الجينيرال والمعتوه…. قصة بقلم الكاتبة فاطمة حشاد

قصة قصيرة بعنوان "الجنيرال و المعتوه" بقلمي أنا فاطمة حشاد.

الجزء الثاني:

... و في أحد أيام حزيران، جاءت برقية إلى الفيلا مفادها أنه يجب إخلاءها في أجل لا يتعدى ثمان و أربعين ساعة. تجمدت أوصال كل من بالمكان عند سماع الخبر الجلل، و سقطت نجمة الدار سقطة لم تقم منها و انطفأ نورها و تلاشت بذلك أحلام خدمها.

أضناه السفر و الترحال بين الهواجس و الأفكار، صار باهت الهيأة، شاحب الوجه، أشعث الرأس.. ينظر إلى طيفه بزجاج المغازات تارة و المخبزات تارة أخرى.. إنه مجنون المدينة الحزينة.

كان هذا دأبه كل يوم، و كان لا ينسى أن يطرق باب فيلا "الجنيرال عزيز" فيقبع على العتبة برهة حتى تفتح له "فتحية" البوابة الحديدية الكبيرة. فتحنو عليه بقطعة رغيف من صنع يدها و كأس من اللبن، كان يشربه في لهفة حتى يرتسم شيب مأتاه بياض اللبن المتخثر على أطراف شعيرات لحيته و شاربيه. وترمقه "فتحية" بعينين ذابلتين و تتمنى لو تدخله الفيلا أو تجلسه قرب المدفأة حيث يجلس سيدها على كرسيه المتحرك.
كانت الساق تلتف بالساق، عندما كان يمشي وسط الشارع و هو يردد أنشودة حربية لطالما كررها بصوت متقطع و حروف متآكلة بين فراغ أسنانه التي تساقطت تساقط أوراق خريف حزين...

-اغرب عن وجهي أيها المعتوهُ؛ يا غراب النحس...
كنت تستمع إلى هذه الجملة يوميا من بائع الخبز.
* عدمناك من بليد مشوش الأفكار.. بقاؤك على وجه البسيطة لا يزيدها إلا تلوثا، إذ أن رائحتك هي التي زادت في ثقب طبقة الأوزون أيها المعتوه الوسخ...

كان المسكين لا ينفك يقذف بمثل هذه النعوت المشينة، و لكنه في هدوئه و عدم اكتراثه بما يصدر عمن حوله من أفعال و أقوال لا يزيد إلا تأجيجا بهؤولاء المتطفلين عليه.
و فجأة، صارت نظراته على مدى الأفق ممتدة إلى حيث تلك السيارة السوداء الملطخة بالدماء و التي ارتسمت زحلقة عجلاتها على بلاط الطريق تاركة سوادا مخيفا. كانت نظراته تمر على الجاثين عند جسده النحيل تبعث على الحزن تارة و على الخوف طورا. لا أحد كان يستطيع تفسير معاني تلك النظرات سوى واحدة فقط، إنها "فتحية" التي هرعت إليه مسرعة، يكاد قلبها يتوقف من الفزع.

حنت عليه و جعلت رأسه المشعث بين يديها و مسحت وجهه المكسو بالدم في منديل، حاول أحد الأطفال قراءة الحرفين المطرزين على ركن من أركانه و لكنه لم يفلح بعد أن ركله أبوه صاحب المخبزة ليأتي به داخلها قائلا له:
-ادخل أيها الغبي، هل هو أحد أبطال الأفلام السنيمائية، لتضيع وقتك في التحديق فيه؟

( تابعوني أصدقائي بالجزء الثالث و الأخير.. إلى اللقاء)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

من بين الامي..علي اسماعيل الزراعي

خذني اليك... علي اسماعيل الزراعي