المحطة الاخيرة… قصة للأديب عصام حمي

المحَطَةُ ...الأخيرة

قِصَّة قَصيرة
تأليف وإعداد : عِصام حَمي

عادَ مِنْ عَملهِ مُتْعَباً كَكُلِّ يومٍ ..يَجُرُّ جَسَدَهُ ..وَبِالكادِ تَحْمِلُه ُخَطواتُهِ
  وَصَلَ مَحَطَّةَ القِطاراتِ ..َتنبَعِثُ مِنهُ رائِحةُ عَملِه ِ..مَهْما حاوَلَ إخْفاءَها وكَذلكَ مِنْ ثيابهُ ..رَتَّبَ ما تَجَعَّدَ مِنها وَأصْلَحَ ما يُمْكِنُ إصْلاحَهُ ..وَجَبينـُهُ يَلمَعُ تَعَباً..
ما إنْ وَصَلَ القِطارَ ..وَفُتحَتْ أبْوابُه حَتَّى قَفَزَ إليه .. ألقى بِجَسَدِهِ المُتعَبُ على أقْرَبِ مَقعدٍ وَصَلَتًّهُ قَدَماه .. أغْمَضَ عَيْنَيْه ..لِلَحظاتٍ ..سَرَعان ما فَتَحَهُما فَقَد هَبَّتْ عليهِ رائِحةُ عِطرٍ نِسائيٍّ قَويٍّ جَعَلهُ يَتماسَكُ قَليلاً ..بَل يَنشَط ..
فَرأى إمرأةً حَسْناءَ ..تجْلُسُ بِجانِبه ..تَلبَسَ أفْخَرَ الثِّياب ..وَتَحمِلُ  بِيدِها حَقيبةً جِلديَّة مِنَ الجِلْدِ الأصلي الفاخِر ..
وتُمْسِكُ باليدِ الأخرى و بِرِقَّةٍ ...الله كَمْ بَشَرتُها ناعِمة بَيضاء ( قالَها في نفسِه ) هاتِفاً نَقّالاً غالي الثَّمن ..وَهِيَ تَلمِسُهُ..بِلَمَساتٍ سَريعاتٍ ...
بَشَرَتهُا نَقِيَّةً ..مُستَديرَةَ الوَجْهِ ..طُفولِيَّةُ المَلامِحِ ..وكأنَّها أمِيرةٌ ..مِن أميراتِ ألفَ لَيلَةٍ وليلة ...لعَلَّها شَهَرزاد التِّي قَرَأ عَنها  .
أدارَ  رَأسَهُ إلى النّاحِيَةِ الأخرى ..فَقَد تَذَكَّرَ عَمَلَهُ...وَمُسْتَوى دَخْلِهِ المُتَواضِع ...الذي لا يَقدِرُ انْ يَشْتَريَ لها حَتَّى حَقيبَتَها ..وقالَ في نَفسِه ..هَذهِ لا يَقدِرُ على تَلبِيَةِ ِطَلَباتِها ..وَحُبِّها للتَّسَوُقِ ..غَيرَ غَنِّيٍّ مِنْ أغنياءِ البَلَد ...
مَظْهرُها ..يَدُلُّ على ذَلك
ثُمَّ نظَرَ إلى الزُّجّاج الذي أمامَهُ ..فَرأى وَجْهَها فيه ..وَهِيَ تَنظُرُ إليهِ ..بابتِسامَةٍ ٍرَقيقةٍ ...أنْسَتْهُ حَتَّى إسمَه !!!
حاوَلَ أنْ يُجاريها ..فاصْطَنَعَ ابتِسامَةً ..أتَتْ ناقِصَةً
أخَذَتًّهُ الأحلامُ ..ثُمَّ ما لَبِثَ أن عادَ إلى الواقِع ..وَتَذَكَّرَ واقِعهُ ..وَعَمَلهُ
أغْمَضَ عَينَيهِ ثانيةً ..وَهُوَ يُتمتِمُ في نَفسِهِ مُعزيّاً لَها ... رُبَّما هِيَ تُفضِّلُ النُضْجَ مِنَ الرِّجال ..وَلا تَهتَمُّ بالشَّبابِ  ..وَهُوَ في مُنتَصَفِ العُمرِ
تَوَقَّف القِطارُ في عِدةِ مَحَطّاتٍ ..استَرَقَ النَّظرَ إليها ..فرآها تنْظُرُ إليهِ
كَمْ تَمَنّى لو أنَّ عِطلاً يَحدُثُ في القِطار ..حَتَّى تَبقى إلى جانبهِ ..فَقَد سَرى تَيّارُها في جَسَدِهِ ...مِنذُ سَنواتٍ لَمْ يعِشْ هذه الأحاسيس ..التي
تُصارعُ حُلمهُ ..وواقِعه ..معاً ً..ثُمَّ !!!!
أيقَظَهُ رَجُلٌ بِالقُربِ مِنهُ  :
أستاذْ لقَد كنتَ نائماً . .هَذهِ...
 هِيَ المَحَطة الأخيرة
نَعَمْ لَقَد كانَ حُلماً

 بقلم : عِصام حَمي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماللوطن... عبد الرزاق سعدة

من بين الامي..علي اسماعيل الزراعي

خذني اليك... علي اسماعيل الزراعي