جنذة الحقول…. قصة بقلم فردوس السعيدي

**جنية الحقول**
كان الخريف قد عصفت رياحه بأوراق الأشجار فأسقطتها ارضا تتلاعب بها يمنة ويسرة وبدا الحقل في حاجة ماسة الى المعالجة والخدمة ...استيقظ صالح مبكرا وأعد الدابة للحراثة وشرع في عمله يقطع الحقل ذهابا وإيابا مخلفا وراءه سطور التربة المقلوبة...أنهكه التعب فتهالك تحت شجرة زيتون يجفف عرقه ويمنح الدابة بعضا من الراحة...ومضى تداعي الخواطر يسري بخياله الى ان اوصله الى مرفإ النوم فاسلم جفنيه للسبات ونسيمات خفيفة تداعب وجهه بلمساتها الحانية ...بدا كل شيء حوله ساكنا كأنه الليل الساجي الذي يمتص كل حركة ...كان في نومته منتفش الشعر بعد أن سقطت عنه شاشيته الحمراء متهدل الشدقين محمر الوجنتين...والصمت المطبق حوله لا يمزقه من حين لآخر الا نباح كلب أو مواء قط...انتصبت أمامه غادة مليحة فارعة الطول...استرسل شعرها الاسود الى حد الخصر...ضحكت فارتسمت على خديها غمازتان زادتها جمالا وفتنة...خفق قلبه بما وسعه من جهد وايقظت فيه صورتها مشاعر نائمة ..قال محاولا استعادة توازنه النفسي :
_من انت يا ابنتي؟ ...نظرت اليه وقد عبق وجهها بابتسامة جذابة وقالت:
_انا ابنة حارس كنوز الارض يا سيدي...وبإمكاني أن اجعلك تنعم بخيراتها لو اتبعتني...
تمالك نفسه ومسح عن وجهه كل تعبير يوحي بالفزع وهمهم قائلا :
_الى أين أتبعك ؟
_سأحملك الى شواطئ علوية أمواجها لازوردية ...تنثر لآلئ براقة من بين مياهها الرقراقة...وستنعم لدينا بحسن الوفادة ..يا صاحب الكرامة والسيادة...هبا اتبعني يا سيدي وامسك بيدي...
تنهد صالح تنهد الحسرة وقال:
_كيف أتبعك وانا من الانس وانت من الجن ؟
وما إن أتم كلامه حتى انتفصت المرأة في رجفة عميقة وزمت شفتيها في إصرار وغضب وانشقت الأرض وابتلعتها في لمح البصر ...تجمع الدمع في مآقيه دون أن ينذرف منه شيء وجعل صدره يعلو وينزل بينما الأسى ينغرس كمدية في قلبه...وترامى اليه صوت ابنه يهزه هزا لطيفا ويفيقه من حلمه ففتح عينيه وإحساس مضن بالخيبة يغمر نفسه نقمة ...نظر حواليه فإذا الدنيا تستحم بشمس الأصيل ...لقد كانت نومة مطولة ..انتصب واقفا ومضى يشغل باله ذلك الحلم العجيب....
                                                                  **  بقلمي: فردوس السعيدي**

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

من بين الامي..علي اسماعيل الزراعي

خذني اليك... علي اسماعيل الزراعي