الحلم… مجموعة قصصية للكاتب بركات الساير العنزي

أبو مروان العنزي
الحلم 4
من المجموعة القصصية 1 الحلم
ط-- دار نوفا بلاص - الكويت

.........دخلت أنوار غرفتها ،وألقت بجسدها المتعب على السرير . شعرت بالسعادة ولكن خيطا من الحزن كدر سعادتها . وجدت نفسها أمام محاكمة عقلية . ماذا تريدين يا أنوار ؟ وماذا بعد ؟ إياك أن تحطمي قلب أشرف ! لقد توله الرجل بك إلى حد الجنون !! . نعم ولكني تولهت به أكثر .. له يرتاح فؤادي ، ويسكن في كياني ، ويرسم خيالي ...! أشرف سيبقى صورة بديعة في ذاكرتي ، وقطرة من قطرات دموعي . ولكن مهما كان فلن أقدم على الزواج ، حبا لأولادي .. سوف أصارح أشرف بذلك . حتى لايحسب ذلك خيانة وغدرا . أحست أنوار بتعب جسدها كتعب قلبها ، أغمضت عينيها تحلم بالأربعاء القادم .. فيه زادها ورواؤها .
... وقفت أنوار أمام المرآة طويلا ، تأخذ زينتها .... بعد ساعات ستلتقي بأشرف على شاطىء البحر ، المكان المعتاد .
وصلت المكان وجدت أشرف قد سبقها ، والابتسامة العريضة بادية على وجهه ، توسعت عيناه ووقف مذهولا أمام جمالها . وقال لها : دائما أنوار رائعة .. ناعمة ..! ملاك يمشي على الأرض .
وقاطعته أنوار يكفي يكفي لقد جعلتني مغرورة بنفسي سأصدق ذلك .. اختزلت كل الكلمات الجميلة ، غمرتني بالسعادة .. ضحك أشرف ، ونظرت إليه بخجل ...
.... دعني أتكلم ، أحس بحاجة للكلام ... ولكني أريد أن أقول لك ... قاطعها أشرف أنا الذي أريد أن أقول أرجوك اتركيني أتكلم :
-قلت لك سابقا : يرحل الحب عندما تموت الكلمات ويصبح عاجزا عن التعبير وتحل الدمعة مكان الابتسامة ... لا أريد أن أنساك أبدا ليكن حبنا مقدسا طاهرا .. أرجو أن تعرفي أن حبنا لن يصل إلى الزواج ، أشعر بقيود كثيرة تحدني عن ذلك فلا تغضبي مني .. ولا تتهميني بالخيانة أو الغدر! حبنا لن يكون أكذوبة من أجل الفراغ ، كان عابرا مثل الغمام، ولكنه حب راسخ الأقدام ، ترك بصمة في نفسي ، من الصعب أن يمحو الزمان أثرها....!
تغير وجه أشرف وشاب وجهه صفرة غير معتادة ابتلع ريقه ثم سحابة لفافة التبغ .. ينفخ من خلالها همومه وأحزانه ... شعر أنه سيترك حبا ترسخ في القلب .. ورأى خيال ريما أمامه ، تتجدد ريما بصورها وخيالها أمام ناظريه لطالما حلم بلقاء ريما وهاهي أمامه بصورة ثانية ..
التفت إلى أنوار وقال : أتعرفين يا أنوار ؟! .. الحب الخالد هو الذي لا ينتهي بالزواج .. انظري إلى قصص العاشقين ستجدين أغلبهم لم يتزوجوا ولكن حبهم بقي خالدا ... لم يمت .
... نظرت أنوار إلى أشرف وقالت : البحر اليوم هائج .. ألا تشعر أن عواطفنا اليوم مثل أمواج البحر المتلاطمة .؟. سبحان الله ، كنت أود أن أصارحك بمشاعري وبرأيي .. وأنا محتارة بالطريقة التي أفاتحك بها الكلام ، ولكنك سبقتني في التعبير عن مشاعري .. ألا تلاحظ كم نحن متشابهان حتى في العواطف والتعبير؟ !
مرة ثانية تتكرر الصورة يا أشرف .. عندما كنت صغيرة ، كنت معجبة بشخصية عمتي أخت أبي ، كانت صاحبة شخصية قوية ، تأسر الحاضرين بوجودها ، وكم نشتاق إليها .. بعد موت أمي .. أصبحت مثلي الأعلى .. وأعطتني من حبها وحنانها وتوجيهاتها ، وكانت عيني الثانية على ابنها أحمد الذي أكثر من زياراته لنا عندما يحضر أحمد أحس براحة غريبة ، وأنجذب نحوه .. أحاول لفت انتباهه نحوي.. دائما نظراتي تتجه إليه . ربما بالغت بإحساسي ، وهو لا يدري عني ، وربما تناساني . أو تجاهلني ، ولا يريد أن يظهر حبه ، و أكاد أصاب بالجنون عندما لا أراه .و إذا حضر .. يتلعثم أمامي وأشعر بارتباكه .
وأحس به يسرق النظرات اتجاهي إذا ما صددت عنه .. وعندما ألتفت إليه يطرق بنظراته إلى الأرض .. ولكن عينيه تفضح شعوره .. ويكتم في قلبه بركان من الأحاسيس ، عرفت فيما بعد أنه لا يجرؤ في التقدم لخطبتي لأن عمتي أفهمته أني مرهونة لابن عمي في الزواج ..
....كانت المفاجأة عندما حضرت عمتي إلى البيت مع زوجها وأولادها وبناتها .. وعرفت أنها جاءت تخطب أختي أسرار ... أحسست بنار تحرق صدري . وأن يدا خلعت مضغة من جسدي .
قالت لي عمتي : اسمعي يا أنوار جئت لأخطب أسرار لابن عمتك أحمد . كنت أود أن أخطبك ولكن أباك قال لي : إن عمك يريدك لابنه فيصل ، وفيصل شاب خلوق وأنت تستحقينه ...
تقبلت الأمر ، وعضضت على جرحي .. وآثرت الطاعة وتنفيذ رغبة أبي وعلاقتي مع فيصل لا تتعدى زياراته القصيرة لنا في إجازاته من أوروبا .
ولكنني تقدمت من أختي وقلت لها : مبروك وألف مبروك . وشعرت أن حبي لأختي يستوجب التضحية من أجلها . أنا أكبر منها بعامين ومسؤولة عنها وبمثابة الأم لها. وقالت لي أختي :أرجو أن لا تغضبي مني يا أنوار ، ولا تضعي في خاطرك شيئا اتجاهي .

