العبور للضفة الاخرى…. قصة للكاتب حمادي آل حمزة

خاص بالمسابقة

العبور إلى الضفة الأخرى1

الفصل الأول: انتقال العدوى

خالد واحد من شباب ثمانينات القرن الماضي ، حباه الله بالوسامة والقدّ من بين أقرانه ، رغم بدويته إلا أنه نال قسطا من التعليم في مدرسة البادية القريبة منهم ، أتقن فيها قراءة القرآن والحساب وعملياته ، وتعلّم فيها أيضا مبادئ في اللغة الأجنبية وحاول الغوص في قواعدها لكن انقطاعه عن الدرس حال دون ذلك ، بسبب الانتقال إلى جهات أكثر خصوبة لرعي المواشي ، ولكنه كان يردّد دروسه ، بينما يدير أغنامه في جبال الأطلس لتحظى بأعشابه وكلئه فلا ينسى دروسه وأمسى يغنيها كأغاني الرعاة ، فيسمعها الكثير من أنداده فيسألونه ماهية ترانيمها ولغتها في بعض الأحيان ، فيقول لقد حفظها في مدارس القرية .

عاد خالد إلى دشرته بعد سنوات من الهجرة بأغنامه ، فالتقى برفيق زميله في الدراسة الذي واصلها في المدينة وانتقل إلى أوروبا للعمل هناك وحدّثه طويلا عن الحياة هناك وعن البذخ والشوارع والأضواء والسيارات والبنات وحتى الأغنام ، فانبهر خالد لما سمع وراح يسأله في عفوية عن دقائق الأمور بل وفي بعض الأحيان يتحدث إلى رفيق باللغة الأجنبية ويتقنها فقد كان المتفوق على الإطلاق في المدرسة ، ورغم محدودية تعلّمه .

سأله خالد: ألم تنس شيئا من اللغة الأجنبية، فأنت تتفوّق علي رغم أني أعيشها وأتحدّث بها يوميا ألا أنني أتلعثم في بعض عباراتها.

فردّ خالد : مازلت أتذكر حروفها بل أصبحت أغني وأنشد أناشيدها التي تلقيناها سوية في المدرسة عند السيد جاك ، مازالت صورته لا تفارق مخيلتي ، وكل زملائي في ذلك الزمن الجميل .

قال رفيق لخالد: لم لا تحرق إلى الضفة الأخرى حيث البهرجة، والعمل والسياحة والتكنولوجيا.

فقال خالد : والمعنى من تحرق ؟

فقال رفيق : معناها أن تعبر إلى أوروبا خلسة وفي قوارب مطاطية أو خشبية مصنوعة محليا تتسع لمجموعة من الحرّاقة وعليهم المجازفة بحياتهم للوصول إلى الضفة الأخرى ، ولكن عند وصولهم سالمين إليها عليهم بحرق وثائقهم الثبوتية  والسبب في ذلك حتى وإن قبض عليهم يستطيعون القول أنهم من دول لها بعض الحقوق لدى المنظمات الإنسانية الحكومية وغيرها في الإقامة في تلك الدول على غرار الدول التي بها نزاعات عرقية أو حروب أو تشهد عداء لأوروبا مم جعلهم يشجعون الهجرة إليها والإقامة بها .

قال خالد لرفيق : لقد شوقتني ، ولكن ما لأعمال التي يمكن أن يعملها أمثالي هناك ودون شهادات أو حرف تؤهله للعمل ، فأنا لا أملك هذه الشهادات ولا أعرف سوى الرعي والحلب والجزّ والتوليد ، ومعرفة الشاة الضعيفة والهزيلة من المسنّة واختيار المراعي الخصبة والعودة بالقطيع في آخر المساء وقد امتلأت بطونه بالكلإ .

قال رفيق : العمل متوفر ودون شهادات ، أعطيك مثالا تستطيع العمل بالحقول الزراعية في جني المحاصيل الموسمية ، أو في الاعتناء بمزارع الأبقار والماعز ،أو في المدن غسل الصحون في المطاعم وغيرها من الأعمال .

فضحك خالد وقال : آه إن كانت هناك أعمال فلاحيه كرعي الأبقار والماعز فأنا لها وأستطيع أن أريهم تجاربي في هذا النوع من الأعمال ، فأنا سيد فيها وقد اكتسبتها من التجربة الشخصية واستطيع منافسة الكبار فيها .

ابتسم رفيق ابتسامة خبث ودهاء وعرف أنّ سمّه بدأ يسري في جسم خالد ليشجعه على الهجرة وترك الدّشرة غيرة وحنقا منه لأنه كان الأفضل دائما منه في الوسامة وفي الفطنة والتحصيل العلمي سابقا ومازلت غيرته منه رغم انقطاع خالد عن الدراسة وهاهو ينجح مرة أخرى في رعي الأغنام على أترابه فهو الحاذق الذكي وكلما رمى صنارته جاءت بالخير الوفير ، فيداه مملوءة خيرا وبركة لا غرو في ذلك فقلبه سليم يحب الخير لكل الناس ولا يضمر لأحد شرا.

لكن خالدا المسكين يعامل الكل معاملة واحدة على حسب حبه للناس فهو لم يعرف كرها ولا حقدا على أحد ، وعاد إلى بيته ولم ينم الليل بطوله هاجمه التفكير من جميع الجوانب يريد أن يحسّن من حالته ,حالة إخوته ووالديه ، ويخرجون إلى برّ الأمان من هذه الدشرة إلى المدينة على الأقل لرؤية العالم ، وتغيير نمط حياتهم فقد أضحى ومازال النمط كما هو منذ ولادته فنوم في الليل وحراسة للقطيع وفي الصباح الخروج بالأغنام إلى عالم الكلإ والجبال .

حدّث نفسه مرارا وتكرارا عن كيفية إقناع والديه وإخوته، وعن العبور إلى الضفة الأخرى ومخاطرها، كل هذا كان يدور بخلده، فيمنّي نفسه أحلاما لذيذة وطريقا آمنة إلى الوجهة المجهولة، هل يستطيع التصدّي إلى الأعاصير؟ هل يمكن له تغيير حياته والخروج من عنق الزجاجة ؟

حاول إخبار والديه وإخوته مرارا وتكرارا ولكن الكلمات أبت الخروج ، فهو لا يستطيع البوح لهم بفكرته ، لأنه يعرف مسبقا رأيهم ، سيمنعونه بكل الطرق لما لهذه الرحلة من مخاطر جمة ، فهم لا يستطيعون التخلي عنه بهذه السهولة ، وقرّر أن يضمر الفكرة في نفسه .

تابع بكل اهتمام أخبار الحرّاقة ومغامراتهم ، ونكساتهم ، ولكنه كان يشجّع نفسه على المضي قدما وعدم التراجع لأنها السبيل الأوحد للعيش السعيد على حسب ما سمعه من رفيق ، وقد لاحظ نمط التغيير في حياته .

حمادي أحمد آل حمزة الجزائر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

من بين الامي..علي اسماعيل الزراعي

خذني اليك... علي اسماعيل الزراعي