حكايات طائشة…. قصة بقلم الكاتب صباح خلف العتابي

حكايات طائشة
الحكاية رقم ( ١٧ )
الجدة تشعر بالخوف .. الخوف الذي ينخر العظام .. وايضا بأنها غير سعيدة اليوم بالذات .. ليس لديها فكرة عن سبب ذلك ، ولكنها تقول دائما :
— لا ادري .. قلبي اليوم ، ( محصور ) ..
اما حفيدها ( محمود) يتجول الان في شوارع مدينة ( الفاو) الحارة ، لايدري كيف يوصل اليها الخبر ، تمتم مع نفسه :
— سيكون المها بدون حدود ..
كان ( محمود ) جزأ لايتحزأ من ( حبوبته) منذ السابعة من عمره عندما توفيت والدته وارتبطا معا ارتباط الدم بالقلب قال ( محمود ) عنها يوما :
— انا كل العالم لديها .. انا سعادتها ، ابتسامتها، وكل آمالها ،
كيف يسوق اليها خبر فصله من المدرسة وطرده ايام الامتحانات بالذات ، ذلك لايمكن ان تتحمله العجوز على الاطلاق ، لقد خرج صباحا من عندها مشفوعا بدموعها ، ودعائها .. فكيف يرجع اليها وأثر صفعة استاذ عودة واضحة على عينه ، وفصله لمدة اسبوع كامل .. هذه كارثة تقع على رأس العجوز .. كيف يوصل اليها الخبر اذن ؟؟
محمود ليس من هؤلاء الذين يستطيعون اخفاء الامور ، وجدته ليست بالساذجة ، وستعرف ذلك حينما تراه بكل تأكيد .
الوقت يمر ضدا .. وامامه نهر شاسع من الالا م ، والحرج .. والخوف .
— أتريد ان تصبح سياسي يا جربوع .. ؟؟!
قالها له استاذ عودة ( المدير) ، ثم القى منه صفعة بيده السمينة ازرقت بها عينه اليمنى ..
انها مجرد قصيدة ، بل ربع قصيدة ، لم يك يقصد بها أهانة المدير او حزبه السياسي ، اربعة ابيات لاغير طرد لمدة اسبوع فكيف لو اكملها !!؟ وفي ايام الامتحانات ، ذلك صعب جدا .. وعليه الان مصارحة جدته التي تنتظره الان .. ماذا يخبرها ؟؟ ماذا يقول لها ، ... كيف وصلت ربع القصيدة تلك الى المدير ..؟؟ محمود كتبها في دفتر الانشاء على ما يتذكر .. كلمات لا على التعيين .. سيدي المدير ، لا اريد هوية مدرسية ... تحمل توقيعك الحقير .. وطوابع رسمية .. اني اكره هذا الشرف الكبير ..
بطريقة او اخرى وصل دفتر الانشاء الى المدير .. وصار ما صار ، وهاهوالان يجوب في الشوارع مطرودا من المدرسة .. بعد صفعة اطارت له عينه اليمنى .
— احتاجك ان تلهمني .. ايها الخفي ، الخالد ربنا ..
فسرت هذه الابيات بأنها شذرات بلشفية .. وانه قد تبنته الشياطين الحمر .. وهو لايقصد ذلك بالتأكيد ، ومن غير المعقول ان تهز هذه الكلمات رئيس البلد ، وتزيحه عن كرسي الحكم !!! انا مجرد صبي في اواخر المدن اسكن .. قطرة في بحر ..!! محملا اصلا بشتى انواع الاوبئة .. كما انه مجرد قلم .. لم اقلع به عين احدهم .. ولكنهم يخشون ما لا يفهمونه .. وها انا عالق بين مدير المدرسة وجدتي ..التي تقف بالباب الان تنتظر مني جوابا شافيا ..
استطالت المعاناة .. داخله ، والحصى التي يدحرجها باقدامه وصلت عتبة بيتهم ، ليس هناك من خلاص ، مواجهة صعبة .. وهاهي جدته الحبيبه بعينيها المتعبتين .. وذراعاها قد مدت اليه لاختضانه كالمعتاد ، فاندفع اليها .. كا لهمس في المحيط .. كالريشة في العاصفة ، وقال لها باكيا :
— لقد انطفأت جذوات النجوم .. والامال دفنتها الرياح يا جدتي ..
ثم اكتسحت المصيبة العجوز.. وكأن جيادا نافقة داست عليها ، فسقطت في مجرى بني امام الدار ..

       (( صباح خلف العتابي ))

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

من بين الامي..علي اسماعيل الزراعي

خذني اليك... علي اسماعيل الزراعي