الحلم… قصة للاديب بركات الساير العنزي

الكاتب القاص : بركات الساير العنزي
مجموعتي القصصية الأولى ( الحلم )
ط..دار نوفا بلاس الكويت –أرض المعارض مشرف
الحلم ،،الحلقة الثانية
ارحل ولا تعد مرة ثانية . هذا طلاق بيني وبينك أيها الحلم ، انسحب الحلم ذليلا مكسورا دامع العينين لا يعرف ماذا يفعل ليرضي صديقه؟
....ركب سيارته ولم يحدد اتجاها معينا ، ترك العنان لسيارته وراح يقطع بها الشوارع السريعة الطويلة ، أخذ الجانب الأيمن من الدائري السادس السريع، وكان يسرح بخياله بعيدا ، كان يقفز بخياله في اتجاهات متعددة ولكن حلما واحدا يقرع رأسه شرد مع حلمه ، تمنى أن يغفو قليلا ولكن قيادة السيارة جعلته يكبح حلمه أحيانا . عاد بسيارته وقف عند صالون للحلاقة في جمعية صباح الناصر، وقال في نفسه :لأكمل أفكاري تحت مقص الحلاق .
جلس علاء على الكرسي ينتظر دوره في الحلاقة ، رد على ابتسامة الحلاق الذي استقبله بحفاوة أراد أن يركز تفكيره على رؤية واحدة فوجد نفسه مشتت الأفكار ، فقد تطايرت أفكاره في كل مكان أراد أن يجمعها بيد أنه عجز عن ذلك . تناول مجلة على الطاولة راح يقلب صفحاتها ولكنه لم يستوعب منها شيئا فقد كانت باللغة الهندية . شعر بأميته هذه مجلة أمامه ولكن لا يفهم منها شيئا . هاجمته الأفكار لا زال رنين عامل الصندوق في مؤسسة البريد يرن في أذنه: الحساب مئة وأربعة وخمسون دينارا .. فتح فمه مندهشا شعر بالكلمات تخنقه ..
- لماذا ؟!!!
- ورد بعصبية :مكـــــــــــــــــالمات دولية .
- ولكن ! لا توجد عندي خدمة النداء الآلي ..
- ورد الموظف متأففا: راجع المدير .
استيقظ على صوت الحلاق تفضل ، تفضل ، جلس على الكرسي تمنى لو أخذ غفوة من النوم على الكرسي تحت يدي الحلاق الذي بدأ يفرك شعره ويدعكه بيديه . استسلم لمسلسل الحلم الذي أقض مضجعه . كانت الأفكار تتلاحق بسرعة كشريط سينمائي . راح يفتش في ممرات الوزارة حتى اهتدى إلى الموظفة المسؤولة التي استقبلته وحاولت مساعدته قدر الإمكان ولكن لا فائدة . قال له الموظف :
-لا تتعب نفسك عليك أن تدفع المبلغ . لقد وقع غيرك في المطب ودفع أخيرا .
- ولكن هذا ظلم !.
- رد الموظف: نعم ولكن كيف تثبت أن المكالمات ليست لك .؟
- ولكن ما فائدة حجب النداء ؟ وجد أن الكلام غير مفيد خرج من الدائرة الحكومية وهو يردد حسبي الله ونعم الوكيل .
ركب سيارته ، والأفكار تلاحقه كيف؟ ومتى كان هذا؟ من سرق الخط؟ راح يشكك في حارس العمارة أو ربما الهنود الذين يسكنون في الطابق العلوي من البناية ربما سرقوا الخط عن طريق الانترنت ، لا يريد أن يظلم أحدا . ولكنه شعر بأنه دفع الكثير هذا العام . شعر أن الأمر صعب ولا أحدا يسمع لك كما يقول المثل :
( إذا فات الفوت ما ينفع الصوت) . ولكنه حمد الله لأن حمد الله واجب في كل الأمور وقال: الحمد لله ، والشكر لله حمدا لك يارب على كل أمر . ثم سأل نفسه: أين أنا ؟
لقد اجتاز منطقة الفروانية ، وجد نفسه قريبا من محافظة الجهراء . عاد إلى منطقته. وجد تجمعا كبيرا في الشارع القريب من بيته، نزل علاء من السيارة ليستطلع الخبر، وجد أحد الأصدقاء سأله ما الأمر؟
- لا أعرف الناس متجمهرون ولا أعرف السبب . ثم أدار ظهره وانصرف غير مكترث بالسائل....
.......عندما دخل الغرفة وجدها موحشة مقفرة ، لا زال فراش أولاده في مكانه، قلب الفراش ، وجد كل ما اشتراه الأولاد في النهار قد وضعوه تحت الفراش ليأخذوه معهم ، لقد نسوه ، هذه لعبهم ، وهذه كرتهم حتى أحذيتهم .... شعر بدوران في نفسه لم يستطع بلع ريقه فقد نشف حلقه حتى أصبح كقطعة ورق يابسة ، مسك صدره حيث أحس به كمرجل يغلي .. لم يتمالك نفسه جهر بالبكاء وانفلتت الدمعات من عقالها وتمردت العواطف من سجنها. كان جاره وصديقه قد لحق به أحس بصعوبة الموقف.
هدأ من عواطفه وروعه حتى استكانت نفسه وعادت روحه، وراح يقرأ بعض آيات القرآن لتدخل الطمأنينة إلى روحه المنهزمة .
......تكرر المشهد منذ أيام ، اقتربت من البيت شعرت بفراغ لم أسمع أصوات أولاد ابن عمي انقبض صدري ، لا بد أنهم سافروا .طرقت الباب فتحت لي الخادمة السيرلانكية.
نظرت إلى البيت كان موحشا ! أين زقزقة العصافير ؟ دارت الدنيا بوجهي لقد رحلوا وكتب علينا أن نفتقد الراحلين دائما ، تمنيت قول الشعر لأبكي الأطلال كما بكاها امرؤ القيس . اختنقت الكلمات وهي تتزاحم مع تدفق الدماء في صدري . وضعت يدي على رأسي ودارت بي الدنيا . جاءت الخادمة السيرلانكية بالشاي والفطور، وقالت بابا الفطور . ولكني تركته وخرجت شعرت أن العالم حلقة تكبر وتتسع وأنت في مركزها لا تحيط بطرفها . وستبقى مهزوما مهما حاولت .
التقيت به ، ابتسم لي ابتسامة مصطنعة ، أدركت أنه مهزوم ولكنه يصطنع الانتصار.ويحاول أن يجعل من الهزيمة انتصارا . ابتلع ريقه وأدركت أن الكلمات قد ماتت على شفاهه . عجز عن التعبير . وراح يدخن بشراهة ليحرق مشاعره المتجمدة في عروقه . حاولت تخفيف الحزن عليه بابتسامة مغتصبة من شفتين أسيرتين ، فقابلهما بابتسامة مماثلة وقال : لا يمكنك أن تأخذ من الحياة كل ما تريد يجب أن تعطي أغلى ما عندك لتحافظ على أعز ما تريد .
أدركت أن الحكمة تخرج تحت ضغط عواصف القهر . ولا تحتاج إلى مفكرين ومتفلسفين . غارت الابتسامتان في هوة سحيقة من أعماق الفكر لتمتصها نبضات القلب الكسير. ما أشد عذاب الابتسامة المذعورة .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

سيد قلبي... ياس ياسمين

الحسود..خواطر بن قاقا