقات المظلمة المتعرجة وقد مارست حق الطفولة كلها وامتزجت قهقهاتي العالية جدا مع عبث الاطفال ، وعندما خرجنا من العتمة الى الضوء بدأت ابحث عن مكان آخر انزع فيه وقاري الستيني .
لبست شجاعة وطيش الاطفال وصعدت ب ( سيارات التصادم ) وافرغت مافي داخلي من عبث وثورة
هذا امر لايفهمه الكثيرون ، وكنت انا ايضا لا افهمه ، ولكن روحي المتقافزة اليوم تفهمه بجدية وتشعر بانها اوسع من المحيط ، انا الان في مكان ليس للكتاب فيه ولا الشعراء الحالمون مكانا ..
—- اني مصاب بالخرف التام ..
الناس من حولي ينظرون بذهول واستخفاف ، فصحت بهم :
— كفوا عن ملاحقتي بعيونكم البغيضة تلك ، فانا في موسم الطفولة الان .. هذه حياتي ، فاخرجوا منها ..
انا المثقف ذو النظارة .. اشاطر الاطفال عبثهم اليوم فقد فاتني ذلك سنين طويلة ، وها انا اليوم افعلها وباصرار .
نأيت بنفسي  طويلا عن الفرح .. وها انا اليوم في اضخم تطور في حياتي ، احاول الافلات من شيخوختي .. متيقنا بان الزمن سيلحق بنا .. وسيهزمنا وتتحطم القلوب يوما .. وعلي ان امارس السعادة فورا وقبل فوات الاوان ، وعلي الا ابالي في كوني رجعت طفلا ، لاني شعرت هذا الصباح وفي مرآتي بان هناك جزء مني غير مألوف بالنسبة لي ، وعلي اليوم ان امارس هذا الهروب الكبير جدا .. اريد ان اختفي بين الثلوج او اصعد نحو السماء .
— هل هذا انا ..؟؟؟
نعم هذا انا الذي في المرآة ، ولقد رأيت ما اخترت رؤيته ، وما احتجت اليه ..
— وما العيب في الطموح بالفرح ؟؟
مدينة ( الالعاب ) هذه قد منحتني الحرية الكاملة اخيرا .. والعواقب الوخيمة ، وضياع الهيبة والشرف لن تمسك بي بعد الان .. والقواعد ستكسر ..
شعورا كبيرا بالرضا اشعر به الان  ، ولاول مرة احس بضوء المصابيح تتلون فوق وجهي وتمسح الشيب عن لحيتي ، وحركة الرياح تداعب شعري .

        (( صباح خلف العتابي ))

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا