موعد في الغربة… قصة للاديب عصام حمي

موعد في الغُربة (7)

تأليف وإعداد : عِصام حَمي
الحلقة : السابعة

صاحَ أحدُ الرِّجالِ ..ماءْ..ماءْ ..نَظَرَ الجميعُ إلى مَصدَرِ الصَّوتِ ..فقالَ صاحِبُ الصَّوتْ ..هُناكَ بعضَ الماءِ ..في القارِب ..يبدو أنَّ القاربَ يَغرَقْ ..
ما إن ْسمِع َجابرٌ بهذا حتى أمسَكَ بخِناقِ السائِقْ ..قائلاً : فَعلتهَا يا ابنَ (..)
ماذا أفعلْ بكَ ..  هه ..قُلْ لي ؟؟؟
السائِقْ : أرجوكَ أنا عبدٌ مأمُور ..
جابِر : لماذا فعلتَ ذلك ...كيفَ تُطاوِعَكَ نفسُك قتْلَ الناسِ الأبرياء ..
قبَع َالرَّجلُ في مَكانهِ ..ورأسُه إلى الأرض ..
هاجَ الناسُ ..وسَرَتْ فَوضى ..فاتّفق جابرٌ وأحمدٌ أن يتولاّ الامورَ ..فبَقي جابرٌ عِندَ السائِق ..أما أحمدٌ فحاوَلَ أن يُهَدِّئ رَوعَ الناسِ ..في مُحاولةٍ لرفْعِ ِمعْنَويّاتِهم ..تَمَسَّكَتْ مها بأحمَد أكثرَ وأكثرَ ..ودُموعُ الخَوفِ تَنهمرُ مِنْ عَينيها ..
صَعُبَتِ. تِلكَ الدُّموعُ على أحمد ..قال لها : بإذنِ اللَّه لنْ  يُصيبكَ أنتِ وسامِر أيُّ مكْروه ..ثُمَّ خاطَبَ الناس : يا ناس أصبَحنا في المياهِ الإقليمية اليُونانية
 بذلِك تَخلّصْنا مِنْ خفرِ السواحِل التُّركية ..ابقوا في أماكِنكم ..وشُدوا وَثاق البَدلات الواقية وبإذن الله نَصِلُ بِسلام ..
صاحَ أحدهم : أي سلامْ...ألا ترى أنَّ مَنسُوبَ المياهِ يَرتَفع ..سَنغرق لا مَحالة ...
قال له أحمد : ليُكن أملكَ بالله ..سنُرسِلُ إشارةَ إستغاثةٍ ..علَّ وعَسى إحدى المراكَب اليونانية ..تُسعِفُنا ...
لكنَّ المياهَ تزدادُ..وتزدادُ..شيئاً فَشيئاً ..وازدادَ خوفُ الناسِ ..
إلى أنْ صارَت  إلى مُنتَصَف القارِب ...لَمحَ أحمد ضَوءَ مَركَبٍ ٍمن الجِهةِ التي يَقصدونَها ..وصوتُ محرِّكٍ من بعيد ...صَرخَ َالرُّكاب ..بالإنكليزية :help help ..لكن لا زال المَركب بعيداً نوعاً ما ..فحاولَ أحدهم ..رفع نار َولاعته ِ..عسى أن يَراهُم المَركب ...هنا أقَترب أحمد مِنْ مها ..عَلَّ هذا الكلام يكونُ آخر الكلام ...قال لها : سأحاولُ ُجَهدي عزيزتي ( كانَ يودُّ أن يقولَ حبيبتي)
ولنْ أتركَكما ....فإن صِرنا في الماء ..سَنُحاول أن نكونَ قريبينَ من بعضِنا
بكَتْ مها قائلة : سامِر سامر يا أحمد ...هو آخِر فرد في عائلتِه ..إن أصابه مكروهٌ لن أسامِح نفسي أبداً..هو الأثرُ الوحيد من أختي المرحومة ..
حاوَل طمئنتها ..وبشكلٍ لا شعوري أمسكَ يدها ..لا تَخافي أن شاء الله لن يصييهُ شيء ..وتربيِّه وتزوجيهِ أيضاً ...خالطَها حالةٌ من البُكاء والضَّحِك ..
لاحظَ أحمد أن المركِب اليوناني كإنَّه يسيرُ نحوهُم ..فاستبشَر خيراً ..
لكن مِستوى الماء ..لن يَرحَم فسيأتي وقت ويجدونَ أنفسهم في الماء ..
ومرّت أصْعبُ اللحظات ..حتى قال أحمد يا جماعة ..لن ينفعنا القارِب ..الماءُ يكادُ يُغطّي القارب ..ولأنَّنا واقفون وصلَ مستوى الماءِ إلى بطونِنا ..هي نسبَح ..باتجاه المركب اليوناني ..
اشتدَّ صوتُ الناس نسبَح ..؟؟؟ لكنَّنا لا نعرفُ السِّباحة
أحمد : طالما تلبَسون البدلاتِ لن تغرقوا إن شاءَ الَّله ..فلنصمُد قليلاً ..حتى يأتينا الفَرَجْ ..وصارَ الجميعُ في البحر ..لا يرى منهم إلاّ بَدلاتِهم ورؤسهم ..
أمسَك أحمدٌ بيد سامر ..واليد الأخرى يد ..مها ..وسامِر يقول : عمّو هل سَنموت ...أجهشَت مها بالبُكاء ..شَدَّ أحمد على يِدها ..كي تكُفَّ عن البُكاء حتى لا يُصيب سامِر الرُّعب ..شَيئاً فشيئاً..إقتَرب المركِب مِنهُم
أما جابِرٌ فَقَبْلَ أن يُصبِح في الماءِ لَكَمَ السائِقَ لكمَةً ..أوْقَعَتْهُ ..
وتابَعَ السِّباحَةَ ..كانَ أقواهُم على السِّباحة ..
ثَقُلَ جِسمُ مها ..وخارَتْ قِواها ..وكادَتْ أن تغرَق ..إلّا أنَّ أحمَد ..رَفعَها ..
كان الأمرُ صَعباً على الجميع ..ورأوا المَوتَ بأعْيُنِهم ..قالتَ مها باستسلام : إنْ حَصَلَ لي شيءٌ يا أحمَد فالطِفل بأمانَتِك ..يا أحمد ..أنتَ خيرُ الرِّجالِ ..لمْ أرى رَجُلاً بأخلاقِكَ ..وطيبَتِكَ ..واختلطَت المشاعِرُ عَليهم ..ولو أنَّ المكانَ ليس بالمكانِ الرُومانسي ..لكِنْ فَكَّرّ أحمد قدْ  يَنتهي  العُمُرُ ..قبل أن يقولَ مافي نَفسِه  لها ..وقال رُبما الكلمةُ ترفَعُ من معنوياتِها ..قال لها أحمَد : مها ..أنا أحبُّك ...
فَرحَةٌ كبيرةٌ سَرَت في قلبِها ..فهي نفْسُ مشاعِرها ..قالت : وأنا أيضآ
أحمد ممازحاً : أنتِ أيضآ ماذا؟؟
قالت : أحبُّك ..
كانت أضواءُ المركَب تُسَلَّطُ عِندها عليهم ..فَقد صارَ المركبُ قريباً ًجداً ..
فرِحَ الجميعُ ..وكانَت فرحةُ أحمد ومها مُضاعَفاً ..
الفرحُ بالنَّجاةِ والفرحُ بالحُبّ ..
أوَّل مَن نَجا ..كانَ الطِّفل سامِر ..رفعهُ أحمد وأعطاهُ ُللمُنقِذ ..ثمَّ مها ..ثُمَّ أحمد ..وصَعَدَ الجميعُ ..وأسرعَ الطاقِم بإعطائهم بطانيات كي يلتفوا بها ..فأجسادُهم مُبللة ..والهواءُ بارِدٌ قليلاً ..وقفَ الثلاثة معاً أحمد ومها وسامر
ولاتزالُ دموعُ مها تَختَلطُ بالبَلل ..فَنَظَرت إلى أحمد ..ولمْ تتمالَك ..حتَّى ألقَت بنفسِها على أحمد تَحتَضِنُه وهي تبكي وتشكُره ..لولاكَ ..لولاكَ ..
لمْ يَدري أحمد ماذا يفعل أو حتَّى يُخفي فرحته ..رأى البحارةُ اليُونانيين هذا المَشْهَد المُؤثِّر .. فصفَّقوا لهم ..وهُم يقولون باليونانية : yesso...
واقْتَرب أحدهُم مِن مها كانَ قَد رأى استماتَةَ أحمد لِيُنْقِذها وقال لها بالإنكليزية : your man is brave ...رَجُلِك شُجاع ..فابتَسمَت  ..
ومَضى بِهِم القارِبُ نحَو الشَّط ..لتَبدأ رِحلَةً أخرى ..مِن المُعاناةِ ..والألم
يتبع

 عِصام حَمي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

من بين الامي..علي اسماعيل الزراعي

خذني اليك... علي اسماعيل الزراعي