امرأة جرة الفخار… قصة للاديب وليد .ع .العايش

- امرأةُ جرّة الفُخّار –
____________
لم أكن أحلمُ بأنْ أكونَ هنا ذات يوم ، فقد ملأت النقودُ جيوبي ورأسي ، كما تملئُ امرأةٌ جرّة الفُخّار بماء النهر ، ظننتُ بأنّ المطرَ سيكون لي فقط ، وبأنَّ الزورق الذي امتلكهُ لن يُغادر المرفأ دوني .
نظرتُ حولي نظرةَ خوفٍ ك أرنبٍ صغيرٍ فرّ من وكر ثعلبْ ، لم تكن الوجوه مألوفة لدي كما كانت قبل لحظات ، حتى لون السماء تغيّر فجأةً ، زورقي بقي هناك وحيداً ، يبدو مُتعباً للغاية ك فلاحٍ عائدٍ من الحصاد والشمس تلسعُ صلعتهُ المُقفرة .
رأيت بالقرب مني امرأةً جميلة - وأنا الذي ما زلتُ أُحِبُّ الحسناوات كثيراً - دنوتُ منها ، ابتسمتْ على خجلٍ , كان الحياء في ذروته ، انفرجتْ أساريري المُكتظة بأشياء كثيرة ، تُشبهُ أيكةً كثّة ( أين نحن أيتها الحسناء ) سألتُ المرأة ... ارتفعتْ ضحكتها أكثر حتى كادت تعانقُ شِبَاكَ السماء ، ف بدتْ أجمل من ذي قبل ، انتظرتُ كثيراً لتلقي الإجابة , لكنّها أشاحتْ عني دون أن تُجيب ، ظهرتْ مفاتنها بشكلٍ كاملٍ وهي تلفُّ حولَ نفسها ( يالك من امرأة , لو تعرفّتُ عليك قبل أن أتزوج ) طبعاً مازلتُ أؤنِسُ نفسي بحديثٍ منفرد كعازف عود لا يسمعه إلاّ الصدى .
خطرت لي فكرة، سوف أُغنّي لها أغنيتي المفضلة، صوتي كان جميلاً هناك !!! بدأتْ تتمايلُ على صدى كلماتي، يبدو بأنَّ صوتي راقَ لها، خصرها تحركَ باتجاهات مختلفة ولكن بتناسق وتناغم مثيرين، شعرها كادَ يلامس كَبِدَ الأرض ، نور يشعُّ منْ ثغرها المرسوم ك لوحةْ ، ارتفع ثوبها الذي لم استطع تحديد لونه إلى الأعلى ، وكأنّهُ شعاعٌ قزحيٌّ يجتازُ رؤوس الجبال ، لاحَ جزء من ساقها ، إنّه أبيض ك الثلجِ البلوري .
انتهت الأغنية، توقفت الحسناء عن الرقص، عُدّتُ إلى الوراء قليلاً ثُمَّ كررتُ السؤال: ( أينَ نحنُ أيتُها الحسناء ) ... اقتربت مني دون أن تتكلم ، تهافتتْ أنفاسي ك عجلاتِ قطارٍ سريع ، قلبي يقفز من حفرته الترابية حتى اقتربَ من التوقف عن العمل ، اِلتفّتْ ذراعاها حول عُنقي : ( يا إلهي ماذا يحصل ... ماذا تفعل هذه المرأة !!! ) ... تلوّنتْ الأشجار القريبة بألوانِ عاصفةٍ خماسينية، ترامى إلى أذني صوت كنارٍ من جهةٍ مجهولة، زخاتُ المطر كانتْ لطيفة جداً، أما جسدي فكان يعيش طفرةً لا تشبه كل ما صادفتُ في حياتي حتى ذلك اليوم .
استجمعتُ قواي الحاضرة , والغائبة ، انطلقتْ ذراعاي نحوها ، أصبحَ رأسها بين يدي ، سحبتها بنعومةٍ نحوي ، ثغري يدنو من شفتيها آنذاك ، اِنتفضتْ مُبتعدة .
كُنتُ في ذروة الانتشاء البطولي، ضربتْ حَبّةُ بَرَدٍ وجهي، مسحتُ الماء الذي انسالَ منها، نظرتُ مرّةً أخرى إلى كل ما حولي، سألتُ نفسي: ( عن البشر ، عن الزورق ، عن سيارتي الفارهة ، عن أسطوانة الموسيقا التي لم تفارقني في سفري , عن وعن ... ) غاب الجميعُ قبل حلول الظلام .
جاء صوت الحسناء ليوقظني مما كنتُ فيه: ( إنّكَ هُنا يا ... هُنا ... لن ترى أحداً سواي بعد اليوم ) ...
________
وليد.ع.العايش
15/10/2019م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا