الحلم… قصة للكاتب بركات الساير العنزي

الكاتب القاص أ /
بركات الساير الفدعاني العنزي
المجموعة القصصية الأولى ( الحلم )
ط- دار نوفا بلاس - الكويت- أرض المغارض مشرف
الحلم 2 -
لازالت حلمني يشغلني وهو يجر ذكرياته القريبة والبعيده ، لعله يرجع إلى صداقتي بعد أن طلقته . رجعت إلى البيت،
.....رن جرس الهاتف ، نظرت إلى الرقم إنه رقم أنوار ، ماذا تريد في هذه الساعة المتأخرة من الليل؟ ... ألو .. أهلا أنوار - كيف عرفتني فورا ؟.- ولو من الكاشف - هل تقبل دعوتي؟ - أي دعوة يا أنوار ؟ - أنت مدعو غدا على سهرة جميلة نقضيها معا على البحر في استراحة....... في السالمية على شاطىء الخليج، الساعة التاسعة .- حسنا اتفقنا إن شاء الله .فاجأتني دعوة أنوار ، خطوة جريئة جاءت بعد وقت متأخر.
... تم اللقاء حسب الموعد ، وكنت على أحر من الجمر لهذا اللقاء، جلسنا على طاولة منعزلة تحت الضوء الخافت على شاطىء البحر مباشرة . لأول مرة أدخل هذا المكان الجميل لكن الأجمل ما فيه وجود أنوار. لقد سبقتني إلى المكان وأعدت كل شيء .
-هذا مكان شاعري ورومانسي يا أنوار ! .حتى العشاء قد طلبته وأنت تعرفين ....
ولم تدعني أكمل كلامي فقاطعتني : أعرف أنك لا تتناول العشاء ، ولكنه عشاء خفيف . فقلت المكان جميل من جمال الموجودين ، فضحكت وقالت : المكان منوّر بمن فيه .- فقلت : أجمل ما في المكان إطلالة أنوار.
.. ثلاث سنوات وأنا أرى أنوار، لكنها هذه المرة التي أجلس معها لوحدنا، خارج بيتها، بدت لي بكامل أنوثتها وأناقتها، فنسيت العالم المحيط بي. رأت دهشتي فقالت: - مالك يا أشرف ؟ -قلت : لا لا شيء ولكن جمالك أسرني . -قالت : صدقني من سنوات عشر عجاف لم أسمع إطراء من أحد حتى شعرت بموت مشاعري.
-قلت : من الخطأ يا أنوار أن نشعر بالقنوط واليأس وننهزم أمام أحلامنا. والأفضل للإنسان أن يعوّل على الظن الحسن دائما .
- ولكن كيف أعرف الظن الحسن .قد يمرني وأنا لا أشعر به ، يمرني مثل الغمام العابر .- الظن الحسن تعرفينه من نداء القلب .. يأتيك كرسالة الوحي .
- قالت نعم .. نداء القلب هو الذي جرّ علي المتاعب، ورسالة الوحي لم تشفع لي عند زوجي الذي طلقني من غير سبب . لهذا طلبت منك الحضور أردت أن أتكلم....لا أحد يسمع لي ، أحسست بحاجتي إليك ، طالما كلمتك كثيرا ولكنك لم تسألني عن نفسي.
-نعم ، لم يكن هذا تجاهلا ولكن لم أشأ التدخل في خصوصيتك ، خشيت أن أفتح جرحا فيؤذي المشاعر الرقيقة .
- أحسست بهذا والوحي في قلبي هذه المرة لن يكذبني، لهذا جئت إليك، انتظرت منك المبادرة لثلاث سنوات، ألا تكفي للتعبير عن الأحاسيس ؟! . ولو بالكلام العذب
- قلت : الكلام ليس له حدود ، نسجنه لسنين طويلة قد يموت في سجنه ، وقد ينطلق كثورة الشعوب المقهورة التي تحطم أسوار سجون الصمت الطويل الذي عاشت فيه
ومنذ زمن وأنا أريد الهمس القليل ، لكني كنت أشعر بجدار فاصل بيننا كجدار برلين ، ولكن حتى جدار برلين تهدّم وأصبح جزءا من التاريخ .
