كبرياء امراة… لقاص بركات ساير العنزي

الكاتب القاص /
بركات الساير العنزي
من مجموعتي القصصية الثالثة
( حوارات وأفكار )
كبرياء امرأة - الجزء الاول
ولدت في مدينة إعزاز المدينة الجميلة التي تقع في الشمال الغربي لمديتة حلب .في جمال المدينة وسحرها تربيت بين أشجار إعزاز وزهورها . حيث تتنفس المدينة عزها وكبرياءها من جبل سمعان ، وقد اشتهر أهلها بالعزة والأنفة والشجاعة .كنت البنت الثالثة لأمي وأبي ، وأنا أصغر البنات . ولم تنجب أمي بعدي ، تتألف عائلتي من أخي الأكبرمحمد وهو الولد البكر واحمد ونادر . وأخواتي سها ومريم وأنا هند . أرافق أبي وهو يتجه نحو أشجار الزيتون والفستق التي أخذت الجزء الأكبرمن حياته .أركب معه في سيارته وهو يجتاز وادي إعزاز ويتجه نحو قرية السلامة حتى يصل الحدود التركية . وهو يغني المواويل :
نـِزل دمعي على خـدي طريقين
يا شِبـْه المـَي بالسـّهله طريقين
أنا أخذت الموت والفرقة طريقين
أثــاريالمـوت والفرقة سـوى!
حـْبـابي شمـَّلـوا شمـَل وسـنـْون
عليهم لصـبُغ الشـِّفه ولسـنونْ
حـرام علي الضحك يا لِـسنون
ما دامْ وجوههم عنـا غـْـيابْ
عندما أسمع العتابا يشدني الحزن وأنا أتذكر أبي وهو يشدو بها بين أشجار الزيتون والفستق ،كان يعلمني قيادة السيارة وركوب الخيل ،عندما كبرت أقود السيارة بكل براعة في شوارع إعزاز وأنا طالبة في الصف الثامن . وأحيانا نذهب جميعا مع أبي للجلوس والمرح على سد الشهباء على نهر قويق ، ويأخذنا معه نتفحص الأشجار على طريق تل رفعت ، حرص أبي على تربيتنا وتعليمنا القوة والصبر ، ودائما يقول لنا ونحن نلتف حوله وامنا بجانبه : كونوا أقوياء . الحياة لاتحترم إلا القوي . واحفظو أرضكم ولا تفرطوا فيها . الناس يحترمون من يملك المال والشجر . ويغني أمامنا العتابا والمواويل ،وكثيرا مايردد هذه العتابا بلهجته الفراتية : أبات الليل اعض الشفات بسنون وقلبي بير عليه البدو يسنون
حارم عليكن الضحك ياسنون
عشت ولو حالي وهما غياب
وكلما اجتمعت العائلة يقص علينا حكاية جدي ، كيف جاء من أرض الفرات هو وأهله واشتغل بالتجارة والزراعة وقد تزوج أربع نساء ، ولم يخلفن إلا البنات ، وولد واحد هو أبي ، وقد ورث منه هذه الأراضي الكبيرة هو واخواته .كم أحب مدينتي وأعشق جبالها وسهولها ! أعشق نسمات جبل برصايا ، وأحب أشجار الزيتون وهي ترسم لوحة خضراء لكل مدينة إعزاز وما حولها .دخلت المدرسة الابتدائية في مدينة إعزاز ولم تكن المدرسة بعيدة عنا ، وبيتنا في الطرف الغربي لمدينة إعزاز ، والمدرسة مختلطة ، ذكور وإناث أذهب إلى المدرسة وأنا أحمل شنطتي على ظهري ، وأقفز من الفرح والسرور الذي يغمرني.
تبدو هند من اجمل البنات في أسرتها وأقاربها ، ومما يميزها قوة شخصيتها وقوتها الجسدية ، عنيدة لا تتراجع في كلمتها ولا في فعلها ولا تعرف الخوف . كانت تتمنى أن تكون ولدا في قرارة نفسها ،يخاف منها الطلاب في المدرسة فلا يستطيع أحدهم أن يعتدي عليها ،أو على أقاربها في المدرسة . محبوبة من المدرسين والمدرسات ،عرفت بذكائها واجتهادها .تمتلك بعض الغرور من شدة اعتزازها بنفسها ، وبجمالها المتألق تتعمد أحيانا رغم طفولتها أن تنثر شعرها ليظهر جمالها ، اجتازت الصفوف الابتدائية ببراعة وتفوق وتحصل على المرتبة الأولى فتزداد غرورا وعزة وثقة بذاتها .وتكبرعاما بعد عام وجميع العيون تلاحقها ، والكل يقول هذه البنت ستكون من نصيبنا .دخلت المدرسة الإعدادية للبنات والفرح يملأ قلبها .
تقول هند : دخلت المرحلة الإداية حتى وصلت الصف التاسع ، وأن أنجح بتفوق على كل الطالبات ، وتنمو شخصيتي ويزداد جمالي وتطغى أنوثتي على جسمي . حيث أبدوامرأة ناضجة لكن في قرارة نفسي لازلت أحس بطفولتي ودلالي من أبي وأمي . بدأ الأهل يراقبوني كثيرا . وكغادة أهل مدينتنا البنات يلبسن ثيابا محتشمة ، حيث الثوب الطويل والحجاب والبنطال تحت الثوب . شعرت بتقرب ابن عمتي مني يحاول كسب ودي وقد ارتحت له ، وشعرت بخيط يربطني به كنت أحب عمتي كثيرا ، تصطحبني إلى بيتها المجاور لبيتنا ، وأشعر بمحبة أبي القوية لها . كنت أميل لها ،ويضحك لي ابن عمتي الذي أنهى المرحلة الثانوية وبدأت ملامح الرجولة ترتسم على شاربية الخفيفين . وعمتي لها مكانة خاصة في قلب أبي فهي أخته من أمه وأبيه ، وتقول لأبي دائما هند لي ، لن يأخذها أحد غير ابني فارس ، وأبي يبتسم لها. ويقول لها إن شاء الله أم فارس البنت لازالت صغيرة ، وكانت أمي لاتريد ابن عمتي ،ومرة زارنا فطردته أمي من البيت بحجة أنه يبتسم لي . كانت تريدني لابن أخيها .أما أولاد عم أبي وهم جيران لنا حيث بيوت الأقارب متلاصقة وفي شارع واحد. وعلاقة أبي مع أولاد عمه قوية وجيدة ، جاء عمي الاكبر إلى مضافة أبي وبعد الجلوس وشرب القهوة قال : يا أبا محمد جئناك نريد ابنتك هند لابن أخي عبد الله وهو شاب في الجامعة يدرس الحقوق .وأولاد عمها جميعهم يقولون هند ستكون لأحدنا ولن يسمحوا لأحد أن يتزوجها مهما كلف الأمر . وقد جئت متقربا لك وناصحا . كان كلامه أقرب للتهديد ، وأبي وحيد والديه . سكت وقال البنت لا زالت صغيرة ، والله ييسر الأمر والزواج قسمة ونصيب.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا