العبور الى الضفة الاخرى…. قصة للكاتب حمادي آل حمزة

خاص بالمسابقة

العبور إلى الضفة الأخرى 4

الفصل الرابع: شروط الإقامة والحجز.

كان النهوض باكرا كالعادة ، وترتيب المحل أصبح عادة عند خالد ، قبض أجرته في آخر الأسبوع واشترى بعض الملابس ومستلزمات اللباس ، وكان اللقاء بروبرت الذي حدّثه عن الإقامة وشروطها ، على خالد الزواج من أهالي راغوزا وقد حتى يكتسب إقامة في المدينة وبالتالي يصبح حرا ولا تطارده الشرطة ، فقبل الأمر ، وجاءه روبرت في اليوم الموالي بامرأة تكبره خمسة عشرة سنة ، ولكنه تفرّس وجهها فرآها عجوزا شمطاء ، تجمعّت تجاعيدها حتى أصبحت أخاديد ، فهاله ما رأى ولكنه قبل الأمر على مضض وفكّر مليا في مصلحته ،وكان شرطها الأول التخلي عن ديانته وقبول ديانتها الكاثوليكية فاهتز ووقف قائما واحمرّت عيناه ، قائلا إلى روبرت: ظننتك تبحث عن مصلحتي التي فيها مصلحتك ولكنك تتعدّى الحدود بهذا المطلب الغريب ، لم لا تتخلى هذه المرأة عن دينها وتدخل معي ديانتي أم أن الأمر عجيب عندكم ، وجمع ملابسه في الحين في حقيبة صغيرة ، وأردف قائلا: سيدي روبرت شكرا لك لكل ما فعلته من أجلي في الأيام الخوالي ، أنا راحل سيدي الوداع .

حاول روبرت إقناعه بالعدول عن فكرته ، ولكن خالدا صمّم الرحيل دون رجعة فهو الريفي الذي لا يقبل المساومة على تقاليده الثابتة وخاصة ديانته فهو مستعد للموت من أجلها فما بالك باستبدالها بعجوز ولهو الدنيا هذا كان تفكيره وقراره.

خرج من المحل وهو لا يدري إلى أين يتجّه ولكنه كان يسير، وربما سار في الشارع مرات وهولا يدري فقد سيطر عليه الغضب وأعماه ، حينها توقفت عنده سيارة مدنية عن وجهته لأنه كان يسير في وسط الشارع وطلب منه سائقا التنحي جانبا والصعود فوق الرصيف ، فرد عليه خالد بأدب بأنه سائح يريد الخروج من المدينة ولا يدري أي الطرق أو السبل تخرجه منها ، فقال السائق اصعد معي فأنا أريد الذهاب إلى كتانيا ، فقبل خالد الطلب وصعد وانطلقت الرحلة إلى المدينة المجاورة.

وفي الطريق تجاذب خالد الحديث مع ألبرتو سائق السيارة حول الهجرة والعمل والظروف المناخية ، وكانت للمناظر الطبيعية نصيبها في الحديث ، وعلى مقربة من كتانيا توقف ألبرتو لحاجز أمني وطلبوا منهما الوثائق ، وسلمها لهم ألبرتو أما خالد فتوجّم في مكانه وطلبوا منه الوثائق لمرات ولكنه لا يجيب وعندها أنزلوه من السيارة واركبوه معهم في سيارة الأمن وطلبوا من ألبرتو مواصلة طريقه ، ولما وصلوا به إلى القسم الأمني استجوبوه ، فكانت إجابته على أنه سوري مهاجر وليس له وثائق ثبوتية فقد ابتلت عندما كان مسافرا على متن القارب، طلبوا منه اسمه فأعطاهم اسما وهميا ثلاثيا يشبه أسماء ممثلين سوريين كانت مسلسلاتهم تعرض على القنوات الوطنية وهو أحد متابعيها ، وتم ترحيله إلى محتشد عجّ بالبشر ومن كل الألوان السود والبيض والسمر والحمر و به كثير من الحراسة ، أنزلوه بقوة من السيارة وهم يتكلمون لغتهم فلم يفهم شيئا منها ، لكنه تأكّد أنهم يتكلمون عن المهاجرين بالسوء وربما يلعنون بلدانهم التي ما فتئت ترسل إليهم زمرا ووفودا ليضيقوا على معيشتهم ، بل وجعلوهم يعملون ليلا ونهارا.

هذا ما استنتجه خالد من نظراتهم له وهم ينزعون عنه الأصفاد من يديه ، ورموا له حقيبته ودفعوه بقوة حتى سقط ، وحاول أحدهم ركله لكنه تراجع في آخر الأمر لما رأى خالد ينظر إلى مرفقه الذي ينزف اثر سقوطه ، نظر إليهم خالد بعيون غائرة وتمنى أنهم جاءوا في بلدته ليلاكم ويبارزهم فقد كان لا يشق له غبار في هذا الميدان ، وبقي في مكانه وهو ينظر إليهم يغادرون الموقعة بينما ساعده أحدهم على النهوض فمدّ إليه يده دون أن ينظر إليه فشكره بالعربية فردّ عليه الآخر بلسانه ، وقال له : من أين أنت ؟

فقال خالد: جزائري.

فقال الآخر: أنا أيضا.حينها التفت إليه خالد وتفرّس في ملامحه ، وقال له: أهلا وسهلا أنا خالد من الشرق الجزائري ، ومدّ إليه يده ليصافحه ، فقال الآخر: أنا ياسين من الشمال الشرقي وصافح خالدا.ثم تبعه خالد وهو يسأله عن مدّة إقامته في هذا المحتشد ، ويجيب ياسين ليس كثيرا إنها أسابيع فقط .