- قالت عندما تقدم لي زوجي السابق وكان موظفا معي في نفس الدائرة الحكومية، قبلته على مضض ، جميع الأهل عارض الزواج من رجل لا يليق بي كما قال أبي:
من عائلة لا ترقى إلى مصاف عائلتنا ، وقلت لأبي هذه نظرة خاطئة يا أبي كلنا من آدم ...وسكت وقال : أنا قلت رأيي ، وأنت مسؤولة عن نفسك . حتى زملائي وزميلاتي في العمل حذروني منه، وقالوا لي لا يترك امرأة إلا ويتقرب منها ويوقعها بلسانه العذب وشخصيته الجذابة. ولكني تجاهلت كل النصائح والتحذيرات واستمعت لصوت القلب قبل العقل .
وتزوجته رغم انف الجميع، فقد جذبني مظهره وكلامه المعسول، واكتشفت بعد الزواج أن المظاهر خداعة، والكلام المعسول في باطنه السم.
.. كان زواجي بدافع الانتقام من ابن عمي الذي كان يريدني، وكنت أنتظر أن يتقدم للزواج مني، ولكنه جاء بامرأة من البلد الذي درس فيه، وأهلي ذهبوا يباركون له بل استقبلوه في دارهم. أردت رد الكيد بطريقتي ،رافضة الزواج عن طريق الأهل، وكان ما كان .لقد انتقم مني الزمن قبل أن أنتقم منه.
توفيت أمي وعمري خمس عشرة سنة ، عندها فقدت الصدر الذي يسمع أناتي ، أنا الكبرى في أخواتي .لم أجد من يعلمني أمور البنات ، شعرت بأني لا أعرف شيئا لم أجد امرأة حنونة أسألها إلا عمتي ولكني أخجل من السؤال ، فكان الغموض يحيطني أحيانا .
لم أحسن التصرف أحيانا ، كان فيصل ابن عمي يزورنا في إجازاته كثيرا ، كنت أعرف أنه يريد الزواج مني ،ومع ذلك أقابله بجفاء أحيانا ، لا أعرف السبب ، ولاأشعر بميل نحوه.. كنت سابقا أميل لابن عمتي ... ولكنه خطب أختي بدلا مني . وحاولت تقبل الأمر وأن أقبل فيصل.
ولكني لم أحسن التصرف معه أحيانا، لم يعلمني أحد. لا أما ترشدني، ولا أختا تهديني. وأحيانا أخرج وأتركه لوحده في البيت، سمعت همسا من الآخرين: أني مغرورة. ولم أك كذلك .
دخل مرة إلى البيت مع أبي وأنا جالسة في الصالة مع العائلة وكنت أضحك بسرور مع ابن عمتي معن، شعرت بتغير أحوله واكفهرار وجهه ، اعتذر من أبي وخرج ولم يعد بعدها إلا بعد عامين مع زوجته الأجنبية .
أنجبت من زوجي الذي اخترته بنفسي ولدين وابنة واحدة، جعلوا الحياة جميلة في نظري.حاولت الصبر عليه خوفا من شماتة الآخرين، وحبا لأولادي، وكتمت حسرتي في نفسي، تركني وتزوج ثانية وطلقها، وتزوج من الثالثة، أشكوه إلى الله. لقد قوض حياتي و حياة أبنائي إذ حرمهم من الأب الحاني، أردته ظلا ولكني عجزت، فقد كان كالشجرة المعوجة لا يمكن أن تقومها.لقد طردني من منزله ليتزوج. تركني ولم أك سيئة الظن ، بل كنت الزوجة المخلصة الإخاء ، تعلمت الكثير ، ولم يفدني ذلك. حاولت جذبه ناحيتي، بالغت في إطرائه، أظهرت له مشاعري ولكن كل ذلك لم ينفع معه شيئا. لم أمدح رجلا بحضوره حتى ولو كان أخي حتى لا أغيضه ليبقى معي ولم يفد ذلك، عملت المستحيل معه من أجل أطفالي ومن أجل نفسي خوفا من شماتة أهلي والآخرين . رجوته أن يظل كخيال، لكنه ميت الضمير...نمت على جرحي وصبرت، ووضعت اهتمامي في أولادي، وكرهت الرجال في نفسي.. ولكن ابني سيصبح رجلا، هل أكره ابني أو أبي أو أخي.. إنها نظرة قاصرة .
قال لي سامر مرة منذ مدة : تزوجي يا أمي ولا تخافي علينا لقد كبرت ، شعرت بكلماته كالفجر عندما يغشى بقية الظلام لينشر النور . ضممتهم تحتي جناحي وبكيت فرحا وحزنا .
انسابت الكلمات العذبة كترانيم ترافقها موسيقا الأمواج التي ترتطم بالصخر.تكلمت لي عن نفسها وحياتها، أحسست بالكلمات الحزينة المنطلقة من الصدر الدافىء كورود تناثرت رحت ألتقطها وأجمعها لأزين بها الطاولة . شعرت بصدق مشاعرها وعواطفها فلامست الكلمات وجداني وأحسست بالقنوط ينتابها ، الدموع تتساقط كقطرات الندى على بتلات الزهور.وتابعتْ كلامها وأنا مصغ لكل كلمة منها.
مات والدي ولم يسامحني على خطئي ، مما زاد من آلامي وأحزاني. ما قصر من ناحيتي فقد ساعدني ، وأسكنني في بيته ثلاث سنوات ،حتى استلمت بيتي من الدولة
ربما أزعجتك بثرثرتي وكلامي وقصتي ، لكن آمل أن يتسع صدرك لي إنها قصة جرح لا يزال ينزف ولا يجد من يضمده .
- لا أكتمك سرا يا أنوار كلامك مثل الدرر المكنونة ، سأجعل منها قيثارة لأدبي أشحن بها عواطفي كلما جف قلمي ، لأن الكلمات العذبة غذاء الروح ، وفي وقت تكون النفس عطشى لكل كلمة رقيقة حساسة .
كم أنا سعيد ! بعد أن حطمتِ سور الوهم، وخرجت إلى أحضان الطبيعة الجميلة .في هذا اللقاء قرأتُ الكتاب حرفا حرفا من العيون ومن الجفون ، كان كتابك معينٌ لا ينضب .أدركت العظمة في شخصيتك.إن فشلت في الزواج ،فقد تطاولت بعظمة الأمومة زرعت حبا وستحصدين وردا من الأرض الندية . شعرت بك كبشرى الخير، ومسرى النور.أردت أن أمنعك من الكلام ، في بداية الحديث خوفا على القلب الرقيق، لكني شعرت أن الكلام دواء القلوب إذا ما عجز الطبيب .قالت: ( وقد ارتسمت ابتسامة عريضة على شفتيها، ولأول مرة ألاحظ هذه الابتسامة )
-لقد أدركت كل شيء ، ولا أريد لهذه الموسيقا العذبة أن تنتهي لقد قلت بيانا يملأ النفس سعادة. ما أحوجني إلى كلمات كهذه تروي نفسي! ، لقد كنتُ كالصحراء الجرداء المقفرة.
-أردت الكلام ولكنها منعتني قائلة هذا يكفي، دعني في حلمي الوردي وصاحت على النادل:- أيها النادل ، جهز هذا المكان لنا في مثل هذا اليوم من الأسبوع القادم . ثم التفتت إليّ وقالت :إلى اللقاء يا أشرف ، وتصبح على خير ، موعدنا الأربعاء القادم .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا