هي ليست رحلة…. مقالة للكاتب حامد ابو عمرة

مسائيات كاتب
هي ليست رحلة ...!
بقلمي /حامد أبوعمرة
كنا ونحن صغار وبينما كنت أعيش بأحد الأحياء الشعبية بمصر عندما يتوفي شخصا ما ليس من الجيران الملاصقين لبيتنا أو حتى على مقربة منا بل هو من سكان المنطقة ،يعني ذلك أنه لم تكن هناك اي قرابة أساسا إلا أننا كنا نحزن ، وكنت ألمح تلك النظرات الحزينة بأعين الناس، والتأثر الواضح الذي يبدو في وجوههم البسيطة، و قلوبهم الصافية الطاهرة التي لا تعرف الحقد أو الحسد أو الإيذاء  ،وكان الكثير من أهل الحي يشاركون في إعداد الطعام لأهل المتوفي والتلفاز لا يفتح وخاصة لوكان المتوفي من أحد الجيران، ولو تم فتحه بعد أيام ، يكون ذلك خلسة بتخفيض الصوت مراعاة لمشاعر أهل المتوفي  وحتى  الراديو كذلك ولو كان هناك عرسا يؤجل على عجالة... تلك هي روح التضامن والمؤازرة والاحساس بمشاعر  الآخرين والمحبة والوفاء ،وأما اليوم بعد هان الإنسان على أخيه الإنسان ولما صارت الدنيا هي أكبر همنا إلا من رحم ربي حينها تغير كل شيء فينا ، فاليوم نجد الرجال اللذين يشيعون الجنائز يشاركون ،وكأنهم ذاهبون لرحلة صيد أو للاستجمام على شاطيء البحر، وذلك وسط حالة من الضحك لدى البعض ، ووسط الصوت الصاخب والكل يثرثر ،وكأنهم لم يلتقوا منذ سنوات طوال وكأنهم سيبقون خالدون مخلدون في دنيا زائفة، نغادرها في لحظة من لحظات حياتنا فنبقى على الأرض مجرد ذكرى قد تطول أوتقصر ...والغريب فعلا أن نجد اهل جعفر رغم المصيبة التي قد أحلت بهم وجاءت لتشغلهم إلا أننا نجدهم هم اللذين يعدون الطعام للذين يجلسون بسرادق العزاء ، والتي على مقربة منها وبذات الليلةتقام حفلات الزواج بنفس الشارع وعلى بعد أمتار قليلة وسط الموسيقى والغناء والرقص وكأن لسان حال أولئك القوم يقول ..أنا ومن بعدي الطوفان ، وأنها فرحة العمر وأن عليهم أن يفرحوا وأن من عاش مات ومن مات فات ...! دون أدنى إحساس بالآخرين ومشاركتهم أطراحهم،  وأني اقول لهؤلاء الذين فقدوا أسمى مشاعر الإنسانية أين أنتم من حديث رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو القائل وقوله ابحق : " والله لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " وبما أن تحقيق مبدا التكافل والإيثار قد انقرض من أوساط مجتمعاتنا ، وبما أننا قد انسلخنا عن عاداتنا وتقاليدنا الجميلة إذا فعلى الدنيا السلام ولا حول ولا قوة إلا بالله .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

من بين الامي..علي اسماعيل الزراعي

خذني اليك... علي اسماعيل الزراعي