أدخله ياسين إلى قاعة فسيحة بها أسرّة كثيرة ، تشبه قاعات المعسكرات ، اختار ياسين لخالد مكانا قريبا منه ليحادثه ،جال بنظره في القاعة فوجد شبابا من كل الجنسيات ضاقت بهم الظروف في بلادهم وأرادوا استبدالها وتغييرها بظروف أحسن ، ولكنهم وقعوا في حنظلها وأتعس منها ، تترآى الندامة والغرابة والحسرة على ملامحهم ، تحادثهم فلا يجيبون ، تفكيرهم أرخى ظلامه عليهم .

تعرّف خالد إلى ياسين وتقرّب إليه كثيرا بما أنه من البلد نفسه ولا تفصلهما إلا مئات الكيلومترات عن أقامتهما فلهما نفس العادات والتقاليد ، وزاد تعلّق ياسين بخالد لأنه يتقن الفرنسية كثيرا بينما يفك حروفها فقط ، حتى أنه أصبح ترجمانه وتعلقا ببعض وآنس كل منهما وحدة الآخر، كانا يتبدلان الحكايات الشعبية ، ويضحكان لا لشيء سوى نسيان همومهما وغربتهما وظروف المحتشد وصياح الأفارقة ، وكانت الأسابيع تمر بسرعة ، وحدث أن صارح ياسين خالدا بوجوب الهروب من هذا المحتشد ، فقد سمعت سابقا عن عمليات هروب ناجحة ، وقد بيّت النية على الهرب واليك الخطة .

يتظاهر أحدنا بالمرض فيحملونه إلى المستشفى ومن ثمة يمكننا التخفي والهروب في غفلة الحارس أمام قاعة المستشفى، وحدّدا زمنا لتنفيذ الخطة ليلا ، وكان لهما ذلك بعد أن تظاهر خالد بأوجاع في بطنه وهو يملك وصفة لذلك وتم حمله ومرافقة ياسين له بعد إصرار كبير منه لأنه قريبه وحملا إلى المستشفى وخضع خالد إلى الكشف والمعاينة وتم وضعه في غرفة للانتظار مع مرافقه حتى ينظر الطبيب المعاين في أمره ، ووضعوا أمام باب الغرفة حارسا يبدو أن الكرى بدأ يداعب جفونه ،وكان ياسين يلقي النظرة وراء الأخرى على الحارس للاطمئنان على نومه وفعلا أمر خالد بالسير على رؤوس أقدامه وسارا دون جلبة يحبسان أنفاسهما وخرجا من المستشفى ليلا ، ثم أسرعا الخطى للابتعاد عن محيط المستشفى ، كانت الأضواء متلألئة لواجهات المحلات المفتوحة ليلا خاصة الخمّارات والمطاعم فاقتنيا طعاما حملاه معهما وسارا في الشوارع حتى خرجا من المدينة ، ثم ابتعدا عن الطريق وتواريا عن الأنظار وأخرجا أكلهما وتناولاه ثم استسلما لنوم عميق على الأرض والحشائش.

استيقظ خالد على صوت خوار أبقار وأجراس علّقت في رقابها، فلكز صديقه فنظرا إلى قطيع من الأبقار ينظر إليهما ، قاما من مكانهما فجفلت الأبقار وابتعدت هاربة ثم توقفت والتفت إليهما وهي تخور، هنا انتبه الفلاح إلى مصدر انزعاج أبقاره ، فحث الخطى إليه ، فبادره خالد بالتحية بلغة ايطالية فرد عليه الفلاح ، وسألهما عن تواجدهما على ملكيته صباحا ، ففهم خالد بعضا منها ، وردّ عليه بالفرنسية بأنهما ضائعين ولا يعرفان الطريق ، ولكن الفلاح المسن لم يفهم حديثه ، وحضرت لغة الإشارات وبعض الكلمات الايطالية التي تعلمها خالد في المطعم من النادل فطلب منهما الفلاح مرافقته إلى بيته، ولما وصلوا لاقتهما زوجة الفلاح وسلمت عليهما وقال خالد: هل أستطيع التحدّث بالفرنسية؟

فقالت الزوجة بلسان فرنسي: لك ذلك، فأنا أستاذة في اللغة الفرنسية سابقا وتقاعدت.

قدمت لهما إفطارا وسألتهما عن هويتهما ، فأجابها خالد: بأنهما غريبان عن البلاد، هي تترجم كلامه إلى زوجها، فطلب منها زوجها رجاءه في مكوثهما عنده إن كانا يبحثان عن عمل في مزرعته في علف الأبقار والاعتناء بها مع تنظيف الإسطبل وحلبها ، فأخبرته ألفنسو، فوافق خالد بعد استشارة ياسين ، فتفاوضا على الأجرة والمبيت والأكل وغيرها ،وكانت أجرتهما ستون أورو لكل منهما في اليوم مع ضمان الأكل والمبيت مع شرطهما أنهما لا يأكلان اللحوم إلا ما تم ذبحه أمامهما ، فقالت ألفنسو: فهمت لدينا بط وإوز وحتى الديك الرومي فلكما كل أسبوع واحدة كهدية مني في آخر الأسبوع ، ضحك الجميع ، وقادتهما ليلقيا نظرة على الإسطبل وتوابعه وكيفية العمل ومخازن الأعلاف ، فأخذا فكرة عن عملهما وتم الاتفاق على البدء صباحا

حمادي أحمد آل حمزة الجزائر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

من بين الامي..علي اسماعيل الزراعي

خذني اليك... علي اسماعيل الزراعي