مرت الأيام وأنا أنتظر فيصل ابن عمي .. الذي غاب عن الوطن ما يقارب العامين وتخرج فيصل من الجامعة .. وعندما خرج الأهل لاستقباله كانت ترافقه امرأة أوربية .. عرفوا أنها زوجته . كانت صدمة للجميع ، الجميع كان يطرق خجلا مني والدي وعمي وعمتي ، أحسست أنهم يحملون ذنبا اتجاهي ...
كرهت كل شيء بعدها حتى نفسي .. لم أعد أهتم بنفسي ، رفضت كل العرسان الذين تقدموا لي عن طريق الأهل . خطبني رجل في العقد الثالث من عمره ، وجاء مع أمه ليراني ، وجاءت عمتي تطلب من أن أدخل القهوة لهم .. رفضت ولكنها أصرت . أدخلت القهوة وأنا أرتدي البيجامة ، لم أغير من هيئتي ، ولم أسرح شعري .. وعندما تقدمت نحوه أقدم له فنجان القهوة انسفح الفنجان عليه.. منظر محرج لي وله ..ضحك أشرف .. واستمر بالضحك وراحت أنوار تضحك معه وقد نسيت همومها .
- وقال أشرف كنت شقية .. لا يستهان بك .. أكيد ترك العروس وهرب ، لقد هرب بجلده قالوا عني الكثير واتهموني بصفات كثيرة ، قالوا مغرورة ، وقالوا معقدة ، وقالوا عني شرسة ، بعض الكلمات كانت ترن في أذني ، ولكني أقول في نفسي :
قول عني ما تقول صوبي كم صعب الوصول
واللي ما يطول العنب ، حامـض عنه يقــــول
قال أشرف : ولكن كيف استطعت الوصول إليك؟! ، كنت أنظر إليك بنظراتي المختلسة ، وأقول من الصعب الوصول لهذا القلب .لا مست كلماتك شغاف قلبي ، سعيت إلى صدر يحتويني ، ولكن لم أجد مكانا فيه . لقد أوصد أبوابه بإحكام . سأبحث عنك هنا وهناك ، ربما أجدك في انتظاري ..في الوهم أو الخيال .. ولكني لن أستسلم أبدا ...
- ينحني قلبي خجلا أمام كلماتك ، أعطيتني قلبا وأعطيتك حبا ، ربما أقسو عليك .. وأبتعد في المكان ..لكني سأجدك كلما تناثرت دموعي هنا وهناك ..
إلى اللقاء يا أشرف موعدنا الأربعاء القادم .
بركات الساير العنزي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا