قسة كتبها الأديب عماد كورشي

قصة قصيره
_________

كان يستتر تحت ظل شجرة وارفة الظلال و الناس تنظر من حوله و تفغر فاهها و تمشي على عجل
لتبتعد عن المكان الذي هو فيه , بينما كنت أسير و أحث الخطى كي أسقط نظري على حالة فريدة
إنسانية تعكس موت المشاعر في الصدور. هو شاب بالغ لا يستطيع الوقوف على قدميه ليسير
بشكل متوازن , فيفضل السير على مؤخرته العارية و أكفّ يديه... لم يكن يرتدي سروالاً و إنما
قميصا ممزقا فقط يستر صدره العاري الذي تغزوه غابات من الشعر , و في نصفه السفلي كان عاريا
تماماً و عورته البالغة تظهر للجميع ..تطاول شعره الأشعث الذي يملأه الكثير من القش و غبار الأرصفة
ليغطي معظم وجهه و بعض الخصل منه كانت تلمع من كثرة الأدران المتراكمة . الذباب الذي بات متعايشاً معه لم يكن يعنيه
و إنما يدور و يقف على أي منطقة في وجهه دون أن يهتز له جفن أو يحاول طرده... مما يدل على أن الصداقة بينهما
باتت حميمة ,الجراثيم التي تعجّ بالمكان الذي يتواجد به بالآلاف.. ولذلك عذرت كل من مرّ بقربه و فرّ
بسرعة خشية انتقال وباء قاتل من هذه الكتلة البشرية المحطمة.
دفعني الفضول في هذا اليوم كي اتابع هذه الحالة عن بعد و اعرف مدى صدقها و هل هي نموذج من نماذج
استجداء العواطف كي نسلب الناس اموالهم أم هو نتيجة من نتائج الهروب من مسؤوليات الأهل أم
بقيت أراقب عن بعد هذا الحطام الذي بقي لفترة طويلة و بعد ان اعطاه البعض كسرات خبز و اخرون بعض الطعام...
أخذ يستجمع قواه المتهاوية و يزحف على مؤخرته و يبتعد عن المكان بعد أن بدأت الشمس بالخفوت
كي يأخذ مسار مكان نومه المعتاد في مكب قمامة بعيد , سكانه من الكلاب الشاردة التي تأوي إليه ليلاً.
لم يهرب من الكلاب و إنما الكلاب أتت إليه تهزّ ذيلها و تلعق وجهه دون أن يبدي لها تأففاً .
اقترب من مكان مستوي ليسند رأسه عليه و يرفع قدميه العاريتين إلى صدره و يلف بعضه طلباً لبعض الدفء
الذي رحل مع مغيب الشمس.
التفت الكلاب حوله و كأنها تحاول منع أي ضرر من اللحاق به و كي تدفع عنه أي نسمة باردة تلفح جسده المرتعش.
لم أصدٌق بوجود مثل هذه النماذج البشرية في القرن الواحد و العشرين.من أين أتى و من اهله
ذرفت الكثير من الدموع على ضريح الإنسانية و سرت هائماً لساعات طوال تتضارب الكثير من الأفكار في رأسي.
. استفقت باكراً و بدأت بتحضير وجبة طعام متواضعة كي أحاول إيصالها لجوف معدته بطريقة ما.
وصلت إلى الكهف في عصرنا الحجري لأجد دماء الشاب تحيط جثته و عينيه تنظر للسماء و فمه مفروج عن ابتسامة
عريضة مما يدل على رؤيته لشيء أبهج قلبه,
الكلاب كانت تعوي بحرقة و تشم آثار عجلات عربة قمامة آدمية
تمت
.ومضة قصصية مستمدة من الخيال و بعض الواقع
___//____
الأديب/عماد كورشى

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

من بين الامي..علي اسماعيل الزراعي

خذني اليك... علي اسماعيل الزراعي